أثبتت دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة "علم الكواكب والنيازك" meteorites & Planetary Science أن خنجر توت عنخ آمون لم يُصنع في مصر؛ بل تمت صناعته في أراضي الأناضول؛ التي كان يحكمها آنذاك ملوك حضارة "ميتاني"، وأن الخنجر صُنع من أحجار النيازك، التي كانت تعرف في تلك الحقبة بحديد السماء.
وعند اكتشاف المقبرة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1922 عثر هوارد كارتر على خنجرين ملفوفين بحذر داخل الأربطة التي تلف مومياء توت عنخ آمون؛ إحداهما نصله ذهبي، بينما الآخر له نصل حديدي، وكلاهما له غَمد.
كان الخنجر الحديدي هو الأثمن على الإطلاق لأنه خلال حياة توت عنخ آمون (الذي استمر حكمه من عام 1336 حتى 27 قبل الميلاد)، كان الحديد، أو "حديد السماء" كما كان يُطلَق عليه، معدناً نادراً ونفيساً؛ إذ يُستخرَج بالكامل تقريباً من النيازك وعُثِرَ على أغراضٍ حديدية أخرى في مقبرة توت عنخ آمون؛ وهي: 16 نصلاً صغيراً، ومسند رأس صغير، وتميمة.
مصنوع بحرفية عالية..
وتشير حقيقة أنَّ هذه القطع ليست مُتقنَة الصنع وصغيرة الحجم إلى أنها من صُنع حرفيين محليين وجدوا مشقة في تصنيع حديد النيازك النادر؛ إلا أنَّ الخنجر ذا النصل الحديد مختلف؛ فهو مُتقَّن الصنع، ما يُرجِّح أنه ورد إلى مصر من منطقة اعتادت تصنيع الحديد.
وبالنظر إلى ندرة المصنوعات الحديدية عالية الجودة في ذلك الوقت، فمن المحتمل أنَّ توت عنخ آمون، حفيد أمنحوتب، ورث الخنجر عن جده، ودُفِن في النهاية معه.
ودفعت الأجسام الحديدية التي سبقت اكتشاف المعادن الحديدية على الأرض الباحثين إلى الاعتقاد بأن الأجسام القديمة جاءت من الحديد النيزكي.
حديد السماء
ويُعتقد أن هذه قطع معدنية سقطت من الفضاء وصُنعت فيما بعد على الأرض، خاصة بعدما تم العثور على خنجر في تركيا يعود تاريخه إلى آلاف السنين قبل ولادة توت عنخ آمون أيضاً، كانت هذه العناصر ذات قيمة كبيرة في مصر وخارجها.
وبالعودة إلى ألواح "رسائل العمارنة" التي كانت تعد بمثابة الرسائل الدبلوماسية للحضارة الفرعونية وكانت توثق الأنشطة الدبلوماسية في مصر القديمة؛ منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
واكتشف الباحثون في "رسائل العمارنة" التي يعود عمرها إلى 3400 عام، أن جد توت عنخ آمون تزوج ابنة الملك ميتاني الثالث الذي أعطى أمنحتب خنجراً حديدياً بغمد ذهبي.
وقام العلماء مؤخراً بتصوير خنجر توت عنخ آمون الحديدي بالأشعة السينية في محاولة لفهم كيفية صنع الجسم المعدني من نيزك، وذكر الباحثون أنه من الممكن أن يكون الخنجر صُنع بالتدوير على درجة حرارة منخفضة للغاية.
هل يعتبر خنجر توت عنخ آمون ذو أصل فضائي؟
عكف الباحثون المصريون والإيطاليون على فحص المعدن باستخدام مطياف الأشعة السينية بغية تحديد تركيبه الكيميائي، فوجدوا تركيبه غنياً بالنيكل والكوبالت، "ما يشير وبقوة إلى أصله الفضائي"؛ حيث قارن العلماء هذا التركيب بنيازك سقطت ضمن مسافة 2000 كيلومتر من سواحل البحر الأحمر المصرية، ووجدوا المستويات في أحد هذه النيازك مقاربة جداً.
النيزك الذي تطابقت نِسَبُه مع الخنجر أطلق عليه اسم نيزك "الخارجة"، وكان عُثر عليه في مدينة مرسى مطروح على بُعد 240 كم غرب الإسكندرية، وقد كانت مرسى مطروح في عهد الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد تُعرف باسم "آمونيا".
وقد نشرت البحوث يوم الثلاثاء 31 مايو/أيار 2016 في مجلة علوم النيازك والكواكب Meteoritics & Planetary Science.
رغم أن القدماء عرفت عنهم المشغولات النحاسية والبرونزية منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد، فإن المشغولات الحديدية لم تظهر إلا لاحقاً، وعرف عنها ندرتها في مصر.
ففي 2013 وجد أن 9 خرزات حديدية مسودة اللون استُخرجت من مقبرة شمال مصر قرب نهر النيل كانت قد ضربت من شظايا نيزكية، وأنها مزيج من حديد ونيكل، ويعود تاريخ الخرزات إلى عصر ما قبل الفرعون الشاب عام 3200 قبل الميلاد.
البحث العلمي
وقال توموكو أراي، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة التي أجراها معهد تشيبا للتكنولوجيا أنهم أجروا تحليلاً كيميائياً ثنائي الأبعاد غير مدمر للخنجر" في اليابان.
ويتابع توموكو أنهم بدأوا برسم الهيكل الأساسي لشفرة الخنجر عن طريق الأشعة السينية ووجدوا تركيزات كثيفة للحديد والنيكل والماغنيسيوم والكوبالت.
ويضيف توموكو أنهم وجدوا كذلك الكبريت والكلور والكالسيوم والزنك في البقع السوداء على النصل وكان توزيعها مثيراً للاهتمام مثل كافة المعادن الأخرى المكونة لحديد الخنجر.
وفي محاولة لمعرفة أصل الخنجر؛ قارن العلماء النمط الموجود على خنجر توت عنخ آمون بالنمط الموجود على النيزك الياباني المعروف "شيراهاجي" الذي يعد مصدر الحديد في العديد من السيوف اليابانية التاريخية لكن لم يظهر بينهم أي ارتباط.
حضارة ميتاني
وقال الباحثون إن التحليل الأولي أظهر أيضاً أن الأحجار الكريمة الموجودة على مقبض الخنجر كانت مرتبطة بالجص الجيري، وهو أمر شائع في حضارة ميتاني، ولم يُشاهد لاحقاً في مصر، ما يثبت أن الخنجر قد تمت صناعته فعلياً في الأناضول.
وحكم ملوك ميتاني منطقة الأناضول بين 1500 قبل الميلاد و1200 قبل الميلاد وأصبحوا قوة إقليمية بعد سقوط الحيثيين وتأسست مملكة ميتاني في أوائل القرن السابع عشر قبل الميلاد.
وكشفت الحفريات الأخيرة في سد إليسو عند منبع نهر دجلة عن قطع أثرية لطقوس ميتاني وختم أسطواني ميتاني يعود تاريخه من 1760 إلى 1610 قبل الميلاد في معبد في Muslimtepe.