تركيا لا تريد تكرار درس جزيرة القرم.. كيف يمكن للهجوم الروسي أن يؤثر على موازين القوى بالشرق الأوسط؟

عدد القراءات
2,201
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/01 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/01 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال لقاء سابق - رويترز

فرضت الحرب الروسية على أوكرانيا سؤالاً مركزياً أخذ أبعاداً مختلفة، فمراكز الصناعة البحثية، والمؤسسات الإعلامية، فضلاً عن صناع القرار السياسي، مهتمون اليوم بدراسة أثر هذه الحرب، وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وما إذا كانت ستغير التوازنات القائمة، وتحدث تغييراً جذرياً في القواعد الحاكمة للنظام الدولي، أم إنها ستزيد من واقع الفوضى والاختلال الذي اتسم به طيلة العقد الأخير من هذا القرن؟

وهل سيكون لهذه الحرب تأثيرات كبرى على التوازنات التي تحكم المنطقة العربية، وعلى خارطة التحالفات والاصطفافات القائمة، وهل ستدفع نحو تغيير أدوار الفاعلين الإقليميين في هذه المنطقة، وتعدل بذلك قواعد اللعب؟

عملياً، ينبغي تسجيل ملاحظة مهمة تهم دول العالم العربي، كونها أخذت مسافة مهمة من أطراف النزاع، ولم تتورط في أي موقف حدي يدعم هذا الطرف أو ذاك، فقد اتجهت في عمومها في اتجاه الدعوة إلى ضبط النفس، وتغليب لغة الحوار، ودعوة الطرفين إلى حل التوترات بالآلية الدبلوماسية بدل الحرب، وظهر من خلال تتبع الموقف الخليجي، أن هناك تنسيقاً مضمراً للموقف، يعبر عنه الاشتراك في المعجم المستعمل في بلاغات وزراء خارجيتها.

الخليج العربي وإيران

البعض حلَّل هذه المواقف بالدوافع الاقتصادية، وأن دول الخليج، تربطها بروسيا مصالح تتعلق بمصادر الطاقة، وأنها لا يمكن أن تساير الضغوط الأمريكية والأوروبية لفرض عقوبات على روسيا، لأن ذلك، سيهدد التزاماتها في منظمة "أوبك"، وسيضر بمصالحها الاقتصادية، لا سيما ما يتعلق منها بمصادر الطاقة.

لكن في الواقع، تبدو العوامل السياسية والاستراتيجية، ذات أهمية في تحليل هذا الموقف، فقد دفع العالم العربي الكلفة الأكبر لاختلال المنظومة الدولية، وتعميق الولايات المتحدة الأمريكية لمنطق التدخلات العسكرية خارج قواعد الشرعية الدولية، وشكلت أحداث الربيع العربي، في تقدير العديد من صناع القرار السياسي العربي، لا سيما في دول الخليج، التهديد الأبرز لمعادلة الاستقرار، والذي كان يتجه لاستهداف الملكيات، بعد أن تم إسقاط عدد من الأنظمة العربية، وإحلال واقع الفوضى محلها، مثل ما حصل في الحالة اليمنية والسورية والليبية.

ما عزز هذه القناعة في تقديرات صناع القرار السياسي في دول الخليج، رضوخ الولايات المتحدة الأمريكية للضغط الإيراني، وتضحيتها بالمصالح الخليجية، وذلك من خلال إبرام الاتفاق النووي مع إيران سنة 2015، دون القدرة على إلزام إيران بالتوقف عن تشغيل أذرعها الإقليمية في المنطقة لتهديد الأمن الخليجي والعربي على السواء.

الدعم الإيراني لموسكو

ما من شك أن إيران ستكون أكبر مستفيد من الحرب الروسية على أوكرانيا، فالوضع الحالي، سيدفع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية إلى تسريع التفاوض معها حول البرنامج النووي بهدف الحصول على تنازلات إيرانية إضافية، لكن، في المقابل بيد إيران خيار تأجيل التوقيع على الاتفاق، بهدف تحصيل مكاسب جديدة، أو على الأقل، توقيع اتفاق مشابه للاتفاق السابق، مع غض الطرف عن التقدم الذي أحرزه المشروع النووي الإيراني بعد ذلك، ودون أن تكون أذرعها الإقليمية في المنطقة محل تفاوض، بحكم الحاجة الأمريكية إلى ضخ كميات إضافية من النفط في السوق العالمية، والدور الذي يمكن أن يقوم به النفط الإيراني، من تعويض اللجوء إلى الاحتياطي الأمريكي من النفط.

يمكن أن تتجه إيران إلى هذا الخيار كلما ظهرت تطورات جديدة تكشف تقدم المكاسب الروسية، وعدم تأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية عليها، بل يمكن أن يتعزز رهانها على الأذرع الإقليمية، لا سيما في اليمن، وتقوية مواقع الحوثيين في استهدافهم للسعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، للتسريع في إبرام اتفاق نووي يحقق مكاسب إضافية لها.

 إيران تحسن بشكل جيد استثمار التناقضات، وهي تدرك أن العلاقات الأمريكية السعودية في هذه الآونة ليست على أحسن حالاتها، بسبب رفض السعودية الزيادة في إنتاج النفط، وبسبب موقفها أيضاً من الغزو الروسي لأوكرانيا، ولذلك، فكل الخيارات، بالنسبة إليها مريحة: خيار استئناف المفاوضات، أو تأجيلها إلى حين حصول تقدم روسي كبير في الحرب ضد أوكرانيا. ففي الحالتين معاً، ستكون إيران رابحة، لا سيما إن تبينت محدودية العقوبات على روسيا، ومضت أغلب الدول في رفض الانخراط فيها.

في المقابل، فإن الحوار مع إيران، والاستمرار في التفاوض معها سيكون الخيار الأفضل للسعودية والإمارات من أجل تسوية النزاع في اليمن، والخروج بأقل الأضرار، وذلك بالقبول -من جهة السعودية- بصيغة الحد الأدنى من التهديد الأمني لمنظومة جدارها الأمني، بوجود الحوثيين في مربع السلطة في اليمن، وإيجاد صيغة لتدبير المصالح الإماراتية هناك.

العراق ولبنان

على مستوى العراق ولبنان، من المستبعد أن تحدث تغيرات كبرى في التوازنات الحالية، فالوضع الاقتصادي في لبنان، وتداعيات الحرب الروسية، ستزيد من تكريس واقع التنافس الإيراني السعودي، وستعطي زخماً للديناميات السياسية الناشئة، والتي تعكس تحولاً في التوازنات الاستراتيجية، لمصلحة دول الخليج، بعد أن كان ميل بيروت يتجه نحو إيران.

أما في العراق، فسيبقى السيناريو القائم على التوازن، واستمرار الصراع في كسب النفوذ وتقليصه، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من دول الخليج، فضلاً على مكونات السنَّة والشيعة في العراق، وبين إيران والمكونات الشيعية المسيطرة على مفاصل الدولة والأجهزة العسكرية والأمنية.

ولا يبدو في الأفق أي تطورات مهمة، تؤشر على إمكانية حصول انعطافة كلية لهذا النفوذ أو ذلك، في حين، من المرشح، أن يكون النظام السوري الرابح الأكبر من الحرب الروسية على أوكرانيا، باعتبار أنه يمثل حلفاً أساسياً لموسكو؛ إذ ستعزز دينامية اندماجه التدريجي في النظام العربي، وقبول استمراره في السلطة، وفرض واقع هيمنته العسكرية على الأرض، لا سيما أن التأثير الأبرز للحرب الروسية على أوكرانيا هو توقيف عدد من المسارات الأممية لحل وتسوية النزاعات.

ليبيا

على مستوى الملف الليبي، يبقى التأثير المتوقع للحرب الروسية على أوكرانيا، هو مزيد من تعميق التناقض داخل بنية السلطة، واستثمار بعض الفاعلين الإقليميين واقع تعطيل المساعي الأممية بسبب انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بتداعيات الحرب، لكسب مزيد من المكاسب الحيوية لتعزيز الثقل في صناعة القرار المالي والأمني العسكري.

المنطقة العربية

على مستوى ملفات العالم العربي، لن يكون هناك تأثير كبير للغزو الروسي لأوكرانيا على الاستراتيجية التركية في كل من سوريا وليبيا، فالتوجه نحو الإمارات، وتقوية العلاقات مع السعودية، سيبقى خياراً مفتوحاً، بل سيتعزز في المدى القريب، بحكم تقاطع المصالح التركية الخليجية، فكلاهما، يقع في منطقة وسط، ولا يريد أن يغامر بالتوازنات التي تربطه بطرفي النزاع، وإن كان تأثير الحرب على تركيا على المستوى السياسي والاستراتيجي سيكون أكثر وقعاً، بحكم أن تركيا عضو في الناتو، وكونها تخشى من التمدد الروسي في بلاد القوقاز وأوروبا الشرقية وبشكل خاص دول البلقان، ولذلك أقامت علاقات نوعية مع كييف لإدارة التوازن المعقد مع روسيا.

فأنقرة لا تريد أن يتكرر درس ضم جزيرة القرم، لأن ذلك يعني مزيداً من تعزيز النفوذ الروسي في البحر الأسود، وسيهدد بدون شك المصالح التركية في القوقاز وآسيا الوسطى، فضلاً على مصالحها في دول أوروبا الشرقية، لا سيما دول البلقان.

أردوغان وبوتين، أرشيفية/ AA

ثمة جانب مهم، قد يكون له تداعياته على التوازنات الاستراتيجية في دول العالم العربي، وذلك في حال استمرت الحرب (عدم الحسم العسكري، أو عدم نجاح الخيارات الدبلوماسية)، فالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها على منظومة الأمن الغذائي والطاقي، يمكن أن يكون له تأثير على خارطة السياسة في العالم العربي، بحكم أن أغلب الدول العربية، تقتات على القمح الروسي أو الأوكراني (الأمن الغذائي)، وأن البدائل الأخرى (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا) لن تلبي كل الطلب العربي، وأن التلبية المحدودة، سترافق بارتفاع أسعار هذا المنتوج الغذائي الحيوي، مما سيكون له تأثير على تنامي الاحتقانات الاجتماعية، لا سيما في الدول العربية التي لن تتمكن من تأمين مخزون كافٍ يلبي الاحتياجات الاجتماعية.

من جهة أخرى، يمكن أن يفضي سيناريو استمرار الحرب، واستعمال روسيا للورقة الطاقية في الضغط على أوروبا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، واختلال معادلة العرض والطلب بالنسبة إلى مادة الغاز الطبيعي، بالشكل الذي سيدفع أوروبا إلى تأمين حاجتها من الطاقة من دول أخرى على حساب حاجيات الدول العربية التي تحتاج لهذه المادة الحيوية.

وفي هذه الحالة، التي لا تسير المؤشرات الحالية اتجاهها، يمكن أن تسهم الاحتقانات الاجتماعية في عودة الحراك الشعبي، وتحوله إلى حراك سياسي، تقوده ثورة الجياع، وإن كان مستبعداً الآن.

لحد الآن، المؤشرات تسير في الاتجاه المعاكس، فقد عادت أسعار النفط ومصادر الطاقة إلى الاستقرار، وأغلب التقديرات تتوقع نهاية وشيكة للحرب، وحسماً روسيّاً لها في أيام محدودة، بل التقدير أن مصالح روسيا في عزل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وتعطيل فاعلية العقوبات الاقتصادية والمالية عليها، سيدفعها نحو إجراءات تساعد في تأمين مصالح الدول العربية وتعزيز استقرارها، بتأمين حاجياتها الغذائية الضرورية.

بل من المتوقع أن تشتغل روسيا على تعميق التناقض بين أمريكا وأوروبا، ودفع القارة العجوز إلى التفاوض معها من أجل تأمين حاجتها الحيوية من الغاز الطبيعي لا سيما وأن الدول البديلة، مثل دول الخليج والجزائر، لا يمكن أن تكون بديلاً كافياً، بسبب ارتفاع الكلفة، وعدم الجاهزية التقنية، وعدم القدرة على تأمين كل الحاجة الأوروبية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد