هدَّد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بأن بلاده ستبحث مسألة السيادة على جُزر بحر إيجة ما لم تتخلَّ اليونان عن تسليح وعسكرة هذه الجُزر.
وأوضح أوغلو، في حوار مع التلفزيون التركي الرسمي، أن أنقرة أرسلت رسالتين إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك اليونان لوضع الجُزر منزوعة السلاح في بحر إيجة.
وذكر وزير الخارجية التركي أن هذه الجزر مُنحت لليونان بموجب اتفاقيتي لوزان وباريس للسلام؛ وذلك بشرط نزع سلاحها، لافتاً إلى أن أثينا بدأت في انتهاك تلك الاتفاقيات بدءاً من الستينيات.
ويرى المحلل السياسي التركي جنكيز تمر في حواره مع "عربي بوست" أن الجُزر الموجودة في بحر إيجة تعتبر من أبرز الملفات الخلافية حساسية في العلاقة بين تركيا واليونان، حيث يتجلى نزاع السيطرة على المجال البحري والجوي في بحر إيجة والمنطقة.
ويضيف تمر أن المناوشات والمضايقات بين القوات الجوية والبحرية للجانبين تتكرر بصورة دائمة وتطورت في بعض الأحيان إلى اشتباك عسكري بسبب عدم التفاهم بين الطرفين.
وعزَّز تلك الخلافات -بحسب تمر- الإصرار اليوناني على تغيير المعاهدات الدولية التي وقَّعتها ومن ضمنها لوزان وباريس اللتان تنصان صراحة على عدم شرعية نشر أي نوع من الأسلحة أو الحشود على تلك الجُزر على أن تبقى منزوعة السلاح.
لكن الخلاف بين تركيا واليونان -كما يراه تمر- يتعدى ملكية العديد من الجزر في بحر إيجة إلى وضعها القانوني والعسكري، بالإضافة إلى الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة، خاصة في ظل اكتشافات الغاز والعديد من الثروات المعدنية في هذه المنطقة.
ويضيف المحلل السياسي التركي أن تصاعُد الخلاف التركي اليوناني حول جزر بحر إيجة جعل التحذيرات الدولية تتعالى خشية إمكان أن تؤدي إحدى هذه المناوشات إلى اشتباك عسكري أوسع بين البلدين، خصوصاً أن حدة التوتر في تصاعد منذ مطلع التسعينيات، وسط سباق تسلح بين البلدين.
وفي عام 1995، أعلنت تركيا أن توسيع اليونان مجالها البحري والجوي سيعتبر سبباً للحرب، لا سيما أن المطالب اليونانية لم تقتصر على المجال البحري، بل تعدته إلى المجال الجوي كذلك؛ حين أعلنت أثينا مد مجالها في بحر إيجة من 6 إلى 18 ميلاً.
جزر بحر إيجة
وتظهر معطيات المؤسسات الرسمية اليونانية أرقاماً مختلفة بخصوص أعداد الجزر ومساحاتها في بحر إيجة عن تلك المعطيات التابعة لرئاسة هيئة المسح البحري وعلوم المحيطات التابعة للقوات البحرية التركية التي تشير إلى أن بحر إيجة يضم نحو 1800 جزيرة، مُشكّلة من جزر، وجزر صغيرة، وتشكيلات صخرية مختلفة المساحات ونحو 100 جزيرة منها مأهولة بالسكان، و24 جزيرة فقط تبلغ مساحتها أكثر من 100 كم2.
ويمكن تقسيم الجزر في بحر إيجة بخلاف جزيرة كريت إلى 5 أقسام رئيسية بحسب موقعها وخصائصها الجغرافية أو التاريخية وفق للمسح الجغرافي التركي وهي: جزر تراقيا، وتسمَّى في تركيا جزر مدخل المضيق وجزر سبوراديس الشرقية، وتسمَّى في تركيا جزر ساروهان وجزر سبوراديس الشمالية، وتسمَّى في تركيا جزر الشيطان وجزر سيكلاديس، وتسمَّى في تركيا جزر كيكلاد وجزر سبوراديس الجنوبية Dodace-Nissas، وتسمَّى في تركيا جزر منتشه.
ويُطلق على جزر بحر إيجة في الإعلام جزر الاثني عشر، وغالباً ما يُطلق عليها خطأً الاثنتا عشرة جزيرة ظناً أن عددها 12 جزيرة، إلا أنها في الحقيقة عبارة عن 14 جزيرة، إضافة إلى عشر جزر صغيرة وتجمعات صخرية.
وكانت كل جزيرة تضم مجلساً محلياً مكوناً من 12 شخصاً يهتمون بالأمور الإدارية الداخلية للجزر على رأسها التعليم والأمور الدينية، وقد واصل العثمانيون تطبيق هذا بعد فتحهم الجزر، ومن هنا جاءت تسمية جزر الاثني عشر ويطلق عليها اليونانيون اسم Dodace-Nissas.
بداية الخلافات
واتهمت وزارة الدفاع التركية اليونان بارتكاب 229 انتهاكاً لوضع الجزر منزوعة السلاح منذ بداية عام 2022 وذلك قبل تهديد وزير الخارجية التركي بإعادة بحث مسألة "السيادة" على هذه الجزر.
وعادت أنقرة لطرح الملف بقوة قبل أن تظهر صور تداولتها وسائل إعلام يونانية وتركية إرسال أثينا عناصر من الجيش اليوناني مدججين بالأسلحة إلى جزيرة "ميس" التي لا تبعد سوى أقل من 3 أميال عن السواحل التركية، وهو كاد أن يفجر نزاعاً مسلحاً بين البلدين عام2021 .
وسبق أن اعتبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن "الحشد العسكري اليوناني في 16 جزيرة ببحر إيجة مخالف للقوانين الدولية"، داعياً اليونان إلى التصرف بشكل يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة وعلاقات حسن الجوار.
وتؤكد تركيا أن تسليح الجزر يشكل تهديداً على أمنها القومي وتقول إن معاهدة لوزان للسلام، أحدثت وضعاً غير عسكري في جزر بحر إيجة، بعد الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الأمنية لتركيا، وهذا الوضع استمر في معاهدة باريس للسلام، عبر الاعتراف الصريح والواضح به، فهذه المعاهدة خلقت وضعاً حيادياً لصالح تركيا.
وتعتبر تركيا أن التواجد العسكري اليوناني في هذه الجزر يمثل تهديداً مباشراً على أمنها القومي لقربها من الأراضي التركية، إلى جانب الخلافات التاريخية على ملكيتها حيث نصت العديد من الاتفاقيات الدولية على منع التسلح ورفع الأعلام في العديد من الجزر لاحتواء الخلاف بين أنقرة وأثينا عليها.
ويرى المحلل السياسي التركي جنكيز تمر في حديثه مع "عربي بوست" أن تركيا جادة في إزالة التهديدات اليونانية عن جزر بحر إيجة بسبب قرب هذه الجزر الشديد من الأراضي التركية، وبالتالي فهذه مسألة أمن قومي لا تتعامل معها تركيا باستهتار.
ويضيف تمر أنه في حال تم تمرير الطلبات اليونانية بجعل الجرف القاري لليونان في هذه الجزر 18 ميلاً بحرياً، فإن هذا يعني أن السفن التركية لا تستطيع عبور بحر إيجة دون إذن مسبق من قِبَل اليونان وهذا أمر لن تقبله تركيا بأي حال.
المحادثات الاستكشافية
تُستخدم المحادثات الاستكشافية كمصطلح دبلوماسي للإشارة إلى المفاوضات بين دولتين من أجل إيجاد حلول دائمة للمشكلات في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
ويرى المحلل السياسي التركي جنكيز تمر أن تركيا على مدار سنوات حرصت على استخدام الدبلوماسية لحل الخلافات مع اليونان التي لا تتوقف عن التلويح بورقة عضويتها في الاتحاد الأوروبي حتى في بعض المواقف تتحدث أثينا وكأنها هي الاتحاد الأوروبي
وعلى الرغم من ذلك، يضيف تمر لـ"عربي بوست" بدأت تركيا المفاوضات الاستكشافية للمرة الأولى بين تركيا واليونان عام 2002، من أجل إرساء عملية الحوار التي بدأتها النخب السياسية في تلك الفترة من خلال استخدام أدوات الدبلوماسية.
واستمرت اجتماعاتها حتى عام 2016، ثم استؤنفت مطلع هذا العام، بعد توقف استمر 5 سنوات وتجري المحادثات الاستكشافية من خلال آليات حوار متنوعة، بمشاركة وفود تقنية، برعاية وزارتي الخارجية في البلدين.
وبحسب وكالة الأناضول، هناك رغبة شعبية لدى الطرفين في تجاوز المشكلات التاريخية المزمنة؛ لكن تعنت المؤسسات السياسية، وضغوط التيارات القومية، عمقت تلك المشكلات بدل حلها، لدرجة أنه لم تكن هناك أي نتيجة إيجابية ملموسة من الاجتماعات الاستكشافية الستين التي عقدت حتى الآن.
لكن المحلل السياسي التركي جنكيز تمر يضيف أنه في حال لم تستجب اليونان للمخاوف التركية من عسكرة وتسليح جزر بحر إيجة، فإن تركيا لن تتوانى في استخدام قوة السلاح لإجبار اليونان على الالتزام بالاتفاقيات الدولية الموقعة عليها والتي تقضي بعدم تسليح هذه الجزر تحت أي مبررات.
المجموعة الأوروبية عليها حل الخلافات..
من جانبه يرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية التركي الدكتور سمير صالحة، في حواره مع "عربي بوست"، أن الخلافات بين أنقرة وأثينا في بحر إيجه تأتي ضمن الخلافات الأوسع بين البلدين لترسيم الحدود البحرية بينهما؛ خاصة في المناطق الساحلية القريبة من الحدود التركية والتي يعقّدها تباعد التوصيفات القانونية بين البلدين؛ بشأن تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة ومساحة الجرف القاري.
ويضيف صالحة لـ"عربي بوست"، أنه ورغم مرور عشرات السنوات لم ينجح كلا الجانبين في تأمين طاولة تفاوض وحوار حقيقي لإنهاء هذه المسائل، خاصةً تلك المتعلقة بالمناطق الصخرية أو ما يعرف بالجزر الصخرية الكبيرة القريبة من اليابسة التركية.
ويرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية التركي، أنّ طرح موضوع السيادة من قبل تركيا مرتبط بإصرار اليونان على تسليح هذه الجزر، خاصة تلك القريبة من اليابسة التركية، وذلك بما يتعارض مع الاتفاقيات الدولية السابقة بين البلدين، ولذلك تعتبره تركيا خروجاً عن هذه الاتفاقيات، فيما تطرحه اليونان، بحسب صالحة، لكسب ورقة جديدة قد تستخدمها في حال تم الجلوس على طاولة مفاوضات جدية.
لكن المشكلة الأهم، بحسب صالحة، هي أن المجموعة الأوروبية التي كان من المفترض قبل الموافقة على عضوية كاملة لليونان، أن تساهم في حل هذه الخلافات لفتح الطريق أمام تسوية تركية يونانية في بحر إيجه والمتوسط، وكان من الممكن أن تقوّى الموقف الأوروبي في المنطقة، لكنها فضّلت قبول عضوية اليونان وقبرص اليونانية أيضاً عام 2004 رغم الخلافات القائمة، وهذا ما يُغضب أنقرة ويجعلها تتهم أوروبا بالمشاركة في المشكلة وليس العمل على حلها.
ويرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية، في حواره مع "عربي بوست"، أنه لا يوجد حتى الآن أي سيناريو حقيقي يناقَش باتجاه التسوية بين الطرفين، بسبب أن لكل طرف طروحاته التي تختلف عن الآخر، وكان بمقدور المجموعة الأوروبية أن تفعل ذلك لكنها اختارت أن تُبقي الملفات ساخنة بين أنقرة وأثينا وتشعلها من وقت لآخر عبر تقديم الدعم الكامل لقبرص واليونان.
ويضيف صالحة أنّ حل هذه القضية يحتاج إلى لاعب حقيقي مؤثر وراغب في حلها، ولكن العكس هو الصحيح، فهناك كثيرون، بحسب صالحة، لهم مصلحة في استمرار الخلاف قائماً بين أنقرة وأثينا ويرغبون في استمرار هذه المشكلة.