نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية تقريراً، السبت 9 أبريل/نيسان 2022، رصدت فيه عمل مجموعات من المواطنين الأوكرانيين داخل شبكات سرية من أجل استقبال الطائرات المسيرة وكذلك الأسلحة ونقلها الى الجيش الأوكراني لمواجهة الجيش الروسي.
التقرير يقول إن الشبكات التي تعمل على استقبال الأسلحة والطائرات المسيرة، هي مجموعات من المتطوعين سبق أن عملت في التلفزيون الأوكراني، حيث التقط هؤلاء عشرات الصناديق التي تحتوي على وجبات التسخين الذاتي، وستة مناظير حرارية للبندقيات، ومعدات اتصالات عبر الأقمار الصناعية، و10 طائرات مسيرة تصل قيمة كل واحدة منها إلى ثمانية آلاف دولار، وجميع هذه الأغراض كانت متجهة إلى جبهة القتال.
طائرات مسيرة وأسلحة إلى أوكرانيا
كان الطريق الذي تشقه هذه الشاحنات من الحدود الأوكرانية البولندية إلى مخزن مدينة لفيف الأوكرانية ومنها إلى مدن أخرى، مثل كييف وسومي وخاركيف، يوضح الحقيقة المخيفة أمام الجنود الروس الذين ينفذون الهجوم في أوكرانيا: لقد حشد الدفاع عن أوكرانيا المواطنين من كل مجالات الحياة، بدءاً من الجنود الأشداء المعتادين على القتال، والذين خاضوا الحرب في دونباس على مدى ما يقرب من عقد من الزمان، ووصولاً إلى الأشخاص العاديين من مجالات الحياة المختلفة.
الشاب الأوكراني فلاديسلاف سالوف وقبل أن تبدأ روسيا هجومها في أواخر فبراير/شباط 2022، كان صاحب الـ34 عاماً، مصوراً سينمائياً ينفذ إعلانات تجارية من أستوديو موجود في كييف لصالح شركات مثل أبل وبي إم دبليو ومرسيدس. وقد كان في أغلب اللقطات كبير مساعدي الكاميرا، وكان مسؤولاً عن وضوح ونقاء الصورة.
قال صديقٌ له، وهو أيضاً مدير وحدة إنتاج تحول إلى مُهرِّب: "الآن يدير عمليات التهريب إلى داخل أوكرانيا".
في واقع الأمر، يدير سالوف جزءاً صغيراً من كمية غير محددة من البضائع التي تتدفق الآن عبر قنوات سرية غير رسمية دعماً للجيش الأوكراني. ويقدر فريق العمل الخاص به قيمة ما حصلوا عليه من مستلزمات وأدوات قتالية متطورة منحوها إلى الأصدقاء والغرباء في الجيش الأوكراني الذين يقاتلون القوات الروسية، بأنها تتجاوز مليون دولار.
قال سالوف: "منتجو الأفلام معتادون على أننا نستطيع الحصول على أي شيء من أي مكان، كان ذلك أمس. الآن نفعل الأمر نفسه، ولكننا غيّرنا وجهة نظرنا". وأضاف: "كانت كاميرات. والآن صارت دروعاً واقية".
"لقد بدأت الحرب"!
كانت إليزابيث سيغورسكا تقضي عطلة في مصر عندما بدأت القوات الروسية هجومها بأوكرانيا. في الخامسة صباحاً في 24 فبراير/شباط 2022، استيقظت الخبيرة الاستراتيجية في مجال العلامات التجارية على أخبار الهجوم، فاتصلت بخطيبها، سالوف.
قالت إليزابيث عبر الهاتف: "استيقِظ عليك اللعنة. لقد بدأت الحرب". ثم ركبت الطائرة المتجهة إلى برلين بعد أيام، وبعدها ركبت سيارة اصطحبتها إلى الحدود كي تقابله.
اتصل سالوف بمسؤول تنفيذي في شركة تسويق رقمي في كييف، كان يحشد شبكة من الشباب المتعلمين العاملين بمجالات شتى، وذلك من أجل التحرك. واتحد أصدقاء من العاملين في القطاعات المصرفية والصيدليات والكازينوهات وفي قطاعات تكنولوجيا المعلومات، كي يشكلوا مجموعة تعرف بـ"آي تي تروبس" (IT Troops)، أي قوات تكنولوجيا المعلومات. يعمل أكثر من 200 شخص في جيش تكنولوجيا المعلومات الرسمي الخاص بأوكرانيا، ويخوضون الحرب ضد روسيا.
إرسال مساعدات عسكرية لجبهة القتال
بينما استخدمت المجموعة التبرعات المرسلة إليها كي يرسلوا مستلزمات إنسانية وعسكرية إلى الجبهة، فإن ألمع العقول في مجموعة "آي تروبس" زرعت إعلانات رقمية على منصات التواصل الاجتماعي الروسية ومنصات الترفيه أسرع من قدرة روسيا على إيقافها. وعندما حظرت روسيا الدخول إلى غالبية مواقع التواصل الاجتماعي، حوّلت المجموعة تركيزها نحو بقية أوروبا، ووضعت إعلانات وافقت عليها القوات المسلحة الأوكرانية تدعو المتطوعين للانضمام إلى الفيلق الأجنبي بالجيش الأوكراني.
بعد استنفاد غالبية حساباتهم المصرفية الخاصة، ناشد أعضاء المجموعة أصدقاءهم الأثرياء نسبياً حول أوروبا.
جاءت التبرعات بسرعة في البداية. وبعضها وصلت عن طريق صفحة التبرعات الخاصة بالمجموعة. فيما وصلت تبرعات أخرى في صورة شراء مستلزمات. حتى إن رجلاً تبرع بـ30 ألف دولار، لكنه طلب طلباً غريباً من سائق الشاحنة، يتمثل في التقاط إطارات سيارته ماركة بورشه من منزله في كييف وتوصيلها بطريقة ما إلى منزله الصيفي في فرنسا. قال سالوف: "لا أعرف كيف سأجلبها، لكني سوف أحاول". ثم أبلغه لاحقاً: "غداً في المساء ستكون (الإطارات) في فرنسا".
بعد أن أثبتت مجموعة آي تي تروبس قدراتها على تسليم الخوذ والدروع الواقية من المقذوفات الباليستية إلى الوحدات العسكرية، بدأ الجنود في طلب أغراض كان الحصول عليها أصعب. أحد أعضاء مجموعة القناصة طلب بندقية آدامز أرمز بي2. عُثر على البندقية في لفيف وسُلمت إلى الجندي في سبع ساعات. أرسلت مجموعة القوات الخاصة الأوكرانية "ألفا" صوراً للقتلى من الجنود الروس؛ لتشجيع المستثمرين على إعطاء المزيد.
إرسال خوذ من إسرائيل
أما مجموعة آي تي تروبس، فقد أرسلت إلى الجبهة خوذاً من إسرائيل، وطائرات مسيرة من إنجلترا، ونظارات رؤية حرارية من فرنسا، ومقاييس مسافات باستخدام أشعة الليزر من كندا، وأجهزة إرسال واستقبال ستارلنك من هولندا، وطابعات ثلاثية الأبعاد ومؤشرات تصويب ودروعاً واقية من بولندا، ووجبات غذائية من الولايات المتحدة.
حيث وصلت الطائرات المسيرة في يوم السبت 2 أبريل/نيسان 2022، في مؤخرة شاحنة قادها رافاييل شلايفر، وهو مستشار أعمال في بولندا يبلغ من العمر 46 عاماً. تطوع شلايفر بوقته في العطلات الأسبوعية. ويعتقد أن إسهامه بسيط؛ فعديد من أصدقائه يستضيفون عائلات أوكرانية لاجئة في منازلهم.
إذ قال شلايفر: "ما أفعله لا يحتاج منك أن تكون ذا شجاعة خاصة. إننا نعيش بالقرب، ولذا يمكننا حقاً أن نستشعر الصراع بكل طريقة شخصية. لدينا هذا الشعور في بولندا بأننا قد نكون التالين. عندما يكون لدى الروس مشكلات هنا، فلن يأتوا إلى بولندا بسرعة كبيرة".
بينما كانت إليزابيث تنشر صوراً للغنائم على صفحة المجموعة بموقع إنستغرام، كان سيرهي فوروبيوف يساعد في تحميل شاحنة منفصلة متجهة إلى كييف. خاض فوروبيوف، 36 عاماً، الرحلة إلى العاصمة 4 مرات، وعادة كان يمر عبر الضواحي الجنوبية لكييف كي يتجنب القتال غرب كييف.
قصف صاروخي روسي لمدرسة أوكرانية
يقول فوروبيوف إنه كان يدخن سيجارة في شرفة بيته بمدينة جيتومير في مطلع مارس/آذار 2022، عندما ضرب صاروخ روسي مدرسة تبعد أقل من خمسة كيلومترات عن بيته. وقال: "في مدينتي، لا يدرك الجميع حقاً ما الذي كان يدور. بمجرد أن ترى وتسمع هذا النوع من الأشياء في الحياة الواقعية، فإنك تستوعب".
صار زواجه بعد مدة وجيزة ضحيةً من ضحايا الحرب. فضلت زوجته التي تزوجها منذ ثلاث سنوات، أن تبقى مع أسرتها في منطقة بالعاصمة كييف، لكنه أراد الربط بين أصدقائه الذين كانوا يشكلون سلسلة إمدادات مستقرة في لفيف. قال فوروبيوف: "الحرب جعلتنا ندرك أننا ربما لسنا ملائمين لبعضنا".
عندما أسست مجموعة آي تروبس طريق لفيف-كييف، تطوع فوروبيوف ليقود الشاحنة. وقد كان قريباً من الموت للغاية: فعندما كان عائداً إلى لفيف عبر ضواحي كييف الجنوبية في الشهر الماضي، أبلغوه في نقطة تفتيش أن طابوراً روسياً كان وراءه. بينما كان سائق الشاحنة يسرع عند مروره عبر نقاط التفتيش، كان الروس يفجرون قوات الدفاع عن الأراضي على مدى عدة أميال. وفي النهاية، اشتبكت معهم وحدة أوكرانية مُسلحة تسليحاً جيداً، واستطاع فوروبيوف في نهاية المطاف أن يهدئ سرعته.
خلافاً لذلك، لا يرى فوروبيوف إلا آثار ما بعد المعارك: مثل مركبات عسكرية روسية أُسرت وأُعيد طلاؤها وهي في الطريق إلى الجبهة، أو هياكل علوية محترقة لمدرعات حربية، أو بنايات مُحيت معالمها تماماً بفعل القذائف المدفعية.
في الوقت نفسه فقد عبر فوروبيوف بالطائرات المسيرة العشر من خلال عشرات نقاط التفتيش الأوكرانية، وشاهد في طريقه طيور اللقلق ذات اللونين الأبيض والأسود بينما تلتقط الحشرات من قلب التربة الطينية، والمقابر الممتلئة بالصلبان الأورثوذكسية ذات اللون الأزرق الفاتح، والجدات اللواتي يركبن الدراجات ويحملن أغراض البقالة داخل السلال. وخارج العاصمة، كان يمر بسيارته فوق الطريق المثقوب بفعل نيران المدفعية.
كذلك، فقد قال فوروبيوف: "كلما اقتربت من كييف، تزداد رؤية أشباح الحرب. لكني أفكر في اليوم الحالي وحسب. إنني هنا الآن. وإنني الآن ترسٌ صغيرٌ في الماكينة الأوكرانية".