دون سابق إنذار، أُعلن عن إلغاء الضرائب في الجزائر من طرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وذلك في اجتماع مجلس الوزراء، يوم الأحد 13 فبراير/شباط 2022، كانت قد استُحدثت في قانون مالية السنة الجديدة 2022.
وكانت هذه الضرائب قد فُرضت بداية من شهر فبراير/شباط الجاري، وأثارت غضب المنتجين والمستهلكين والمستوردين، بسبب نِسبها المرتفعة وغير المسبوقة.
وتجاوزت قيمة الرسوم والضرائب الجديدة على السلع المستوردة حدود 150%، وهو ما يعني تضاعف الأسعار ثلاث مرات على الأقل.
ووفق رئاسة الجمهورية الجزائرية، فإن التراجع عن هذا القرار مؤقت، وليس نهائياً؛ إذ جاء في بيانها: "تجميد كلّ الضرائب والرسوم بدءاً من اليوم حتى إشعار آخر، ولا سيما الرسوم التي تضمنها قانون المالية 2022 على بعض المواد الغذائية، وإلغاء الضرائب في الجزائر والرسوم على التجارة الإلكترونية، والهواتف النقالة الفردية، ووسائل الإعلام الآلي الموجهة للاستعمال الفردي، والمؤسسات الناشئة، والاكتفاء بالتعريفات المقنّنة حالياً".
تخوّف من استفزاز الشارع
لا يمكن فهم تراجع الحكومة الجزائرية عن ضرائب سُنت باقتراح الحكومة وموافقة البرلمان، إلا من خلال الغليان الذي باتت تعرفه الجبهة الاجتماعية بسبب الغلاء الفاحش.
وقال المحلل السياسي فاتح بن حمو، إن تبون يرى الضرائب التي سُنّت مؤخراً استفزازاً للشعب، يمكن أن يحرك الشارع قبيل الذكرى الثالثة للحراك الشعبي، الموافق لـ22 فبراير/شباط 2022.
وثمّن بن حمو في حديث لـ"عربي بوست" قرار التراجع عن سَن هذه الضرائب، واصفاً إيّاها بالمجحفة وغير العقلانية.
وأضاف المتحدث أن قرار سَن القوانين والتراجع عنها ظاهرة جزائرية بامتياز، حيث تعوّد عليها الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي سعى إلى رفع شعبيته عن طريق هذه القرارات كلما أحسّ بتراجعها.
أما المحلل مولود صياد فيعتقد أن "قرار فرض الضرائب لم يبنَ على أسس واضحة ومعطيات دقيقة، كما أن إلغاءه جاء كردِّ فعل فقط على الآثار التي خلَّفها وسط الشارع الجزائري" .
وأمر تبون خلال ترؤسه اجتماع الحكومة الأخير، باتخاذ كل التدابير والإجراءات، لتفادي آثار الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق الدولية على المواطنين، خلال السنة الجارية حتى استقرارها.
كما شدَّد على ضرورة "تكفّل الدولة بتغطية الفارق في الأسعار الخاصة بالمواد الموجهة للمواطنين، من قبل الديوان الجزائري المهني للحبوب، وذلك نظراً إلى ارتفاع الأسعار دولياً.
إلغاء الضرائب في الجزائر
تسبَّب قرار تبون الرامي إلى إلغاء الضرائب في الجزائر في إحراج لحلفائه في البرلمان والحكومة، باعتبار أن قانون مالية السنة الجديدة كان باقتراح من الحكومة، ومرَّره البرلمان المتحالف معها ومع الرئيس.
وفي حين حقَّق تبون مكاسبَ على المستوى الشعبي بإلغاء تلك الضرائب، خسرت الحكومة والبرلمان الكثير من رصيدهما.
ولم تستطع الحكومة والبرلمان سوى تثمين قرار تبون والإشادة به، رغم أنها هي مَن أقرت تلك الضرائب، في مشهد بَدَا كوميدياً للكثير من المتابعين.
وعلَّق المحلل مولود صياد على الموقف قائلاً: "أعتقد أن السؤال الذي يجب طرحه هنا، ليس سبب إلغاء الضرائب في الجزائر؛ بل هو: ما جدوى وجود برلمان يُناقش ويشرّع ويصوّت نوابه على مواد، ثم تُلغى بقرار رئاسي؟ ثم مَن قرَّر وضع الضرائب أولاً بتلك الطريقة المبالغ فيها؟ وما مبرر وضعها الحقيقي؟".
وأضاف في حديث لـ"عربي بوست"، الأحزاب السياسة في الجزائر باتت تسجل الأهداف في مرماها، عبر التناقض في المواقف والاتجاهات، مع وجود سلطة تغلّب صوت المجتمع المدني من جهة والإدارة من جهة أخرى، ليصبح صوت السياسي خافتاً بدون قيمة".
قرارات أخرى
من المتوقع أن يُصدر تبون قرارات أخرى تخص الجانب الاقتصادي لامتصاص غضب الشارع أكثر، ووفق مصادر لـ"عربي بوست"، فإن خطوة الرئيس الجزائري التالية ستتمثل في حل مشكل استيراد السيارات المغلق منذ سنوات.
وقد بدأت الحكومة في معالجة الملف وتنظيم القطاع، بعد تقديم وزارة الصناعة دفتر الشروط، بأوامر مباشرة من تبون، هذا الأخير الذي شدَّد على ضرورة تسريع إجراءات استيراد السيارات لكبح أسعارها الجنونية.
كما توقَّع المحلل السياسي فاتح بن حمو، أن تُراجع الحكومة سياسة الاستيراد عموماً، بالنظر إلى تأثيرها على السلع والأسعار، خاصة أن وزارة التجارة باتت تفرض إجراءات صارمة، تسببت في الندرة، وتُضاعف الأسعار في مختلف الشُّعب الاقتصادية.
ويعتقد بن حمو أن الخيار الاقتصادي الذي انتهجته الحكومة خلال السنتين الماضيتين أثبت فشله، وحان وقت مراجعته.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”