وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء 22 فبراير/شباط 2022، رسالة "طمأنة" إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك على خلفية قرار بوتين الاعتراف باستقلال منطقتين انفصاليتين عن أوكرانيا، متسبباً في غضب كييف والقوى الغربية.
فقد ذكرت وكالة "تاس" الروسية للأنباء، أن الرئيس فلاديمير بوتين قال إن روسيا تحترم سيادة جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق الأخرى، وإن موسكو تعتبر أوكرانيا استثناء من ذلك، لأنها بحسب قوله واقعة تحت السيطرة الأجنبية.
بينما ترفض أوكرانيا ما تقول إنه سيل من الدعاية ضدها، يتدفق من روسيا، التي حشدت قوات بالقرب من جارتها السوفييتية السابقة، واعترفت يوم الإثنين، 21 فبراير/شباط، بمنطقتين انفصاليتين من أراضيها جمهوريتين مستقلتين هما دونيتسك ولوغانسك.
لماذا أوكرانيا مختلفة عند بوتين
لا أحد في الغرب يعلم هل يريد بوتين غزو أوكرانيا أم يساوم لتحقيق مكاسب، منها الحصول على ضمانات لمنع انضمامها للناتو، أم يريد تحقيق مكاسب في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، مثل السماح بتشغيل خط السيل الشمالي الذي يصدر الغاز من روسيا لألمانيا، أم معاملة بالمثل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبر الابتزاز بالورقة الأوكرانية.
رغم حدة التهديدات الغربية لبوتين من مغبة الإقدام على غزو أوكرانيا، فإنه لا أحد ينسى أن روسيا سبق أن غزت أوكرانيا، ولم تأبه بالعقوبات الغربية، كما أن موسكو تستطيع بالفعل أن تشن هجوماً على أوكرانيا، ثم تساوم الغرب لمنعه من فرض عقوبات موجعة، سواء بابتزازه بالتلويح بتوسيع عملية غزو أوكرانيا أو التهديد بغزو جمهوريات البلطيق الجبهة الأمامية الهشة للناتو.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، حافظت الدولتان السلافيتان أوكرانيا وروسيا على علاقات وثيقة للغاية، باعتبارهما أهم وريثين للاتحاد السوفييتي.
بالنظر إلى التقارب الثقافي بين البلدين، فإن أوكرانيا كانت مقسمة بين نزعتين، الأولى تنظر للغرب وتحدوها فكرة الانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي.
في المقابل نزعة أخرى تتركز في الشرق والجنوب، تميل لروسيا، بالنظر إلى أن أغلب سكان هذه المناطق خليط من الأوكرانيين ذوي الأصول الروسية والأوكرانيين المتحدثين بالروسية.
كما أنها مناطق اقتصادياً وثقافيا مرتبطة بروسيا، وبها أغلبية أرثوذكسية كبيرة، بينما غرب أوكرانيا تقليدياً قريب لبولندا والإمبراطورية الرومانية المقدسة والإمبراطورية النمساوية المجرية التي ورثتها، وبه وجود كاثوليكي قوي أو توجهات علمانية غير دينية.
دفع مناطق جديدة من أوكرانيا للانفصال
هناك ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا، وفقاً لتعداد عام 2001، معظمهم في الجنوب والشرق، حيث تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من سكان البلاد قبل أزمة 2014، وتزعم موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في أوكرانيا.
لكن اللغة الروسية أكثر انتشاراً في أوكرانيا من الروس، إذ يُعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية كلغة أولى، كما كانت اللغة الروسية هي اللغة المهيمنة فعلياً خلال العهد السوفييتي، رغم أن الأوكرانية هي اللغة الرسمية، علماً أنه يُعتقد أن اللغة الأوكرانية في صعود، خاصة بعد أزمة 2014 بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية، خاصة في ضوء القرارات ضد اللغة الروسية التي اتخذتها كييف، والتي قوبلت بانتقادات حادة من موسكو.
بصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد، وبصورة أقل في الشمال، إلى جانب الأوكرانية، فيما تسود الأوكرانية بوسط وغربي البلاد، ويترجم هذا في رغبة الأقاليم الوسطى والغربية بأوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما تميل الأقاليم الشرقية والجنوبية أكثر إلى روسيا، علماً أن هذه الإقاليم ذات الهوى أو التأثير الروسي لا تشمل فقط إقليم دونباس والقرم، بل مناطق أخرى مازالت ضمن سيطرة كييف.
لكن سكان هذه المناطق رغم أنهم يميلون لموسكو بدرجات مختلفة، فإنهم ليسوا بالضرورة موالين لروسيا أو رافضين لهوية أوكرانية وطنية، فالأوكرانيون المتحدثون بالروسية بالأخص يؤمنون بالهوية الأوكرانية، ولكنها هوية ليست معادية لروسيا، عكس سكان غربي أوكرانيا، المنطقة التي كانت تقليدياً معقل الهوية الأوكرانية المعادية لروسيا.
يجعل هذا الوضع من الصعب ضم كل الإقاليم التي يوجد بها عدد كبير من الناطقين بالروسية في أوكرانيا، خاصةً أن الشعور القومي الأوكراني والمعادي لموسكو بعد أزمة 2014 يُعتقد أنه قد تصاعد في العديد من المناطق التي كانت تنتشر فيها اللغة الروسية.