حملت زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المغرب الجديدَ كما كان متوقعاً؛ إذ تم الإعلان يوم الخميس 7 أبريل/نيسان 2022، عن إعادة فتح معبرَيْ سبتة ومليلية، المدينتين الخاضعتين للحكم الذاتي الإسباني.
بالإضافة إلى ذلك، أُعلن عن فتح الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا، وتوثيق التعاون في عدد من المجالات، من بينها الاقتصادي والتجاري والطاقي والصناعي والثقافي.
بعد استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيسَ الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وصف هذا الأخير اللقاء بـ"التاريخي"، والذي قال إنه "سيعزز العلاقات الثنائية في جميع المجالات".
فتح الحدود حالاً وبشكل تدريجي
وأعلن سانشيز، في ندوة صحفية تم نقلها مباشرة عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، عن إعادة فتح معبرَي سبتة ومليلية بشكل تدريجي، بهدف ضمان التدفق المنتظم للأشخاص، استناداً لمستجدات الحالة الوبائية، مع تبادل البضائع عبر المراكز الجمركية القانونية، إلى جانب فتح الحدود البحرية والاستعداد لـ"عملية مرحباً".
وسيكون لهذا الجديد الأثر الكبير على المستوى الاجتماعي؛ إذ سيصبح بإمكان آلاف من العمال القانونيين المغاربة استئناف عملهم بكل من سبتة ومليلية، كما سيتعافى اقتصاد هاتين المدينتين من الأزمة الخانقة التي عاشها جراء الإغلاق لمدة قاربت السنتين.
وأفاد بيان مشترك صادر عن المغرب وإسبانيا، بأنه سيتم "الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري".
وأضاف البيان، الذي صدر عقب المباحثات التي أجراها العاهل المغربي مع رئيس الحكومة الإسبانية، أنه سيتم "إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين، حالاً وبشكل متدرج، إلى حين فتح مجموع الرحلات"، و"إطلاق الاستعدادات لعملية مرحباً".
وسنة 2019 أُغلقت الحدود البرية بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية بقرار أُحادي من الرباط، هذا الأخير الذي اعتبر أن تهريب السلع يؤثر على اقتصاد المملكة.
وكان المغرب قد استثنى إسبانيا، كمحطة عبور، خلال تنظيمه عملية مرحباً لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج، والتي نُظمت يوم 15 يونيو/حزيران 2021، حيث اقتصر على العبور من فرنسا وإيطاليا.
الصحراء مغربية
وتضمَّن البيان المشترك الصادر عن البلدين عدداً من العناصر، أولها "اعتراف إسبانيا بأهمية قضية الصحراء للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب، في إطار الأمم المتحدة، لإيجاد حل متوافَق بشأنه".
كما اعتبرت إسبانيا أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 لإنهاء نزاع الصحراء هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع، بحسب نص البيان.
وفي هذا الإطار، يقول محمد تاج الدين الحسيني، خبير في العلاقات الدولية ونائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، إن "هذا اللقاء يؤشر على تطور نوعي في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ويشكل خطوة لحلحلة ملف الصحراء المغربية، الذي ظلَّ يراوح مكانه منذ حوالي أربعة عقود من الزمن".
واعتبر الحسيني، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "موقف إسبانيا من الصحراء له الأهمية البالغة، على اعتبار أن الأقاليم الجنوبية كانت مستعمرتها السابقة، وكانت مواقفها تسير تجاه الجزائر، لتعلن إسبانيا بعد ذلك أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع".
وأضاف المتحدث ذاته أن مصطلح "أكثر" يدل على أن مقترح الحكم الذاتي هو الأفضل من بين المقترحات، مشيراً إلى أن "هذا التحول في الموقف الإسباني جاء في وقته، وذلك لصدوره قبل انعقاد مجلس الأمن، يوم 20 أبريل/نيسان 2022، للنظر في ملف الصحراء المغربية".
تدشين مرحلة جديدة
وأقام العاهل المغربي مأدبة إفطار على شرف رئيس الحكومة الإسبانية، وذلك بعد استقباله بالقصر الملكي بالرباط.
ووفق بلاغ للديوان الملكي فإن هذا الاستقبال يأتي امتداداً للمحادثات الهاتفية التي جرت في 31 مارس/آذار 2022، بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية، وتجسيداً للرسالة التي وجهها في 14 من الشهر نفسه بيدرو سانشيز، إلى الملك، والتي التزمت فيها الحكومة الإسبانية بتدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين المملكتين، قائمة على الشفافية والاحترام المتبادل.
وجدَّد سانشيز التأكيدَ على "موقف إسبانيا بخصوص ملف الصحراء، معتبراً المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".
وقد جدد الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية تأكيد الإرادة في فتح مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق"، حسب ما ورد بنص بيان الديوان الملكي.
ترسيم الحدود البحرية
وتعد مسألة ترسيم الحدود البحرية من النقاط التي أثارها البيان المشترك، والذي جاء فيه "سيتم تفعيل مجموعة العمل الخاصة بتحديد المجال البحري على الواجهة الأطلسية، بهدف تحقيق تقدم ملموس".
وكان المغرب قد أقر قانونَيْن مطلع سنة 2020، يهدفان إلى "بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية"، وهو ما يتطلب التفاوض بين المغرب وجارته إسبانيا، من أجل حل أي تداخل بين المياه البحرية للطرفين".
ومن الملفات التي سيتم تعزيز التعاون بشأنها التعاون في مجال الهجرة، وجميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها الاقتصادي والتجاري والطاقي والصناعي والثقافي".
كما تم الاتفاق بين المغرب وإسبانيا على تشكيل لجنة مكلفة بالسهر على تنفيذ البيان المشترك، في غضون 3 أشهر، وفقاً لما جاء في البيان المشترك.
تعاون في جميع المجالات
وأعلن البلدان أيضاً إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة، وتسهيل المبادلات الاقتصادية والمواصلات بين البلدين، مع إعطاء الأولوية لمجال التربية والتكوين المهني والتعليم العالي خلال هذه المرحلة الجديدة، إلى جانب تعزيز التعاون الثقافي.
وفي هذا السياق، ذكر محمد تاج الدين الحسيني بطبيعة الملفات التي تجمع بين المغرب وإسبانيا، من قبيل ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية.
وقال الحسيني "توجد حوالي 700 شركة إسبانية بالمغرب، كما أن هذا الأخير يتعامل مع حوالي 17 ألف شركة إسبانية في كل المجالات، إلى جانب العلاقات ذات البعد الاجتماعي، والمتمثلة في وجود عدد كبير من المغاربة المقيمين بإسبانيا".
وأضاف المتحدث ذاته أن هناك تحولاً نوعياً في الصادرات المغربية نحو إسبانيا، والتي لم تعد تقتصر على الخضراوات والفواكه والأسماك، بل تطورت إلى الملابس والسيارات والأجهزة الإلكترونية.
ويعد المغرب الشريك الثالث لإسبانيا من خارج دول الاتحاد الأوروبي، فحسب إحصائيات رسمية لسنة 2021 فقد بلغت صادرات المغرب نحو إسبانيا 7.3 مليار يورو، وواردات المغرب من إسبانيا حوالي 9.5 مليار يورو.
وبعد أن وصف هذا اللقاء بالتاريخي والنوعي، أشار الخبير في العلاقات الدولية أن "المغرب أصبح هو المنصة الموعودة للربط بين أوروبا وإفريقيا".
وبهذا يكون المغرب وإسبانيا قد دشنا مرحلةً جديدةً في علاقاتهما الثنائية، وطَوَيا صفحة أزمة دبلوماسية استمرت لِما يقارب السنة، كان سببها استقبال إسبانيا إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية بهوية مزيفة لتلقي العلاج.