أثار موقف الإمارات من الهجوم الذي تشنه روسيا على أوكرانيا، شعوراً بالخيبة والإحباط في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة التي تنظر إلى أبوظبي على أنها أحد أهم الشركاء بالشرق الأوسط؛ ما تسبب بتعالي أصوات تنادي بإعادة النظر في اعتبار الإمارات حليفاً موثوقاً لواشنطن.
موقع The Intercept الأمريكي تحدث في تقرير نشره الأربعاء 9 مارس/آذار 2022، عما قال إنها مُعطيات أظهرت فيها الإمارات انحيازاً إلى "منتجي النفط" على حساب "حلفائها العسكريين"، في إشارة بذلك إلى أمريكا.
يُشير الموقع إلى أنه وسط تصاعد الانتقادات العالمية للهجوم الروسي على أوكرانيا، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الأول من مارس/آذار 2022، بمحمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، الذي "أثبت أنه موثوق به بشكل متزايد".
استناداً إلى النسخة الروسية العامة من المكالمة، ذكرت وكالة Bloomberg الأمريكية أن وليّ العهد "صرَّح بحقِّ روسيا في الدفاع عن أمنها القومي".
لكن سرعان ما حُذِفَ الاقتباس، وعندما أصدرت الإمارات العربية المتحدة قراءتها الخاصة للاتصال، لم تكن الإشارة إلى حق روسيا في الدفاع عن نفسها موجودة.
الموقع الأمريكي علّق على ذلك بالقول إنه "في حين أنه من الممكن بالطبع أن تكون روسيا قد أساءت تمثيل مضمون المكالمة، إلا أنَّ تعاطف الإمارات مع موسكو في الهجوم على أوكرانيا ليس سراً".
جاءت المكالمة بين بوتين ومحمد بن زايد، بعد أقل من أسبوع من امتناع الإمارات- على الرغم من الضغوط الأمريكية الكبيرة- عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة الحرب الروسية.
كذلك ورغم أنَّ العالم فرض عقوبات علنية وسرية على قادة الصناعة الروسية، فإن "الأوليغارشية" بالبلاد تجد ترحيباً حاراً في الإمارات.
أصبح مصطلح "أوليغارشية بوتين" دارجاً في التقارير الإعلامية الغربية وخُطَب السياسيين، ويُقصد به رجال الأعمال والسياسيون الأغنياء المقربون من الرئيس بوتين، الذين لهم استثمارات في الخارج تُقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، بحسب موقع "الجزيرة.نت".
اهتمام مشترك بأسعار النفط
في مؤشر آخر على قرب الإمارات من روسيا، قالت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إن قادة الإمارات والمملكة السعودية رفضوا تلقِّي مكالمات من بايدن خلال أزمة أوكرانيا.
يأتي كل هذا بعد قرار الإمارات، إلى جانب المملكة السعودية، "التواطؤ مع روسيا لرفع أسعار النفط؛ مِمَّا دفع أسعار الغاز إلى أعلى مستوياتٍ لها منذ سنوات، وتحقيق وفرة من الأرباح ستقوِّض مجموعة العقوبات الجديدة المفروضة على موسكو"، وفقاً لما قاله موقع The Intercept.
أضاف الموقع أن هذه التحركات هي الأحدث فقط في سلسلة من التطورات التي "أظهرت أن الإمارات تقترب أكثر من روسيا، مما يمثل إعادة ترتيب تهدِّد بانقلاب عقودٍ من العلاقات الدافئة بين أبوظبي وواشنطن".
في هذا السياق، نقل The Intercept عن دبلوماسيّ كبير سابق- لم يذكر اسمه- قوله إن الدبلوماسيين الأمريكيين يعتقدون أن روسيا والإمارات أبرمتا اتفاقاً قبل تصويت مجلس الأمن في 25 فبراير/شباط 2022، يقضي بأن تمتنع الإمارات عن التصويت ضد روسيا بشأن المسائل المتعلقة بأوكرانيا.
في المقابل ستصوّت روسيا مع الإماراتيين في الأمور المتعلقة باليمن، وكانت سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا زكي نسيبة، قد نفت مشاركتها في اتفاق تبادل التصويت.
لكن ما حدث يوم 28 فبراير/شباط 2022، أضفى صحة على كلام الدبلوماسيين الأمريكيين، إذ انضمَّت روسيا إلى الإمارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في التصويت على تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن كمجموعة إرهابية.
انزعاج أمريكي من الإمارات
نتيجة لمواقف الإمارات، عبَّرَ المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون عن ردود فعل تتراوح بين خيبة الأمل والخيانة الصريحة في تصويت الإمارات.
من جانبها، قالت النائبة الديمقراطية الأمريكية إلهان عمر، عضوة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، لموقع The Intercept: "حان الوقت للاستغناء عن الوهم بأن الإمارات العربية المتحدة شريك أمني موثوق للولايات المتحدة".
أضافت عمر أنه "كان ينبغي لإدارة بايدن أن تُوقف مبيعات ترامب للطائرات F-35 والطائرات المسيَّرة، على أساس حقوق الإنسان وحماية المدنيين في اليمن، لكن بما أنهم لم يفعلوا ذلك، آمل أن يمنحهم هذا، الدافعَ الذي يحتاجون إليه لوقف هذا البيع على الفور".
بدوره، تحدَّث أحد كبار المساعدين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ للموقع الأمريكي دون ذكر اسمه، عن إحباطات مماثلة، وقال: "عندما تفكر في المقدار الهائل من الدعم، وحتى الاحترام، الذي أظهرته الولايات المتحدة للإمارات، فإن امتناعها عن التصويت أمرٌ مؤسفٌ حقاً".
إضافة إلى الكونغرس، أعرب مسؤولو الأمن القومي الأمريكيون عن استيائهم من تصويت الإمارات، وقال روبرت باير، ضابط متقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: "في دعمها لروسيا بشأن أوكرانيا، لا تُظهر الإمارات فقط نكران الجميل المذهل لتوفير أمريكا الأمن للخليج على مدى السنوات الخمسين الماضية، بل أيضاً نكران الجميل لكلِّ الدماء التي نزفها الأمريكيون".
يُشير الموقع الأمريكي إلى أن الجيش الأمريكي يعمل كضامنٍ أمني للإمارات ضد الخصوم الإقليميين، مثل إيران والمتمرِّدين الحوثيين في اليمن.
فعندما أطلقت قوات الحوثي في اليمن صواريخ على قاعدة جوية إماراتية في يناير/كانون الثاني 2022، مِمَّا عرَّض للخطر القوات الأمريكية المتمركزة هناك، كان الجيش الأمريكي هو الذي ورد أنه اعترض الصواريخ.
في مؤشر آخر على دعم الإمارات لروسيا بأزمة أوكرانيا، نشر مراسل صحيفة Telegraph البريطانية كامبل ماكديرميد، ما قال إنها مذكرة داخلية وزعتها صحيفة The National، المملوكة للإمارات، على موظَّفيها الأجانب، وطلبت منهم عدم تصوير الهجوم الروسي على أوكرانيا على أنه "غزو".
ماكديرميد الذي كان يعمل في الصحيفة، أضاف: "شورِكَت معي المذكرة، لأن الأشخاص في مكتب الخارجية يشعرون بالإحباط حقاً، بسبب التدخل التحريري"، وأضاف: "أتصور أن وزارة الخارجية الإماراتية أو ما شابه ذلك سلمت التوجيه إلى رئيسة التحرير مينا آل عريبي".
يُشار إلى أن الهجوم الروسي على أوكرانيا أثار استنكاراً من كل أنحاء العالم تقريباً، ودفع أكثر من مليوني أوكراني إلى الفرار من البلاد، كما دفع الغرب إلى فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا بهدف شل اقتصادها.