قال اللاجئون من مدينة ماريوبول الأوكرانية المُحاصرة إنَّ الخيارات المتاحة أمامهم في ظل استمرار القصف الروسي تقلّصت في بديلين قاتلين محتملين، لافتين إلى أن الحرب العالمية الثانية كانت أسهل مما يجري ببلادهم الآن، طبقاً لما أوردته صحيفة The Telegraph البريطانية، الأربعاء 16 مارس/آذار 2022.
حيث يتمثل الخيار الأول بالاستمرار في الاحتماء بأقبيتهم بدون كهرباء وماء وتدفئة، دون معرفة ما إذا كانت القذيفة الروسية التالية ستكتب نهايتهم أم لا. أما الخيار الثاني، فهو ترك تلك الحماية الضئيلة والخروج بحثاً عن الأمان، لكن ربما يواجهون عقاباً من القصف والرصاص في محاولة لمغادرة المدينة.
في هذا الإطار، اتخذت المواطنة الأوكرانية لودميلا روديشكينا وعائلتها قرار الفرار. وجاءت مغامرتهم بثمارها عندما وصلوا إلى مدينة زابوريجيا القريبة ضمن الموجة الأولى من اللاجئين التي فرت بنجاح من المدينة المحاصرة. لكن بفعلها ذلك، تركت كل شيء خلف ظهرها تحت الأنقاض.
إذ لم يكن لدى السيدة، البالغة من العمر 84 عاماً، وقت لأخذ أي شيء معها سوى معطفها الأنيق المكسو بالفراء. وقالت بصوت ناحب، وعينين حمراوين من البكاء والإرهاق: "هذا كل ما تبقى لدي، الملابس التي أرتديها". بعد أن عاشت حياتها كلها في ماريوبول، رأتها الآن مدمرة.
فيما صرخت: "كانت الحرب العالمية الثانية أسهل مما هي عليه الآن".
أكثر ساحات المعارك حدَّة
في حين أصبحت المدينة الواقعة بجنوب أوكرانيا والتي يبلغ عدد سكانها 450 ألف نسمة، أكثر ساحات المعارك حدَّة في الهجوم الروسي حتى الآن، حيث تعرضت لثلاثة أسابيع من الحصار والقصف، الذي يقول الصليب الأحمر إنه أسفر عن وضع "مروع".
يشار إلى أن ماريوبول تقع بين الأراضي الشرقية التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا من جهة وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014 من جهة أخرى.
ومن شأن الاستيلاء عليها منح الروس ممراً برياً مباشراً على طول الطريق للسيطرة على بحر آزوف. وأحصى المسؤولون المحليون أكثر من 2500 حالة وفاة في الحصار، لكن يُعتقَد أنَّ العديد من الجثث ملقاة وغير معدودة. وتكهنوا بأن عدد القتلى قد يقترب من 20 ألفاً.
في غضون ذلك، وصل ما يُقدَّر بنحو 4000 سيارة و20000 شخص إلى بر الأمان بعد عبور خط المواجهة وقضاء الليل بالعراء في درجات حرارة تنخفض إلى -7 درجة مئوية.
فتح ممر إنساني
بينما يحاول المسؤولون الأوكرانيون منذ أيام، فتح ممر إنساني للتخفيف عن المدينة، لكن الوافدين الجدد من الفارين قالوا لصحيفة The Telegraph إنهم لم يسمعوا شيئاً يُذكَر عن هذه الترتيبات داخل المدينة.
في السياق ذاته، ناشد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورير، الخميس، طرفي الصراع في أوكرانيا السماح بمرور آمن للخروج من مدينة ماريوبول المحاصرة والسماح أيضاً بدخول المساعدات إليها.
فيما أضاف، في مؤتمر صحفي، أن اللجنة اضطرت إلى مغادرة المدينة أمس الأربعاء، لأن موظفيها "لم تعُد لديهم إمكانات لتنفيذ العمليات"، لكن اللجنة ستنفذ ترتيبات لإيصال المساعدات "فور وجود ممر آمن".
كما تسعى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً إلى الوصول لأسرى الحرب من جانبي الصراع، وشددت على أن الأسرى من الجنود يجب أن يعامَلوا باحترام وعدم تعريضهم لـ"الفضول العام".
محاولات إجلاء السكان
كانت المحاولات السابقة لإجلاء السكان من ماريوبول قد انهارت مؤخراً، وسط تبادل الاتهامات بين الجانبين واستمرار القصف أو المخاوف من أنَّ مسار الخروج كان ملغوماً. ومع انقطاع الهواتف واتصالات الإنترنت، لم يكن لدى من هم تحت الحصار أي أخبار عن العالم الخارجي، أو معلومات عن كيفية الخروج، وتُرِكَت العائلات أو مجموعات الأصدقاء تتصارع مع قرار إجلاء أنفسهم.
لكن كثيرين قرروا الهروب، يوم الثلاثاء 15 مارس/آذار، عندما رأوا سيارات أخرى تنطلق، أو عندما انتشرت شائعات بأنَّ الطريق قد يكون خالياً. وأوضحت امرأة تبلغ من العمر 46 عاماً تُدعى فيكتوريا، والتي خرجت من سيارتها بعد النزوح الجماعي الذي دام 12 ساعة: "اعتقدنا أننا إما أن نُقتَل على الطريق، وإما أن نُقتَل ونحن نقيم في ماريوبول".
بدورها، شعرت السيدة أولغا أولانافا وعائلتها بأنه لا خيار أمامهم سوى المجازفة بالخروج. فقد دمر القصف شقة الأسرةبالطابق الرابع، وسقطت قذيفة في الطابق الثالث تحتها ثم أصابت أخرى الطابق الخامس فوقهم. قال أولانافا: "كانت كارثة! وانقطعت المياه والكهرباء".
في اليوم ذاته، غادرت أولغا أولانافا مع أربع سيارات محملة بالأصدقاء والعائلة، ورُبِطوا تدريجياً بمركبات أخرى على طريق الخروج. وفي تشبيه كئيب، قارنت ابنتها، ليزا باشكوفا البالغة من العمر 25 عاماً، هذه المجازفة بالألعاب القاتلة في مسلسل لعبة Squid Game.
عكس ذلك، قرر بعض أقاربهم البقاء، غير مستعدين للمخاطرة بالخروج في العراء. وبرزت المخاطر المحتملة لهذه الرحلة من خلال التقارير عن تعرض سيارة للقصف، بعد ظهر الأربعاء 16 مارس/آذار، بينما كانت تشق طريقها من ماريوبول إلى زابوريجيا؛ مما أسفر عن إصابة 5 أشخاص.
من جهتها، فكرت لودميلا روديشكينا، المديرة السابقة في إحدى مدارس المدينة، البالغة من العمر 84 عاماً، في الحياة بعيداً عن ماريوبول، قائلة: "ليس لدينا مكان نعيش فيه ولا مكان نذهب إليه".
البحث عن ناجين
في غضون ذلك، لا تزال فرق الإنقاذ تبحث عن ناجين تحت أنقاض مسرح في مدينة ماريوبول، الخميس 17 مارس/آذار 2022، بعد أن قالت أوكرانيا إن غارة جوية روسية قوية ضربت المبنى حيث كان المئات يحتمون من الحرب.
يأتي هذا بينما تطوّق القوات الروسية المدينة التي شهدت بعض أعنف عمليات القصف في الصراع.
تعقيباً على هذا القصف الروسي المتزايد، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطاب بوقت متأخر من مساء الأربعاء، في إشارة إلى الهجوم على المسرح: "القلب ينفطر مما تفعله روسيا بشعبنا وبمدينتنا ماريوبول وبمنطقتنا دونيتسك".
في المقابل، ذكرت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، الخميس، أن مزاعم قصف روسيا للمسرح "كاذبة"، نافيةً أن تكون القوات الروسية قد استهدفت مناطق مدنية منذ غزو أوكرانيا، وقالت: "نحن لا نقصف البلدات ولا المدن".