تسببت الخلافات بين الاتحادات الممثلة داخل إدارة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، في اتخاذ ثلاث هيئات رئيسية بقيادة عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حافظ، قراراً بالانسحاب وتأسيس "مجلس وطني للأئمة"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، الأمر الذي أجج الخلاف بين رئيس المجلس المتحدر من أصول مغربية وعميد مسجد باريس ذي الأصول الجزائرية.
بسبب هذا النزاع الداخلي أساساً، قررت الدولة الفرنسية التدخل والإعلان عن تشكيل إطار مدني رسمي سمته "منتدى الإسلام في فرنسا" واتخاذه مخاطباً رسمياً للسلطات عوضاً عن المجلس.
في مقابل ذلك، أعلنت الاتحادات الأربعة التي بقيت في مكتب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنه اعتباراً من 19 فبراير/شباط الجاري سيعقد جمع عام، للتصويت على قرار حل المجلس، للسماح لممثلي العقيدة الإسلامية على المستوى الفرنسي بإنشاء شكل جديد من التمثيل الديمقراطي.
واعتبر ذلك مراقبون توجهاً لحل نهائي للمجلس الذي كان على مدى عشرين عاماً منذ نشأته في عام 2002 يعتبر "هيئة مستقلة" تهدف لتمثيل المسلمين في فرنسا أمام سلطات الدولة في المسائل المتعلقة بالممارسة الدينية.
يأتي ذلك في وقت يرى فيه مراقبون أن فرنسا تشن حملة غير مسبوقة ترمي إلى التضييق على المسلمين وعلى ممارسة شعائرهم التعبدية، خاصة مع تصاعد أصوات اليمين المتطرف الذي يستغل فترة اقتراب الانتخابات الرئاسية ليمارس مزيداً من الضغط والتأليب ضد هذه الفئة.
خلافات داخلية
يقول عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حافظ، لـ "عربي بوست" مدافعاً عن قرار انسحاب مسجد باريس الكبير من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) في مارس/آذار سنة 2021، إن سبب ذلك هو تقديره بأن هذه الهيئة "لم تعد تفي بمهامها وفضلت الانغماس في الصراع على السلطة بدلاً من أن تكون في خدمة المسلمين في فرنسا وتهتم بتنظيم أفضل لشؤون عبادتهم.
شمس الدين اعتبر أن حل المجلس سيكون أفضل بهذه الطريقة، قائلاً: "نحن بحاجة إلى نفس جديد، نحن بحاجة إلى جمع كل أولئك الذين يلتزمون دون دوافع خفية بمستقبل الإسلام في الجمهورية الفرنسية".
رداً على هذه التصريحات، يرى محمد موسوى، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، من جهته، أن منشأ الخلاف وما آل إليه وضع المؤسسة هو رفض توقيع ثلاث فيدراليات يقودها عملياً عميد مسجد باريس الكبير على ميثاق الإسلام الفرنسي، واتخاذ ذلك كان ذريعة للانسحاب من المجلس ومحاولة إحلال المجلس الوطني للأئمة محله بدعوى أنه يضم غير موقعين على الميثاق.
يضيف موسوي: "أمام هذا الوضع الذي يتحمل نصيبه الأوفر من المسؤولية التنسيقية المذكورة بقيادة شمس الدين حافظ، اتخذت الحكومة قرارها بإنشاء منتدى الإسلام في فرنسا".
حرب التصريحات هذه المتواصلة بين مدبري الشأن الديني في فرنسا جعلت البعض يعتبر أن المؤسسات الدينية في فرنسا تخوض حرباً بالوكالة بين أطراف خارجية مثل المغرب والجزائر وتركيا في معركة لا هوادة فيها على النفوذ.
عميد مسجد باريس الكبير ينفي هذا الأمر مؤكداً أنه "لم يسعَ أبداً لخوض هذا التنافس" لكنه في المقابل، يشير إلى أن "جهات رأت أن من مصلحتها اختزالي في أصلي الجزائري، وهو ما لا يتعارض مع هويتي الفرنسية، متناسين أن معركتي الرئيسية هي محاربة التطرف".
من جهته، يرد موسوي على زعم تدخل دولٍ في توجيه المؤسسات الدينية فيقول إن "هذا كلام سخيف يكذبه الواقع وكل المعطيات. لا يمكن لأي دولة أن توجه المجلس. جميع قرارات هذا الأخير تُتخذ داخل مؤسساته بمشاركة أعضائه ولا مجال لتدخل أي دولة فيها"، لكنه يقر في المقابل بتلقي الجمعيات الإسلامية لمساعدات خارجية، ويقول لـ"عربي بوست": "هذا أمر واقع لا نحتاج إلى إنكاره، لكن جميع الدراسات التي أجريت في شأن هذا التمويل تحصر نسبته فيما لا يتعدى 15٪ من التمويل. الباقي تمويل داخلي من المسلمين أنفسهم".
يستدرك موسوي فيذكر أن "التمويل الخارجي الذي يتلقاه المسلمون من الخارج يتلقى في إطار الشفافية الكاملة إلا النادر منه، كما يجدر بالذكر أن مثل هذه التمويلات وبشكل ربما أكثر حجماً يحصل عليها أتباع الديانات الاخرى ولا تتهم هذه الديانات بالخضوع للدول والجهات الممولة.
في ظل تضارب الآراء حول مستقبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بين من يرجح حله ومن يرى استمراره دون وظيفة عملية، يوضح رئيسه أن "المنتدى الذي استحدث سيكون مجالاً وفضاء للتفكير والحوار بين المشاركين ومع المؤسسات الحكومية، ولا يُعنى بمسألة تمثيل الديانة الإسلامية كما هو شأن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
هذا الأخير ليس له أكثر من خيارين؛ إما أن يتم إصلاحه من الداخل بانفتاحه على باقي مكونات الإسلام الفرنسي من غير المنضوين تحت ما يسمى الفيدراليات المؤسسة للمجلس، وذلك من خلال إعطاء الكلمة لكل العاملين في الحقل الديني على المستوى المحلي بغض النظر عن انتمائهم للفيدراليات المذكورة أو لا، وفي غياب هذا الإصلاح سيزداد الشرخ القائم بين المجلس والمسلمين اتساعاً وسينظم العاملون في الحقل الديني أنفسهم خارج المجلس، وسنعمل على عدم حل المجلس وضمان استمراريته مع تجديد دمائه".
ضغط رسمي
يأتي الخلاف الحاصل بين عدد من الجمعيات المدبرة للشأن الديني في فرنسا وسط تصاعد أصوات اليمين المتطرف المناهضة للمسلمين وتسارع وتيرة إغلاق المساجد وملاحقتها من قِبل السلطات، إذ تم إغلاق حوالي 90 مسجداً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
يقول شمس الدين حافظ: "اقترحت على الوزير عند ظهور مشكلة ما في أحد المساجد، ترك المسجد مفتوحاً وإبعاد الفاعلين الذين يمثلون مشكلة حتى لا تتم معاقبة المصلين. وهنا أستحضر حالة سابقة، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2021، تم إغلاق مسجد "بانتان" في ضواحي باريس بعد اغتيال الأستاذ صامويل باتي، كنت اقترحت على وزير الداخلية ومحافظ باريس أن يضع مسجد باريس الكبير أحد أئمته تحت تصرف مسجد "بانتان"، وهو ما فعلناه، وبالفعل، أعيد افتتاحه".
موسوي لا ينفي هو الآخر أن المسلمين في فرنسا يمرون بظروف صعبة، ويرى في التركيز على تربية الأجيال الصاعدة وتثقيفها والرفع من مستواها العلمي حلاً لمشكلتهم، يفسر فيقول: "هذا كفيل بأن يغير نظرة المجتمع ككل إلى المسلمين. سيحدث ذلك عندما يرتفع مستوى المسلمين العلمي والمعرفي ويتواجدون في المؤسسات التي تقدم الخدمات الأساسية للمجتمع بحيث لا ينظر إليهم كأنهم عالة على المجتمع".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”