“لن أعود إلى تونس”.. نواب برلمانيون يفرون للخارج خوفاً من “قضاء الرئيس”

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/15 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/21 الساعة 08:02 بتوقيت غرينتش
البرلمان التونسي - صورة أرشيفية - رويترز

وجد العديد من النواب البرلمانيين في تونس أنفسهم في وضع يفرض عليهم الفرار من قرارات الرئيس قيس سعيّد، حيث تلاحق عدد منهم ملاحقات قضائية بسبب مواقف سياسية وأحكام بالسجن صدرت ضدّهم بعد 25 تموز/يوليو 2021.

ومن أهم النواب الذين خارج تونس حاليّا، رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، وشقيقه النائب عن كتلة الحزب غازي القروي، ورئيس الكتلة أسامة الخليفي.

أيضاً يوجد خارج تونس كل من الناطق الرسمي باسم البرلمان والنائب عن حركة النهضة ماهر مذيوب، وكذلك فتحي العيّادي، وبُشر الشابي عن حركة النهضة، والنائب عن حركة أمل وعمل ياسين العياري، والنائب عصام البرقوقي.

أسامة الخليفي: لن أعود إلى تونس

رئيس كتلة قلب تونس بالبرلمان أسامة الخليفي، أحد النواب المتواجدين خارج تونس وتحديداً في فرنسا، قال إنه سافر قبل 25 يوليو/تموز 2021 الذي وصفه بتاريخ "الانقلاب" بسبب التزامات عائليّة، ولكنه لم يعد لليوم خوفاً من ملاحقات قضائيّة مُفتعلة، خاصة بعد تحركاته السياسية ضدّ الرئيس سعيّد التي يقوم بها من الخارج.

وقال الخليفي لـ"عربي بوست": "وجودي أنا شخصياً في الخارج لأسباب عائلية بحتة وكان ذلك قبل الإعلان عن الانقلاب، إلا أنه وبعد الانقلاب قررت البقاء في الخارج لأني كنت على يقين من النفق الاستبدادي الذي دخلت فيه البلاد، ومن الاستهداف الذي سيطال النواب باطلاً عبر تلفيق التهم الكيدية لتصفيتنا كخصوم سياسيين يرى فينا المنقلب خطراً على مشروعه الهلامي لتهديم الدولة"، وفق قوله.

واستدلّ النائب في توقّعاته بخصوص الملاحقات التي سيتعرّض لها في حال عاد إلى تونس، بما وصفه بـ"الهرسلة" القضائية والأمنية والترهيب وحملات التشويه التي طالت النواب بعد الجلسة العامة البرلمانية المنعقدة في 30 آذار/مارس 2022 إلى شارك فيها وما تبعها من توجيه تهم للنواب بالتآمر على أمن الدولة التي تصل عقوبتها للإعدام، والتي تندرج في سياق ما سمّاه الخليفي "الهجوم من طرف سعيّد على البرلمان الشرعي للتخلّص منه والانفراد بالسلطة"، وفق تعبيره.

الرئيس الأسبق.. بالخارج أيضاً

الرئيس الأسبق لتونس المنصف المرزوقي كان متواجداً في تونس خلال فترة 25 يوليو/تموز 2021 وما تلاها، وواصل في توجّهه قبل ذلك التاريخ بانتقاد الرئيس قيس سعيد من خلال فيديوهات كان يبثّها على صحفته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وفيديو نشره، وهو متواجد خارج البلاد، وثّق المرزوقي مشاركته في وقفة احتجاجية نظمها تونسيون في العاصمة الفرنسية باريس، ودعا في الكلمة التي ألقاها خلال الوقفة الاحتجاجية الفرنسيين إلى "عدم دعم الانقلاب"، كما أكد أنه شخصيّاً وراء قرار منظمة الفرنكوفونية إرجاء قمة الفرنكوفونية العالمية، التي كانت من المفترض أن تنعقد بجزيرة جربة (جنوب شرق تونس) في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بحضور رؤساء الدول الكبرى الناطقة باللغة الفرنسية، كفرنسا وكندا، وقال إن ذلك القرار دليل على تخلّي الدول الغربية عن سعيّد وتوجّهها لدعم معارضته.

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول ردّ عليه الرئيس سعيّد بنفسه، خلال ترؤسه لاجتماع وزاري، واتهمه بـ"ضرب مصالح الدولة التونسية في الخارج" و"التآمر على أمن البلاد"،  وطلب من وزيرة العدل التي كانت حاضرة في الاجتماع الوزاري فتح تحقيق في الموضوع، فيما أعلن هو أنه قرر سحب جواز السفر الدبلوماسي من الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

وبعد حوالي أسبوعين وجد الرئيس الأسبق لتونس نفسه مطلوب دولياً، بعد إصدار النيابة العامة في بداية نوفمبر/تشرين الثاني بطاقة جلب دولية ضدّه، وفي 22 ديسمبر/تشرين الثاني 2021، حُوكم المرزوقي وهو في حالة هروب كذلك وصدر بحقّه حكم بالسجن 4 سنوات مع النفاذ العاجل بتهمة التآمر على أمن الدولة الخارجي، وحالياً يُعتبر المرزوقي قانونياً مطلوباً هارباً. 

والمنصف المرزوقي (76 عاماً) كان معارضاً بارزاً لنظام زين العابدين بن علي، وكان ممنوعاً من دخول تونس خلال فترة طويلة من حكم بن علي، ما فرض عليه المعارضة من خارج تونس ليعود بعد سقوط نظام بن علي في مطلع 2011، وبعد الانتخابات التشريعية في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 تحالف مع الإسلاميّين وتقلّد منصب أول رئيس لتونس بعد الثورة للفترة الممتدّة بين 2011 و2014.

وشارك في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 وخسر في الدور الثاني أمام الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي، فيما لم يتحصّل في الانتخابات الأخيرة التي تم إجراؤها في سنة 2019 سوى على ما يقارب 2% من أصوات الناخبين وخرج من الدور الأول.

الشقيقان قروي مُختفيان كليّاً 

من أبرز السياسيين والنواب الفارين من تونس بعد 25 تموز/يوليو 2021، رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي وشقيقه النائب عن نفس الحزب غازي القروي، حيث اختفيا كليّاً من تونس منذ إعلان قيس سعيد عن تدابيره الاستثنائية، ووقع القبض عليهما من طرف السلطات الجزائرية في 24 أغسطس/آب 2021 في منزل بتبسة ملك رجل أعمال وعضو سابق في البرلمان الجزائري.

وتمت بعد ذلك إحالتهما على القضاء الجزائري بتُهمة اجتياز الحدود الجزائرية بصفة غير قانونية والتي قرر في بداية أكتوبر/تشرين الأول الإبقاء عليهما في حالة سراح، لتنقطع بعد ذلك أخبار الشقيقين قروي كليّاً مع تأكيد بعض المصادر أن رئيس حزب قلب تونس شُوهد في باريس.

وسُجن رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي (30 مقعداً في البرلمان)، خلال فترة تولي يوسف الشاهد لرئاسة الحكومة، بتُهمة غسل الأموال والتهرب الضريبي، وأُطلق سراحه بعد ضغوط خارجية باعتباره مرشحاً للانتخابات الرئاسية وواحداً من المرشحين الاثنين اللذين مرّا للدور الثاني.

لكنه عاد للسجن مرة أخرى بضغط من قيس سعيد نفسه كما أكد حزبه آنذاك، وتم إطلاق سراحه في في 15 يونيو/حزيران 2021 في عملية وصفتها المعارضة بـ"المدبرة من رئيس حركة النهضة والبرلمان راشد الغنوشي" باعتباره حليفه في البرلمان وخارجه، كما أن الغنوشي خضع لمقايضة آنذاك تمثلت في إيجاد أي حل أو طريقة لإخراج القروي من السجن أو تصويت نواب قلب تونس لصالح سحب الثقة منه كرئيس برلمان الذي كانت تسعى له المعارضة وعبير موسى خلال تلك الفترة.

هذا وقد اعتمد القروي في البداية على العمل الخيري والجمعيّاتي بجمع التبرعات وتوزيعها على الفقراء والترويج لنفسه عبر قناته المُسماة "قناة نسمة"، ومن ثم أعلن عن تأسيس حزب قلب تونس الذي استفاد من العمل الخيري وحصل على 38 مقعداً في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، فيما مرّ نبيل القروي للدور الثاني للانتخابات الرئاسية، وهُزم أمام قيس سعيّد.

ويواجه نبيل القروي اتهامات كثيرة بالفساد واستغلال العمل الجمعياتي في أهداف سياسية.

حضور جنازة والدته يقابله السجن

المدوّن المعروف في تونس خلال أحداث ثورة يناير التي شهدتها البلاد مطلع عام 2011، والنائب عن حركة أمل وعمل ياسين العياري، أحد النواب العالقين خارج تونس ومن الذين يُعتبرون في حالة فرار، ففور رفع الحصانة عن النواب في 29 تموز/يوليو 2021 قُبض عليه وقضى عقوبة بالسجن لـ3 أشهر أقرها القضاء العسكري ضده في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018 بتهمة "المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش والمسّ من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته".

وبعد مغادرته السجن، أعلن النائب ياسين العياري أنه سافر إلى فرنسا للعلاج وتابع انتقاد الرئيس قيس سعيد ووصفه بالـ"انقلابي"، ليصدر ضدّه في 18 شباط/فبراير 2022 حكم آخر بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة "المساس بمعنويات الجيش وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية"، وقد اعتبر العياري خلال جلسة المحاكمة في حالة فرار.

وفي منتصف مارس/آذار الماضي أعلن ياسين العياري عن وفاة والدته، وأكد أنه لن يحضر موكب دفنها وجنازتها نظراً للحكم الصادر ضدّه، والذي يجعل عودته لتونس يُقابلها مباشرة عودته للسجن لتمضية عقوبة الـ10 أشهر، ليبقى إلى حدود اليوم خارج تونس هارباً من بطش سعيّد.

المسّ بمعنويات الجيش

النائب عن حركة النهضة بُشر الشابي متواجد في فرنسا ودأب بعد 25 تموز/يوليو 2021 بفترة قصيرة على المساهمة في تنظيم وقفات احتجاجية رفقة رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي أمام القنصلية التونسية في باريس، وعادة ما كان يُلقي كلمة يُهاجم من خلالها الرئيس سعيد ومساره الذي لا يصفه سوى بـ"الانقلابي".

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني تلقى النائب، المعارض لقيس سعيد، دعوة من طرف المحكمة العسكرية التونسية للحضور في جلسة بتُهمة المسّ بمعنويات الجيش الوطني والدعوة إلى عصيان القيادات العليا للجيش الوطني"، لتقرّر المحكمة غيابياً السجن لبشر الشابي، وهو محام كذلك، مدّة 8 أشهر مع النفاذ العاجل إثر جلسة مُحاكمة اعتبر فيها الشابي في حالة فرار.

تحرّكات في الخارج وتأسيس برلمان المهجر

عدد من النواب والسياسيين المتواجدين خارج تونس، يتحرّكون للتعريف بما يصفونه انقلاباً على الديمقراطية في تونس، وعلى رأسهم الناطق الرسمي باسم البرلمان والنائب عن حركة النهضة ماهر مذيوب ورئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي والنائب عن حركة النهضة فتحي العيّادي اللذان شاركا في الجلسة العامة للمؤتمر العالمي الخامس لرؤساء البرلمانات، التي عقدت يومي 7 و8 سبتمبر/أيلول 2021 في النمسا.

ومنذ حوالي الأسبوع، أعلن رئيس كتلة قلب تونس بالبرلمان والقيادي بالحزب أسامة الخليفي التوجّه لتأسيس برلمان المهجر من طرف النواب والسياسيين المتواجدين خارج تونس، وقد أوضح الخليفي لـ"عربي بوست" أن فكرة بعث تنسيقيّة للنواب الموجودين في المهجر أو برلمان المهجر فكرة طرحت للنقاش وهي بصدد التكوين، وهدفها توحيد المواقف وتعزيز المقاومة ضد الانقلاب على الدستور والشرعية، وفق تعبيره.

وتابع الخليفي قائلاً إن الإشكال اليوم هو تصديق جزء من الشعب لمغالطات قيس سعيد، حيث أكد أن كل ما صدر عن الرئيس سعيد غير صحيح ووعود زائفة وفي إطار خطة "شعبوية طبقها المنقلب للتخلص من خصومه والاستحواذ على كل السلطات لتطبيق مشروعه السياسي الجاهز الذي سيزيد من تفقير الفقراء وتجويع الجياع وتفليس البلاد لا غير"، وفق قول رئيس كتلة قلب تونس.

لكن في المقابل أكد النائب المتواجد خارج تونس، أنه سيواصل "مقاومة الانقلاب"، وسيبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم حسب ما ينص عليه الدستور الذي يستمدّ منه رئيس الجمهورية شرعيّته ويعتمده في كل مرة، وهو نفس ما أكده الناطق الرسمي باسم البرلمان والنائب عن حركة النهضة، والمتواجد كذلك خارج تونس، ماهر مذيوب لـ"عربي بوست".
حيث أكد النائب ماهر مذيوب أنه يتحرّك وفق الدستور باعتبار أنه ينصّ في الفصل 80 الذي استند إليه الرئيس قيس سعيد لإقرار التدابير الاستثنائية، على بقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم، وهو يعمل على الدفاع على البرلمان والنواب من الخارج بمعية أسامة الخليفي وفتحي العيادي، وقد أسفرت شكوى تقدّم بها لاتحاد البرلمان الدولي عن إعلانه عدم الاعتراف حتى الساعة بقرار تعليق صلاحيات البرلمان ومن ثم حلّه.

"سأعود لتونس وأواصل التحرّك"

الناطق الرسمي باسم البرلمان والنائب عن حركة النهضة ماهر مذيوب أوضح لـ"عربي بوست" أنه سافر يوم 15 يوليو/تموز 2021 إلى تركيا لحضور حفل تخرّج ابنته في 28 من نفس الشهر، ويوم 25 يوليو/تموز كان في الخارج حين حدث ما وصفه بـ"النسخة المصرية المعدّلة من الانقلاب"، وفق تعبير مذيوب الذي أكد أنه سيعود إلى تونس فور الانتهاء من التزاماته المهنية والعائلية، خاصة أنه مقيم بالخارج في الأصل وفاز بمقعد في البرلمان عن دائرة انتخابية بالخارج.

وكان اللقاء الذي عقده ماهر مذيوب مع رئيس البرلمان التركي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي أول تحركاته ضدّ قرارات سعيد ومسار 25 تموز/يوليو، ومن ثمّ توالت تحركات النائب عن حركة النهضة بالخارج وتقديم شكايات في الهيئات والمؤسسات الدولية، كالبرلمان الدولي، وأكد أنها تخصّ البرلمان التونسي والنواب فقط وليس تونس.

وأكد مذيوب أنه سيواصل الدفاع عن البرلمان كمؤسسة تمثل حلاً لأزمة والنواب الذين يتعرّضون لمظلمة وملاحقات قضائيّة بسبب مواقفهم السياسية وغيرها من الانتهاكات، وأكد أنه يعمل مع النائبين فتحي العيادي ورئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي، ولن يتخلى عن صفته كنائب إلا بعد أداء نواب البرلمان المقبل اليمين الدستورية.

“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى. 

نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”

تحميل المزيد