ماذا طلب السيسي من محمد بن زايد وبينيت؟ “عربي بوست” يحصل على كواليس ما دار في قمة المصالح المتناقضة

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/24 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/24 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش
لماذا فشلت القمة الثلاثية بين السيسي وبن زايد وبينت؟ - رويترز

حالة من الغموض أحاطت بنتائج القمة الثلاثية التي استضافتها مدينة شرم الشيخ وضمت كلاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، ونفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل، وهو ما فتح شهية الصحف والمواقع ومراكز الأبحاث لتقديم تحليلات مختلفة حول أهداف القمة ونتائجها.

اعتمدت هذه التحليلات على ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن القمة، باعتبارها المصدر الوحيد الذي تناول ما دار فيها بشيء من التفصيل، على عكس وسائل الإعلام المصرية والإماراتية التي اكتفت بنشر البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة المصرية ووزارة الخارجية الإماراتية، واللتين تحدثتا عن أن القمة ناقشت تداعيات التطورات العالمية خاصة ما يتعلق بالطاقة، واستقرار الأسواق والأمن الغذائي، فضلاً عن تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه آخر مستجدات عدد من القضايا الدولية والإقليمية.

لكن، مسؤول بجهاز سيادي مصري كشف لـ"عربي بوست" تفاصيل حول ظروف انعقاد القمة وما تمت مناقشته فيها من قضايا، وأسباب انفضاضها دون الإعلان عن نتائج حقيقية ملموسة.

طلب إماراتي وتحفظ مصري

 المسؤول قال إن الاجتماع تم بطلب إماراتي قبل عدة أيام وقامت تل أبيب بتعزيز هذا الطلب في نهاية الأسبوع الماضي، بعدما كانت القاهرة متحفظة على انعقاد القمة.

السبب وراء التحفظ المصري نقله المسؤولون المصريون لنظرائهم الإماراتيين والإسرائيليين، والذي جاء فيه نصاً أنهم "لديهم ما يشغلهم في الشارع المصري المشتعل في الفترة الأخيرة على خلفية الارتفاعات المخيفة في أسعار أغلب السلع والمرتقبة في أسعار البنزين، بجانب خفض قيمة الجنيه المصري، وخروج ما يقرب من 15 مليار دولار من البلاد منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية".

مصر وافقت مقابل وعود بحلول سريعة لمشاكلها الاقتصادية

وأضاف المصدر أن ما شجع القاهرة على قبول انعقاد القمة هو وعود الجانبين الإسرائيلي والإماراتي بالتعاون مع مصر لإيجاد حلول سريعة وعاجلة للمشاكل الاقتصادية.

إذ تعهدت أبوظبي بضخ كميات إضافية من النفط الخام بأسعار تفضيلية إلى مصر في محاولة لاحتواء رفع أسعار البنزين التي يتوقع أن تزيد من حالة الاحتقان الشعبي الموجودة حالياً نتيجة ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات مقابل ثبات الأجور وتدهور قيمة الجنيه.

أما إسرائيل فقد تعهدت هي الأخرى بمساعدة مصر في تنشيط السياحة، ومن ثم رفع عوائدها من العملة الأجنبية خلال الشهور المتبقية من العام الحالي، وحتى وضوح الصورة في الأزمة الروسية الأوكرانية وانعكاساتها الاقتصادية على العالم.

لكن المصدر عاد للتأكيد على أن ما حدث فعلياً في القمة لم يرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان يتوقع أن تعلن الدولتان عن التزاماتهما السابقة هذه بشكل واضح وعلني خلال انعقاد الاجتماعات. لكنه في المقابل حصل فقط على وعود فضفاضة، وهو ما لم يكن كافياً له.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء سابق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت/رويترز
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء سابق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت/رويترز

وأضاف: "الرئيس المصري وجد مراوغة من الطرفين لربط أي مساعدات تقدم إلى مصر بتنازل القاهرة عن موقفها الثابت من إيران، والقبول بانضمام مصر إلى حلف إقليمي يجري تشكيله من إسرائيل ودول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن والسلطة الفلسطينية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة".

وكانت القاهرة التزمت منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 بالحفاظ على "علاقات باردة" مع طهران دون أي عداء معلن. وتدعو القاهرة السلطات الإيرانية دائماً إلى التوقف عن التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، لكن دون أن تأخذ موقف متشدد أو عدائي على الأرض تجاهها

وكانت فكرة هذا الحلف ظهرت في وقت سابق بالتزامن مع الإعلان عما كان يطلق عليها "صفقة القرن"، وكان يطلق عليه الحلف السني في مواجهة الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى سوريا وجنوب لبنان واليمن.

وقتها تحفظت القاهرة أيضاً على الانضمام احتجاجاً على ضعف المبلغ المخصص لها، والذي كان يصل إلى 9.167 مليار دولار من قيمة المبالغ المالية في إطار إنفاذ الصفقة، رغم كونه ثاني أكبر مبلغ تحصل عليه دولة من الدول المشاركة بعد السلطة الفلسطينية التي كانت ستحصل على 27.8 مليار دولار. وكانت وجهة نظر القاهرة أن الحصول على مكاسب مادية يسهل عليها تسويق الفكرة للشعب المصري بأن الأمر يرتبط برخائه.

توريط إسرائيلي لمصر

وأضاف أن ما لمسه السيسي من رغبة بينيت تحديداً في استغلال القمة لتوريط مصر في إعلان التزامها بالانضمام للحلف المرتقب، تسبب في تقليص مدة الاجتماعات، وانتهاء القمة دون التوصل إلى نتائج محددة.

هذا الأمر دفع القاهرة لعدم الإعلان عن أي تفاصيل تخص القمة والاكتفاء ببيان عام من الخارجية دون ملامح محددة.

بدلاً من ذلك، عقد الرئيس المصري اجتماعاً ثنائياً مع ولي عهد أبوظبي أسفر عن توقيع اتفاق لبيع حصة الحكومة المصرية في البنك التجاري الدولي، بجانب حصة من أسهم شركة فوري للدفع الإلكتروني مقابل ملياري دولار، ولم يتطرق الاجتماع إلى أي أمور سياسية.

هل وعدت إسرائيل بتدبير احتياجات مصر من القمح؟

مصدر دبلوماسي فلسطيني مقرب من دوائر الدبلوماسية المصرية، قال لـ"عربي بوست" إن هذه القمة سبقها تنسيق عالي المستوى بين الإمارات وإسرائيل، في محاولة لإيجاد خطة أو تصور ما لسيناريو صالح للتطبيق في مواجهة تمدد نفوذ الحرس الثوري الإيراني في حال رفع اسمه من قوائم الإرهاب الأمريكية، مثلما يتوقع أن يحدث بين لحظة وأخرى لإنجاح الاتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني.

وأضاف أنه تم الاتفاق على طلب عقد قمة في مصر بمشاركة رئيسها لسببين: الأول وزن مصر الإقليمي الذي يضمن نجاح واستمرار التحالف حال الإعلان عنه، خصوصاً أن القاهرة التزمت منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 بالحفاظ على علاقات باردة مع طهران دون عداء معلن.

أما السبب الثاني فهو قدرة مصر في التأثير على الفلسطينيين سواء من السلطة أو من حماس بالإقناع أو الاحتواء، لضمان عدم نفاذ الحرس الثوري الإيراني إلى العمق الإسرائيلي.

وذكر المصدر أن ما حصل عليه الرئيس المصري في الاجتماع الثلاثي لم يزد عن كلمات ووعود فضفاضة، ما جعله ينهي جدول أعمال القمة بشكل سريع على عكس ما كان مخططاً له، مع تعهده بالعودة لبحث قضية الحلف المزمع إنشاؤه بعد تحسن الأحوال الاقتصادية التي تمر بها مصر والتي أجبرت الحكومة على تخفيض سعر الجنيه.

ونقل الدبلوماسي عن مسؤول مصري كان قريباً من الاجتماعات أن أغلب ما نشر عن الاجتماع في الصحف الاسرائيلية لم يكن دقيقاً، مضيفاً بتهكم أن من بين الشائعات المذكورة تعهد إسرائيل بمساعدة مصر في تأمين احتياجاتها من القمح بدلاً مما تستورده من روسيا وأوكرانيا، علماً بأن إسرائيل نفسها تستورد 97% من احتياجاتها من القمح، والأولى بها أن تؤمن احتياجات شعبها، على حد تعبيره.

تقرير سري ساهم في تحفظ السيسي

باحث مطلع بأحد مراكز الدراسات المقربة من القوات المسلحة المصرية، كشف لـ"عربي بوست" أن تحفظ السيسي على مقترح الحلف السني الذي أعيد طرحه خلال القمة، ينطلق من تحذيرات القوات المسلحة المصرية من تورط مصر في أحلاف عسكرية تقود البلاد إلى نزيف بشري واقتصادي لا تستطيع مصر تحمله.

يأتي هذا بجانب عدم رغبة العسكريين المصريين في خوض حروب ونزاعات مجانية لا تخص بلادهم.

وأشار الباحث إلى أن تقريراً حديثاً تم رفعه لمؤسسة الرئاسة في الفترة الماضية حذر من أن مثل هذه التصرفات تسبب تذمراً في أوساط العسكريين من ذوي الرتب المتوسطة.

ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي/صفحة المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية

وأضاف أن موقف القوات المسلحة نابع من مبدأ ثابت في العسكرية المصرية بأن جيش مصر حامي البلاد وليس مرتزقاً يحارب من أجل المال ولا يخوض حروب غيره إلا إذا كانت دفاعاً عن النفس، مثلما شارك في حرب تحرير الكويت، مؤكداً أن ضغط الجيش كان السبب الرئيسي لصرف النظر عن إرسال قوات لدعم السعودية والإمارات في عمليات "عاصفة الحزم" في اليمن رغم تعهد السيسي قبلها بالمشاركة.

ولخص الباحث ما دار في الاجتماع، وفقاً للمعلومات المسربة التي وصلت له كونه في مركز أبحاث مهم، بالقول إن كلاً من الزعماء الثلاثة دخل قاعة الاجتماعات بقائمة رغبات مختلفة عن الآخرين، بل يمكن القول إنها حتى لا تتشابه معها.

قوائم أهداف مختلفة

فالرئيس المصري هاجسه الوحيد في الوقت الحالي الحفاظ على الوضع الاقتصادي الداخلي من الانهيار بسبب وطأة الأزمة الحالية والمؤشرات التي تؤكد أنها تسير في طريق التفاقم وليس الحل؛ لذلك كانت مطالبه من الإمارات وإسرائيل واضحة وهي التوسط لدى البنك الدولي لمنح مصر المزيد من القروض وإعادة جدولة أقساط القروض القديمة بما لا يمثل ضغطاً على موازنة الدولة التي يجري إعادة هيكلتها بسبب الأزمة.

هذا بالإضافة إلى تأمين كميات إضافية من النفط بالأسعار القديمة أو بأسعار قريبة منها للحفاظ على توازن أسعار البنزين ومن ثم الأسعار بشكل عام لتكون الزيادة بمعدلات بسيطة ومعتادة، وضخ مليارات الدولارات في النظام المصرفي المصري بشكل عاجل للحفاظ على مستوى الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والذي يؤدي إلى تجنب انهيار الجنيه المصري وانفجار التضخم النقدي.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فتمحورت رغباته في سرعة الإعلان عن تشكيل الحلف السني ليستبق أي إعلان محتمل عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني، والذي يتضمن بشكل مؤكد إخراج الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، وكذلك الإفراج عن الأنشطة الاقتصادية والصناعية الإيرانية التي كانت خاضعة للعقوبات، ومن بينها النفط والأرصدة البنكية. 

هذا الأمر يمنح طهران قدرات مالية هائلة تمكنها من دعم حلفائها في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين وحماس وحتى النظام السوري بشكل أكبر.

بينما حمل ولي عهد أبوظبي قائمة رغبات تتمثل في التزام تل أبيب بدعمه من خلال اللوبي اليهودي في الكونغرس الأمريكي وفي أوساط الجمهوريين واليمنيين في أمريكا ضد أي إجراءات انتقامية للرئيس الديمقراطي جو بايدن على خلفية رفضه طلب الأخير برفع إنتاج بلاده من النفط لتعويض النفط الروسي، وعرض القيام بدور أكبر لاحتواء نظام الرئيس السوري بشار الأسد عبر حزمة مساعدات اقتصادية "كريمة" في محاولة لإخراج النظام السوري من الهيمنة الإيرانية التي زادت وطأتها منذ المقاطعة العربية لبشار الأسد في عام 2011.

وكان آخر طلبات أبوظبي تذليل العقبات التي تحول دون انضمام الإمارات لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول 2020 سواء كعضو فاعل أو مراقب، وهو الدور الذي كان يفترض أن تشغله وقت تأسيس المنتدى لولا اعتراض السلطة الفلسطينية وقتها ما تسبب في تجميد الدور الإماراتي حتى الآن.

غياب واشنطن

وذكر دبلوماسي سابق لـ"عربي بوست" أن عدم الاتفاق هو أمر طبيعي في ظل غياب واشنطن؛ إذ وجد الزعماء الثلاثة أنفسهم مضطرين لاتخاذ خطوات ومحاولة التوصل إلى اتفاقات بقوائم أهداف مختلفة دون وجود واشنطن التي لا يزال لها نفوذ وحضور قوي على دول المنطقة.

يذكر أن واشنطن لا تربطها علاقات جيدة مع الإمارات ومصر منذ وصول الرئيس الحالي جو بايدن الى البيت الأبيض، بعكس ما كان عليه الحال في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، راعي ما كان يعرف بصفقة القرن.

ويقول الدبلوماسي إن القمة بعيداً عن نتائجها يمكن أن تكون بداية تحول في طريقة تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع حلفائها في الشرق الأوسط خصوصاً مصر والإمارات، وهو مكسب مهم إذا تحقق.

وأشار إلى أن كلاً من السيسي ومحمد بن زايد لديهما رؤية واضحة، وهي أن كسب ود الإدارة الأمريكية يجب أن يمر من خلال علاقات جيدة ودافئة مع تل أبيب، وهو ما يفعلانه في الوقت الحالي.

تحميل المزيد