أطفال لم يقابلوا آباءهم منذ ولادتهم وفتيات انفصلن عن أزواجهن.. أزمات تلاحق المعتقلين في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/09 الساعة 11:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/09 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
المعتقلين في مصر

على مدار السنوات الماضية، بالتحديد في أعقاب أحداث ٣٠ يونيو في مصر، يقبع الآلاف من الشباب خلف الأسوار، منهم من يقضي عامه السابع أو الثامن سواء في حبس انفرادي، أو ممنوع عنه الزيارة حتى أصبحت أوضاع المعتقلين في مصر تزداد سوءًا.

لم يكن للسجن آثاره على السجناء فقط، فقد تمزقت عائلات بأسرها، أطفال ولدوا بعد وقت قصير من حبس آبائهم ولم يتمكنوا من رؤيتهم مرة واحدة فقط حتى اليوم من دون أسوار، وفتيات تمزقت أحلامهن بالزواج والارتباط بعدما تعرض خُطابهن أو أحبابهن للاعتقال السياسي لسنوات طويلة دون أمل في خروجهم. 

مأساة متكررة.. 

تقول إيمان أحمد، زوجة سجين سياسي لمدة تجاوزت الـ٣ سنوات: "الأمر جلل، فهو أكبر من كل الأزمات التي واجهتها في حياتي، تزوجت قبل خمس سنوات، في العام الأول لم أنجب وفي العام الثاني بدأت محاولاتنا في الإنجاب، ونحمد الله زف إلينا الطبيب خبراً ساراً بأننا في انتظار مولودة، لم يمر سوى ٦ أشهر حتى فوجئنا بزوار الفجر، ليختفي زوجي ويتركني وحيدة في انتظار طفلتي الأولى".

يوم مولد طفلتها كان الأكثر فرحة وحزناً، فرحة لأن ترى بذرة حبهما تنبت وتخرج للنور، وضعها الطبيب على صدرها وطبعت قبلة على جبينها، وسقطت دمعة على غياب والدها، تقول إيمان: "كاد الحزن أن يقصم ظهري، عائلتي وعائلة زوجي يحيطون بي، لكن والد طفلتي غائب ولا أعرف عنه شيئاً، احتضنت ابنتي بقوة، شعرت بأن أضلعها تنخلع منها، وأقسمت بداخلي ألا أخذلها، وسأبقى على عهدي لوالدها ما حييت".

ثلاث سنوات قضتها "إيمان" وحيدة، تعاني الأمرّين، أكثرها قسوة الزيارات التي ترتحل إليها كل فترة لترى زوجها، تقول عن ذلك: هي رحلة معاناة بما تحمل الكلمة من معنى، الانتظار ومعاملة السجان القاسية ورؤية أهالي المساجين الآخرين، مشاهد عذاب تبقى حاضرة في ذهني لأيام بعد الزيارة، ما زلت أتذكر المرة الأولى التي يرى فيها زوجي نجلته، بكى بكاء شديداً وتوسل الى الضابط أن يلمسها، لكنه رفض وقال بصوت جامد: "كنت تفكر فيها قبل ما تفكر تضر البلد".

عدت في ذلك اليوم وتركت طفلتي لدى والدتي ودخلت في نوبة بكاء طويلة، أردت أن أتخلص من حياتي، لكن ابنتي كانت السبب الوحيد الذي منعني، ما زلت حتى اليوم أشعر بغصة في حلقي، صحيح أن زوجي هو المسجون، ولكن أنا في سجن أكثر منه قسوة.

حياة محسوبة الخطوات..

تقول إيمان لـ"عربي بوست": "أحاول جاهدة أن أعود إلى الحياة، لكني أشعر بكلمات الآخرين تخترقني، أتذكر جيداً عندما كتبت في إحدى المرات دعابة على الفيسبوك: "بحسدك عشان قادرة تضحكي".. هل يظن الناس أنني أضحك متناسية زوجي، هل تركته خلفي، هل يجب عليا أن أظل طيلة حياتي التي أنتظر فيها زوجي مكتئبة وحزينة وأرفض أن أعيش ولو جزءاَ بسيطاً من الحياة، في النهاية أنا بشر، يصيبني الإرهاق والإحباط وأهرول تجاه الحياة في محاولة لسرقة لحظة فرح أو سعادة ولو سرقة".

صعوبات الحياة ما بعد السجن

لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى زينة، الفتاة التي سجنت لمدة خمس سنوات، خرجت بعد تلك الفترة تعاني من أمراض نفسية مختلفة، كان قرارها الأول أن تترك العيش مع أسرتها وأن تبدأ حياة خاصة بها.

تقول: عند خروجي من السجن كنت أشعر أني مختلفة عن الباقين، لم تعد أسرتي هي ذات الأسرة التي تركتها قبل خمس سنوات، لم تعد غرفتي هي ذات الغرفة، فكان القرار أن أهرب بعيداً، لذا قررت أن أنفصل عن أسرتي وأعيش حياتي الخاصة، في الليل تكون الأزمة الكبرى، تراودني الكوابيس، أستيقظ خوفاً وأصرخ، لم أكن أشعر بالخوف من النوم في الظلام، الآن لا أجرؤ على أن أطفئ النور قبل النوم".

السجن يترك علامات واضحة في الروح، يصيبها بالعطب والخوف والألم، الذهاب إلى الطبيب النفسي هو السبيل الوحيد لتجاوز الأزمة. تقول زينة: "كان الطبيب النفسي قرارها لمحاولة التعافي، فكرة البوح بتخوفاتك والأسباب التي تدفعني لأن أتخلص من حياتي سبيلاً للراحة، فأنا لم أعد قادرة على اصطناع القوة، خارت قوتي واستنفدت كل محاولاتي لأن أقف في وجه الحياة، أنتظر جلستي الأسبوعية بفارغ الصبر فقط لأبوح لطبيبي بما يجول في عقلي، بعد خروجي من السجن أدركت أن السجن ليس فقط جدراناً بل هو أكثر من ذلك، غرف الحبس الانفرادي ومعاملة السجان القاسية تترك علامات لا تختفي مهما حاولت".

"ماليش مكان".. 

لم يعد للأصدقاء وجود، الجميع انصرف عني، فأنا صاحبة سابقة وتجربة سجن وفي مجتمعنا العربي، تقول: "حاولت أن أعيد شبكة علاقات ما قبل السجن، كان لدي أصدقاء كثر، لكن الجميع يتهرب مني، يخشون أن ترتبط أسماؤهم بواحدة ذات سابقة سياسية، لم يبق سوى القليل منهم، ولم يكونوا متاحين بنفس القدر قبل تجربة السجن، حاولت جاهدة أن أجمع شتاتي وأن أعيد الكرة من جديد وأقف على قدمي، حاولت أن أجد عملاً وأن أنغمس فيه، وبعد محاولات حثيثة نجحت في الحصول على عمل، لكن فوجئت بعد فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمديري يطلبني في اجتماع عاجل، راودتني أفكار كثيرة عن مضمون ذلك الاجتماع، منها السعيد ومنها القاتم إلى حد السواد، في اليوم التالي حضرت إلى مقر عملي ليخبرني مديري والحرج يعلو وجهه أنني لا أستطيع الاستمرار في العمل لأسباب بعيدة عن كوني قادرة على تلبية متطلبات المهام الموكلة، فهمت أن الأمر أكبر من مديري والمؤسسة التي أعمل بها".

عادت لتعتمد على أسرتها من جديد، تمر في بداية كل شهر لتحصل على مبلغ مالي يعينها على الحياة، وتبحث عن عمل يكفيها السؤال، ما زالت تراودها الكوابيس ليلاً أثناء نومها، إلا أنها باتت أقل مخاوفها، فالحياة أكثر قسوة من الكوابيس المسائية.

رسالة مؤلمة لاقت تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل كتبتها خطيبة معتقل سياسي لمدة 7 أعوام، تعلن فيها انتهاء العلاقة بينهما، لأنها قد جاوزت الثلاثين عاماً وتنتظر بلا أمل. 

اعتقاله اضطرها لفسخ خطبتها من خطيبها المعتقل بعد 7 سنوات من اعتقاله، وتدويره في 5 قضايا أخرى جديدة مسيسة، وذلك بعد خطبته لها وهي في عمر الـ22 عاماً بينما اقتربت اليوم من سن العنوسة.

ولعل الناشطة نورهان حفظي والناشط السياسي أحمد دومة اللذين يواجهان حكماً مشدداً إحدى الحالات الواضحة، حيث انفصل الزوجان بعد قضاء قرابة الخمس سنوات خلف الأسوار، وكذلك الناشط السياسي علاء عبد الفتاح الذي انفصل عن زوجته أم أبنائه بعد أن فقد الأمل في الخروج من محبسه. 

تحميل المزيد