بعد اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا بدأت دول أوروبا الغربية تتحسس مشكلة صعوبة الحصول على الغاز من روسيا، وبالتالي بدأت تبحث عن بديل قريب جغرافياً، ويُمكنه أن يُعوض الحاجة لهذه المادة الضرورية.
كان بديل بعض الدول الأوروبية هو الغاز الجزائري، فرغم أن إنتاجية الجزائر لا تُقارن بنسبة إنتاج روسيا للغاز، فإن كل الأعين الأوروبية اتجهت لهذه الدولة الشمال إفريقية لتعويض العجز.
ورغم أن الجزائر لديها إمكانية ضخ المزيد من الغاز للقارة الأوروبية، فإنها اختارت الوقوف في صف الحياد، ولم تستجب لكل الطلبات، وفضلت تغليب علاقتها الدبلوماسية مع روسيا على كل المصالح المادية التي يُمكن أن تأتي من أوروبا.
الموقف الذي اتخذته الجزائر أظهر قوة العلاقة الدبلوماسية بين البلد الإفريقي وروسيا منذ أن كانت في الاتحاد السوفييتي.
أصل العلاقة
تتميز العلاقات الجزائرية الروسية بكونها متينة منذ استقلال الجزائر عام 1962، في شقيها الدبلوماسي والعسكري، ففي هذه السنة أعلن الاتحاد السوفييتي إقامة علاقات دبلوماسية مع الجزائر المستقلة.
بعد إقامة العلاقات اعترفت الجزائر سنة 1991 بروسيا الاتحادية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بعدها توالت الزيارات بين قادة البلدين، بدءاً من الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي زار روسيا سنة 2001.
بعدها، وفي سنة 2006، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة رسمية للجزائر، ردها الرئيس الجزائري السابق للمرة الثانية بزيارة رسمية إلى موسكو في 2008.
كان الاتحاد السوفييتي من بين الدول الأبرز التي دعمت وساندت حرب التحرير الجزائرية سياسياً وعسكرياً، وكانت أول دولة في العالم تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة.
روسيا والجزائر
منذ ستينيات القرن الماضي بدأ التعاون الاقتصادي بين الجزائر والاتحاد السوفييتي، هذا الأخير الذي قدَّم قروضاً للتنمية الاقتصادية للجزائر، الخارجة للتو من استعمار دام 130 سنة.
وبمساعدة الاتحاد السوفييتي، نُفذت مشاريع كبرى في الجزائر، منها مصنعا الصلب والحديد في الحجار وعنابة، والمحطة الكهروحرارية في جيجل، وخط أنابيب الغاز الرار-حاسي مسعود وسد "بني زيد".
أيضاً، ترتبط شركة "سوناطراك" الجزائرية للمحروقات بعلاقات وطيدة مع شركات طاقة روسية، على غرار "غازبروم" و"لوك أويل" وشركات أخرى، كما أن البلدين وقّعا عدة اتفاقيات استراتيجية للتعاون في عديد من المجالات.
مقابل ذلك ترتبط الجزائر بالقارة الأوروبية عبر ثلاث أنابيب لنقل الغاز من حقل حاسي الرمل الضخم جنوبي البلاد وأماكن أخرى، أحدها توقف قبل أشهر، في حين ما زال أنبوبان قيد الخدمة.
وبعد اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا اتّجهت الأعين إلى الغاز الجزائري لتعويض النقص الذي يُمكن أن تُحدثه هذه الحرب، لكن، وباعتراف الجزائر فإن هذه الأخيرة لا يُمكنها سد حاجيات أوروبا.
يرى رئيس تنفيذي أسبق لشركة سوناطراك الحكومية للمحروقات، في حديث لـ "الأناضول"، أن الجزائر لا يمكنها تعويض الغاز الروسي لسبب بسيط، وهو فارق الإنتاج بين البلدين.
وأوضح الرئيس التنفيذي الأسبق لسوناطراك، الذي فضّل عدم ذكر هويته، أن الجزائر تصدر في أحسن الأحوال ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب إلى إيطاليا، ونحو 12 مليار إلى البرتغال وإسبانيا، وكميات أخرى أقل نحو فرنسا وتركيا واليونان ودول أخرى.
وعلق بالقول: "كميات الغاز التي تصدرها الجزائر سنوياً إلى أوروبا تفوق 42 مليار متر مكعب، بينما بإمكان أنبوب روسي واحد أن يضخ هذه الكميات".
وأضاف: "بكل صراحة وموضوعية، لا يوجد حالياً بلد بإمكانه مواجهة الإنتاج الروسي من الغاز.. هناك محاولات أوربية لتقليل التبعية للغاز الروسي، من خلال مصادر أخرى على غرار الجزائر وقطر والولايات المتحدة".
عسكرياً.. روسيا المزود الأول للجزائر
تُعتبر موسكو أول ممون للجزائر بالأسلحة، وحسب مراقبين فإن مشترياتها بلغت مليارات الدولارات على مدار السنوات الماضية.
واشترت الجزائر من موسكو طائرات "سوخوي" و"ميغ"، وأخرى لنقل الجند، ومروحيات ودبابات، إضافة إلى 6 غواصات، وأنظمة دفاع جوية متطورة.
وتعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، بينما تعتبر روسيا مصدر الأسلحة التاريخي للجزائر، إذ تقتني الجزائر أكثر من 60% من أسلحتها من موسكو، وتمتلك 6 غواصات روسية الصنع، بالإضافة إلى اقتنائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي "س 400".
ويعزوا الخبراء الأمنيون أسباب تركيز الجيش الجزائري في ترسانته العسكرية على السلاح الروسي إلى "الرفض الأمريكي، ومماطلتهم في تزويد الجزائر بأنظمة عسكرية"، وقررت الجزائر في 2010 الاستغناء عن أكثر من 50% من طلبات الأسلحة التي تقدمت بها منذ عدة سنوات للولايات المتحدة.
ووقعت الجزائر وروسيا في 2001، اتفاقية شراكة استراتيجية للتعاون في عديد من المجالات، على غرار القطاع العسكري والتجاري والطاقة، كما أن الجيش الجزائري مجهز بشكل شبه كامل بالسلاح والعتاد الروسي.
أيضاً عقدت الجزائر مجموعة من الصفقات العسكرية مع روسيا، كانت أهمها تلك التي وقّع عليها بوتين سنة 2006، خلال زيارته للجزائر، بعدها استمرت الصفقات العسكرية، وأصبحت روسيا بموجبها المزود الأول للجزائر بالسلاح.