كشفت صحيفة The Washington Post الأمريكية، السبت 19 مارس/آذار 2022، عن بوابات سرية للإمدادات العسكرية التي تدخل أوكرانيا على الحدود مع بولندا وأوكرانيا، حيث لم يكن هناك ضباط جوازات سفر على الطريق الترابي، ولا ممر جمركي، وذلك بعد تجميعها وتخزينها في دولة "ليتوانيا".
فقد رصدت الصحيفة قافلة تحمل 45 مركبة، ما بين سيارات جيب مُعدّلة، وسيارات إسعاف، وشاحنة مُصفّحة ومطبخ ميداني للجيش، إضافة إلى 24 طناً من الديزل، بعد أن سافرت طوال الليل من ليتوانيا ضمن شبكة إمداد متضخمة.
هناك، صاح أحد حرس الحدود البولنديين: "ممنوع التصوير".
كان من المقرر أن تصل قافلة ثانية في وقت لاحق، مُحمّلة بالمولدات وأجهزة الراديو وطائرات المراقبة بدون طيار ومعدات الرؤية الليلية، والأهم من ذلك كله، ما يقرب من 7000 سترة واقية من الرصاص وخوذ، بالنسبة للجنود، هذه شريان الحياة.
قال الملازم أندريه بيستريك، أحد المقاتلين الأوكرانيين الذين سافروا عبر بلاده التي مزقتها الحرب لملاقاة القوافل: "هذا هو أكثر ما نحتاجه".
أضاف: "نحصل على البنادق والذخيرة والزي من الجيش. لكن تحت الزي الرسمي، ما نأكله، ما يحافظ على سلامتنا، وكيف نتحرك ونقاتل، يأتي من الناس وشعبنا والأجانب".
كما أشار إلى أنَّ الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات وصواريخ ستينغر وغافلينز مهمة بالطبع، "لكن بالنسبة لنا، هذه المركبات ضرورية. هي قوتنا النارية ومُحركنا".
وقد أظهرت مراقبة عمليات نقل الإمدادات العسكرية الأجنبية على الحدود نحو أوكرانيا حاجة الجنود الذين يواجهون الهجوم الروسي، لاحتياجات أساسية مثل الدروع الواقية للبدن والخوذ والإمدادات الطبية وآليات الرؤية اليلية وكميات إضافية من الديزل والبنزين.
فبينما تتفاوض الحكومات بشأن الطائرات المقاتلة وأنظمة الأسلحة المتطورة، يكافح الجنود على الأرض لسد مزيد من الاحتياجات الأساسية، مع إغلاق المصانع في أوكرانيا بسبب القصف، حيث يزداد اعتماد قواتها على سلاسل التوريد.
ليتوانيا مصدر المخازن
بدأت الرحلة على بُعد مئات الأميال إلى الشمال بمستودع في ليتوانيا، وهي دولة لا يُنظر إليها عادةً على أنها مركز إمداد عسكري، لكن الدولة الصغيرة الواقعة على بحر البلطيق شهدت تدفقاً هائلاً للدعم المُوجّه لأوكرانيا، حيث يتخيل المواطنون ما قد يخبئه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهم إذا انتصر في هجومه الحالي.
تتلقى منظمة Blue and Yellow كثيراً من الأموال والإمدادات المُتبرَع بها، وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 2014 لتزويد الأوكرانيين الذين يقاتلون استيلاء الانفصاليين المدعومين من روسيا على الأجزاء الشرقية من بلادهم. وصارت المنظمة الآن النقطة المحورية لمساعي ليتوانيا لتقديم المساعدة.
منذ بدء الهجوم الروسي، تدفقت أكثر من 20 مليون دولار من داخل ليتوانيا، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة. وترسل Blue and Yellow قافلة إلى الحدود كل أربعة أو خمسة أيام.
تطلب منظمة Blue and Yellow المعدات العسكرية بالطن من جميع أنحاء أوروبا والصين وإسرائيل. وتتناقش مع مسؤولي الجمارك في 6 بلدان لتسليم الشحنات؛ وتنتقد بقوةٍ الموظفين الذين يعترضون طريقهم والضباط عبيد التنظيم.
نجحت المنظمة في ملء أحد المستودعات المُتبرَع بها في ضواحي العاصمة البولندية وارسو، بالتبرعات. وتحوّل موقع آخر في عاصمة ليتوانيا، فيلنيوس، الذي قدمته شركة النقل الليتوانية، إلى موقع تسليم للسكان المحليين الراغبين في العطاء.
فيما أعلن أحد المتطوعين في ظهيرة أحد الأيام الأخيرة عندما وصلت شاحنة إلى مستودع فيلنيوس مع 800 زوج من الأحذية الجديدة مع مقدمة فولاذية و1000 سترة من الصوف لا تزال في الغلاف، "هذه مناسبة"، وقد تبرع بها بائع تجزئة لسلع الصيد.
تبرعات فردية
من جانبه، قال داينيوس نافيكاس (43 عاماً)، وهو مستشار إداري في فيلنيوس فكر فوراً في التبرع بسيارته السوداء غراند شيروكي 2015: "سمعت أنهم بحاجة إلى سيارات أكبر ودفع رباعي. لم يكن لديّ أي خيار؛ فالأوكرانيون يقاتلون من أجلنا".
قاد نافيكاس وزوجته السيارة الجيب، مع مجموعة إضافية من الإطارات الشتوية، إلى مرآب مخصص في ضواحي العاصمة الليتوانية؛ حيث وجدوا مساحة مليئة بالعشرات من المركبات الجاهزة للمعالجة والشحن إلى أوكرانيا؛ ما بين تبرعات من مالكيها، أو اشترتها Blue and Yellow.
قال لوكاس باكفيشوس، مالك المرآب، الذي علّق جزءاً كبيراً من أنشطته التجارية المعتادة: "عندما يسمعون أننا نشتري لأوكرانيا، يقرر كثير منهم خفض السعر على الفور".
يعمل الميكانيكيون ليلاً نهاراً وفي عطلات نهاية الأسبوع على فحص المحركات، وإرسال المركبات إلى محلات نقل الحركة أو الفرامل إذا لزم الأمر، ولحام طلاء المدرعات ببعض الشاحنات الصغيرة، وفقاً للمواصفات التي قدمها الجنود.
في أحد الأيام الأخيرة، كان العشرات من المتطوعين يتدافعون حول المركبات، يغطون نوافذها ومصابيحها الأمامية بالورق والشريط اللاصق قبل إعادة طلاء أجسامها.
قال رولانداس جوندو، صاحب شركة لافتات: "نريد أن نغطي كل سطح عاكس، حتى المصدات والعجلات"، بينما يظلل النوافذ على سيارة لاند روفر لا تزال تفوح منها رائحة الطلاء.
بعد ثلاثة أيام، نُقِلَت معظم المركبات إلى ناقلات السيارات، بعد ملئها بالوقود المُتبرَع به. ونقلت شاحنتان محليتان أربع مركبات أخرى.
وبعد مسيرة 19 ساعة والعديد من عُلب ريد بول، توقفت القافلة على الحدود مع أوكرانيا.