ذكر تقرير لموقع Africa Intelligence الفرنسي، المتخصص في الشؤون الأمنية، الأربعاء 9 فبراير/شباط 2022، أن روسيا تعمل على بناء جسور جديدة مع ليبيا، وذلك على الرغم من قرار نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، حسين القطراني، تأجيل زيارته لموسكو إلى أجلٍ غير مسمى، بعد أن أُعلنَ عنها أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة.
وفق الموقع نفسه فإن روسيا تتجه إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات التي من شأنها إعادة تعزيز العلاقات مع طرابلس، خاصة بعد أن وُجهت إليها انتقادات كبيرة بشأن دعمها للمشير المتقاعد خليفة حفتر، والدور الذي لعبته مرتزقة "فاغنر" في ساحة الأحداث.
سفارة طرابلس سوف تُفتح مجدداً
بحسب مصادر موقع Africa Intelligence، تأمل موسكو افتتاح سفارتها بالعاصمة الليبية مجدداً في يونيو/حزيران.
أُغلقت هذه السفارة في 2014؛ على خلفية حالة الانعدام الأمني المتزايدة، ولكن عكس البلاد الأخرى، لم تفتح روسيا سفارتها بعد؛ نظراً إلى أن ممثليها الدبلوماسيين غير مرحَّب بهم، بسبب دعم روسيا لقائد الجيش الوطني الليبي، الجنرال خليفة حفتر.
أوضح الموقع أن القائم بأعمال السفير، الذي يستقر بالعاصمة التونسية تونس والذي عُين في يوليو/تموز 2020، جامشيد بولتايف، هو الذي سيشغل منصب السفير عند إعادة افتتاح السفارة.
تعلَّم بولتايف اللغة والثقافة العربيتين بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO)، وترأس سابقاً القنصلية الروسية في مدينة الغردقة المصرية في أعقاب حادث تحطم طائرة ركاب روسية كانت متجهة من شرم الشيخ إلى سان بطرسبرغ، وإعلان تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مسؤوليته عن إسقاط الطائرة.
لا تزال موسكو قلقة بشأن أمن سفارتها في طرابلس ومواطنيها الذين يذهبون إلى المدينة. وقد أُثير الموضوع عن طريق وفد عسكري روسي وصل إلى المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستقبله رئيس الأركان العامة التابع لحكومة الوحدة الوطنية، فريق أول ركن محمد الحداد.
في الوقت ذاته، تولى فريق، يصف نفسه بأنه وفد زائر تابع لشركة غازبروم، مشكلة المناخ الأمني في العاصمة، وعقد لقاءات مع شركة أمن خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن شركة غازبروم لديها بالفعل مكتب في طرابلس.
بعد الانتكاسات حان الوقت للسياسة الواقعية
يرى موقع Africa Intelligence أن العودة الدبلوماسية لروسيا إلى طرابلس تجسد اعترافاً ضمنياً بأن دعمها لحفتر لم يؤتِ ثماره.
فضلاً عن أنها خسرت رهانها على سيف الإسلام القذافي، الذي أسهم ترشحه للانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، بدورٍ كبيرٍ في تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، وهو ما عاد بالفائدة على رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، الذي سيبقى على الأرجح في منصبه لبعض الوقت.
منذ ذلك الحين، تحاول موسكو الاستفادة القصوى من الموقف السياسي الدبلوماسي، الذي صار أكثر سيولة من أي وقت مضى.
تكمن الأولوية الأولى في إحراج واشنطن بأقصى درجة ممكنة، وهو ما تَمثّل في قرار روسيا الذي اتخذته في 1 فبراير/شباط وينص على تقييد مد دعم ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى ثلاثة أشهر.
كذلك، يرمي الهدف من هذا إلى ضمان تعيين مبعوث أممي خاص جديد؛ من أجل التعجيل بمغادرة ستيفاني ويليامز، الذي انتدبته وزارة الخارجية الأمريكية.
مصالح اقتصادية
كما تأمل موسكو أن تضع يدها على أصول الغاز والنفط الأخرى، إذ تحتفظ "غازبروم" فعلياً بامتيازات الإنتاج في حوض غدامس شمال غربي ليبيا، بجانب امتيازات أخرى في حوض سرت في الشرق، وتشارك كذلك الشركة الألمانية "وينترشال" في العمليات.
إلى جانب ذلك، تتولى شركة تاتنفت الروسية عمليات الاستكشاف في حوض غدامس، بينما وقعت شركة روسنفت الروسية اتفاق شراء مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عام 2017.
أظهرت روسيا فعلياً رغبتها في زيادة وجودها بمجال النفط والغاز الليبيين وذلك على هامش المؤتمر الوزاري الدولي المعني بمبادرة استقرار ليبيا، والذي عُقد بطرابلس في 21 أكتوبر/تشرين الأول في العام الماضي. لكن الشد والجذب بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، ووزير النفط محمد عون، تسببا في إبطاء المحادثات.
لا تغيير حول تخطيط الحدود
على الصعيد العسكري، ليس لدى موسكو أي نية في التخلي عن شبر واحد بدون الحصول على شيء كبير في المقابل.
إذ إن الطلبات المتكررة من طرابلس ومن المجتمع الدولي لبدء سحب مقاتلي مجموعة فاغنر الروسية، لم تلقَ أي آذان صاغية، حتى إن بنغازي استخدمت محطة وقوف للطائرات العسكرية الخاصة بشركة توبوليف الروسية التي نقلت طليعة "مدربي" مجموعة فاغنر إلى العاصمة المالية باماكو في ديسمبر/كانون الأول.
إضافة إلى أن سرب مقاتلات ميغ-29 وسوخوي-24 المتمركز في منطقة الجفرة الليبية منذ منتصف عام 2020، لا يزال هناك.
والأحرى أن هذه الترتيبات لن تشهد تغيراً كبيراً إلى أن ينسحب مئات من الضباط والمدربين ومشغلي الطائرات المسيرة الأتراك المنشورين دعماً للجيش في غرب ليبيا.
بفضل نشر هذه القوات، فإن أنقرة وموسكو تضطلعان بدور الضامنتين الفعليتين لوقف إطلاق النار الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2021، مما شكّل خطاً حدودياً على طول محور سرت-الجفرة.
مع ذلك، يمكن أن يُعاد استعراض ومراجعة هذه الترتيبات في إطار مفاوضات عسكرية دبلوماسية رئيسية يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إجراءها مع نظيره الأمريكي جو بايدن في ضوء الأزمة الأوكرانية.