فتح الإعلان الذي أدلى به رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون عن زيارة بابا الفاتيكان للبنان مطلع يونيو/حزيران القادم، ردود فعل متناقضة، في ظل تشكيك العديد من المراجع الدبلوماسية بإمكانية إجراء هذه الزيارة.
جاء هذا في وقت رد فيه مراسل الفاتيكان في لبنان كريستوفر وايت، على إعلان عون بالقول إن "الفاتيكان لم يعلن بعد عن هذه الزيارة". ثمّ نشر موقع "الفاتيكان نيوز" خبراً مفاده أنّ زيارة البابا فرنسيس للبنان "لا تزال قيد الدراسة".
بالمقابل فإن إعلان عون عن الزيارة تربطه أطراف سياسية لبنانية بخلفية سياسية، يريد من خلالها عون استثمار الزيارة انتخابياً لصالح تيار صهره "التيار الوطني الحر"، وهو ما يعد مخالفة للحدّ الأدنى من البروتوكول الذي يقتضي إعلان الفاتيكان عن الزيارة أوّلاً إذا كانت فعلاً ستحصل.
وفي حين أنّ الفاتيكان لم ينفِ الخبر الصادر عن رئاسة الجمهورية بخصوص الزيارة، إلّا أنّ الفكرة، بحسب مصادر سياسية لـ"عربي بوست"، "لا تزال قيد الدراسة في الفاتيكان وما زالت الأمور غير واضحة، خصوصاً أنّه وفق الأعراف والتقاليد، تُعلن في العادة زيارة رسمية كهذه من الكرسي الرسولي".
زيارة بابا الفاتيكان للبنان شبه مؤكدة
تشير مصادر حكومية مطلعة لـ"عربي بوست" إلى أن السفير البابوي في بيروت المونسنيور جوزيف سبيتري، تسلَّم منذ يومين رسالة من الفاتيكان مفادها أنّ البابا فرنسيس يرغب في زيارة لبنان أيام 12 و13 يونيو/حزيران المقبل.
وتشير المصادر إلى أن السفير البابوي فوجئ بالرسالة على اعتبار أنّ المعطيات كانت تشير إلى أن لا زيارة قريبة لرأس الكنيسة إلى لبنان، خاصة أن الأخير يعتقد أن أي زيارة "فاتيكانية" وتحديداً للبابا لا يمكن إلا أن تحمل معها افتتاحاً لمسار حلّ للأزمة اللبنانية، وليس تكريساً للأزمة.
وانتشر الخبر في عدد من وسائل الإعلام في لبنان، فتوجّه السفير البابوي إلى قصر بعبدا حاملاً معه الرسالة الخطّيّة من الفاتيكان، حيث تسلّمها رئيس الجمهورية ميشال عون وجرى إعلانها على صفحة الرئاسة مع صورة تذكارية له مع السفير البابوي، وجرى نشر مضمون الرسالة قبيل إعلان الفاتيكان عنها.
وتشير المعطيات إلى أنه تم إبلاغ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وجرى الاتفاق على أن يعقد لقاء في الأيام المقبلة بين البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، للبحث في ترتيبات الزيارة وكيفية مواكبتها من مختلف الجهات.
رفض استغلال الزيارة انتخابياً
في إطار متصل، تشير مصادر دبلوماسية غربية إلى وجود استياء عارم أبداه الفاتيكان على إعلان عون عن الزيارة قبيل إعلانها بشكل رسمي من قبل الجهات الموكل لها الإعلان عن زيارات "الحبر الأعظم"، على اعتبار أنّ البروتوكول يقتضي انتظار الإعلان الرسمي من الفاتيكان قبل أيّ شيء آخر.
حتى الساعة، فإن الزيارات الوحيدة المعلنة للبابا فرنسيس في شهر يونيو/حزيران القادم هي للكونغو وجنوب السودان.
وتشير المصادر إلى أن استياء جرى التعبير عنه عبر مسؤولين بالفاتيكان إلى عون نتيجة تصريحات أدلى بها لصحيفة إيطالية خلال زيارته الأخيرة لروما، حين أعلن عن مساعي حزب الله في حماية المسيحيين من المد الإسلامي خلال الثورات العربية.
بالمقابل فإن دوائر الفاتيكان أعربت عن استيائها من محاولة عون وفريقه استغلال الزيارة سياسياً قبيل الانتخابات في ظل تراجع تياره السياسي منذ اندلاع الاحتجاجات قبل سنتين ونصف، وممّا يسبّبه الإعلان عنها من انقسام لبناني.
فالزيارة- بحسب دوائر الفاتيكان- هي لكلّ اللبنانيين، ولا يُراد منها أن تكون وسيلة لتوظيفات سياسية وانتخابية.
الزيارة موضع نقاش منذ عام
بالمقابل يشير المصدر نفسه إلى أن فكرة زيارة البابا فرنسيس للبنان ليست وليدة اليوم، وهي موضع نقاش منذ سنة.
وبدأت الفكرة خلال زيارات البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الفاتيكان، وتحديداً لدى مطالبة الراعي بعقد مؤتمر دولي لبحث الملف اللبناني وتحييد لبنان عن صراعات المنطقة.
ولدى زيارة البابا فرنسيس إلى قبرص في ديسمبر/كانون الأول 2021، كان هناك تأكيد من قبل الفاتيكان بأنه سيزور لبنان قريباً.
كما تشير المعلومات إلى أن الرئيسين الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، تمنيا على البابا فرنسيس زيارة لبنان لإشعار المسيحيين في لبنان بأنهم غير متروكين لمصيرهم في ظل التصارع الإقليمي الجاري، ما يعني أنها ليست مرتبطة بدعوة عون أو دعماً سياسياً له.
أهداف الزيارة
تقول المحللة السياسية جوزفين ديب إن الزيارة لا يمكن إلّا أن توضع في سياق مسار الحلّ في لبنان وسوريا، لا سيّما أنّ أحد أهمّ الملفّات المطروحة، بالإضافة إلى سيادة لبنان والنأي عن إدخاله في صراعات خارجية، هو ملف اللاجئين السوريين وإيجاد حلول لعودتهم لبلادهم.
لذا ومن هذا المنطلق، يأتي الكلام عن مساعٍ فرنسية مترافقة مع عودة خليجية مرتقبة إلى لبنان، ومتقاطعة مع رغبة الفاتيكان بسحب فتيل الانفجار من لبنان ووضعه على سكّة الحلّ السياسي عبر مجموعة خطوات.
هذه الخطوات تبدأ بالانتخابات النيابية وتشكيل حكومة، وتُستكمل بالعمل على عقد قمّة لبنانية في باريس أو برعاية فرنسية لبحث إجراء تعديلات دستورية تعيد التوازن بين الطوائف، لكن تحت سقف اتفاق الطائف وليس خارجه.
ووفقاً لديب، فهذا المسار يُفترض أن تُتَوِّجه الانتخابات الرئاسية على أن تعكس التوازنات المقبلة في البلاد، وهي حتماً توازنات مختلفة عن الحالية، ولن تعكسها نتيجة الانتخابات النيابية بقدر ما ستعكسها التوازنات الطائفية والسياسية في البلاد.
اختلال التوازن
بالمقابل يعتقد الباحث والمحلل السياسي ربيع دندشلي أن الزيارة تكتسب أهمية استثنائية في هذه المرحلة، خصوصاً أنها ستكون بعد الانتخابات النيابية، وعلى مسافة أشهر قليلة من انتخاب رئيس جديد للجمهورية إثر انتهاء ولاية عون.
وسيكون للبابا- طبقاً للدندشلي – مواقف واضحة في هذا المجال كانت قد انعكست في مواقف البطريرك الراعي أيضاً، الذي عبّر عن رفض التمديد للمجلس النيابي أو لرئيس الجمهورية، آملاً من الرئيس الجديد الذي سينتخب أن يعيد التوازن لعلاقات لبنان مع المجتمعين العربي والدولي.
ويشير دندشلي إلى أنه وفي سياق الاهتمام الدولي بلبنان، فإن جزءاً رئيسياً من المناقشات التي تجري على المستويات الإقليمية والدولية لمناقشة الوضع اللبناني، يجري طرح العديد من الأفكار والتحديات حول اختلال التوازن الذي خلفه عهد الرئيس عون.
ويؤكد أنه يجري وضع خطة سياسية- اقتصادية شاملة للبنان، شرط أن يلتزم اللبنانيون بها ويكون لديهم نية واضحة في السعي للخروج من المأزق الذي يسيطر على البلاد، وهذا يجري التنسيق به بين باريس والدوحة والرياض والقاهرة مؤخراً.
وينعكس هذا في مواقف علنية تصدر عن دول الخليج مع إعلانها موعد عودة سفرائها إلى لبنان. وهناك نية واضحة في وضع برنامج مساعدات تبدأ إنسانية، وقابلة للتطور لاحقاً، سياسياً واقتصادياً، على حسب مدى التجاوب اللبناني الرسمي.
ويشير دندشلي إلى أن الفاتيكان يطلع من الفرنسيين على هذه التطورات والمناقشات، وزيارة البابا تأتي في هذا السياق: مواكبة المساعي الدولية لإنقاذ لبنان.