رصدت صحيفة New York Times الأمريكية، الخميس 24 فبراير/شباط 2022، فرار آلاف الأوكرانيين من بلادهم قبل تقدُّم القوات الروسية، لافتة إلى أن بعضهم تركوا كل شيءٍ ورحلوا إلى الخارج، مع بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وفق الصحيفة ذاتها، أدركت المواطنة الأوكرانية مارينا دانيليك أن القتال كان قد بدأ في شوارع مدينتها بحلول الوقت الذي بدأت فيه حزم وثائقها المهمة، وبعض الملابس، وإطار سيارةٍ احتياطي، قبل أن تُودّع كلبها.
على أثر ذلك، سارعت مع زوجها عبر الشوارع الجانبية؛ لاصطحاب أحد أصدقائهم، قبل أن يتجهوا صوب الطريق السريع. وقد لمحت بعضَ المشاهد التي تدل على اندلاع معركة شوارع ضارية في صورة مدرعتين روسيتين مدمرتين.
فيما تحدثت عن الروس بالقول: "لَم أعتقد أنهم سيأتون. ولم أصدّق الأمر حتى اللحظة الأخيرة".
إلا أنه بحلول الظهيرة يوم الخميس، كانت سيارة مارينا الرمادية من طراز فولكسفاغن غولف قد خرجت إلى الطريق السريع مع ركابها الثلاثة، لتنضم إلى عشرات الآلاف من السيارات الأخرى المتجهة غرباً، حيث تعطّلت حركة المرور على الطرق، مما تسبب في زحفٍ على الحقول والمزارع الريفية. في حين سدّت قوافل الجيش الأوكراني الطرق، حاملةً معها الجسور العائمة، بينما تنطلق سيارات الإسعاف مسرعةً في الاتجاهين.
تقدُّم القوات الروسية
كما شاهدوا قافلةً ضخمة من آلات حصاد الحبوب (الدرّاسة) تندفع على الطريق بينما يسارع المزارعون -أو الدائنون- لنقل المركبات القيّمة بعيداً قبل تقدُّم القوات الروسية. في حين اصطف الناس في طوابير طويلة بطول الطريق أمام ماكينات الصراف الآلي ومتاجر البقالة.
يأتي ذلك بينما كان الحصول على البنزين أمراً شبه مستحيل، حيث اصطفت السيارات لمئات الأمتار أمام كل محطة. إذ وقف الشاب الأوكراني روسلان كالاشنيك (24 عاماً)، بجوار سيارته في إحدى المحطات على الطريق السريع مع غروب الشمس، والقلق يملأ وجهه.
كالاشنيك قال: "نحن ننسحب ونُخلي منازلنا مثل الجميع".
انفجارات هائلة
حيث استيقظ كالاشنيك، يوم الخميس 24 فبراير/شباط، على صوت انفجارين هائلين بالقرب من شقته في كراماتورسك، المدينة التي تُعَدُّ مقراً للحكومة في الجزء الذي ما تزال أوكرانيا تُسيطر عليه حالياً داخل مدينة دونيتسك، الخاضعة لسيطرة الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا. كما سمع أصوات مقاتلاتٍ تُحلّق في الأجواء.
لكن ما دفعه إلى التحرك مع شقيقته وأمه كان مكالمةً هاتفية سرية وغير قانونية تلقاها من والده، الجندي في الجيش الأوكراني على الجبهة. إذ واجه والده الهجوم الأول وسط قصفٍ مُكثّف، وأوضح لهم أن الهجوم الروسي قد بدأ.
في حين أردف كالاشنيك: "قال لنا يجب أن تغادروا فوراً. ثم أغلق الخط ولم نتحدث إليه منذ ذلك الحين".
تلك التحركات العسكرية السريعة صدمت الشاب الأوكراني، خاصةً أنها تغيّر بلاده بين دقيقةٍ وأخرى، بعد أن أمضى بضع ساعاتٍ فقط على الطريق.
أصوات القصف
أما مارينا المتقاعدة الأوكرانية (65 عاماً)، فقد كانت تعيش مع زوجها في بلدة شاستيا، الواقعة على الخط الفاصل بين أراضي الحكومة ومعقل الانفصاليين شرقي أوكرانيا، حيث كانت تعمل متطوعةً في جماعةٍ مسرحية للأطفال. وقد استيقظت يوم الخميس على أصوات القصف كذلك.
إذ قالت، في مقابلةٍ هاتفية أجرتها وهي على الطريق: "لقد حزمنا أمتعتنا في هلع. كنت خائفةً من إضاءة أنوار المنزل. لذا قررت الاستحمام ما دامت الفرصة سانحة. ثم حزمنا وثائقنا. لكنني لم أجلب صور العائلة، لأنها كانت داخل صندوق، ولم تكن هناك مساحةٌ له في السيارة".
فيما أوضحت مارينا أنها ندمت على قرارها ذلك لاحقاً. لكنها اضطرت إلى حزم إطارٍ مطاطي إضافي بدلاً من الصندوق في النهاية، مضيفة: "كان يجب أن أغادر بالأمس. أما اليوم (الخميس)، فقد تركت كل شيءٍ ورحلت".
كانت مارينا تنوي الإقامة مع ابنها في كييف رغم أنه يعيش داخل شقةٍ من غرفةٍ واحدة. لكنها أدركت أن كييف ليست آمنةً أيضاً، لافتة إلى أنها قامت بنثر بعض الطعام للدجاجات على الأرض قبل رحيلها مع زوجها، ثم تركتها تنطلق بِحرية إلى الشوارع، التي تشهد أعمال قتالٍ ضارية.
كان عشرات الآلاف من الأوكرانيين، معظمهم نساء وأطفال، قد عبَروا الحدود إلى بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا، الجمعة 25 فبراير/شباط 2022، مع استمرار قصف الصواريخ الروسية للعاصمة كييف، في حين طلبت السلطات من الرجال في سن القتال البقاء.
تطورات مثيرة
يُشار إلى أن روسيا أطلقت، فجر الخميس 24 فبراير/شباط 2022، عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل غاضبة من عدة دول في العالم، ومطالبات بتشديد العقوبات على موسكو.
يُذكر أنه وفقاً للرئيس الأوكراني، قُتل أكثر من 130 شخصاً، بينهم مدنيون، في اليوم الأول للتدخل العسكري الروسي.
في المقابل، تقول موسكو إن "العملية العسكرية تستهدف حماية أمنها القومي".
كانت العلاقات بين كييف وموسكو قد توترت منذ نحو 8 سنوات، على خلفية ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين الموالين لها في "دونباس".