لم تكَد تنتهي فاجعة الآبار في المغرب وذلك بسقوط الطفل المغربي ريان في ثقب مائي في قرية إغران ضواحي شفشاون المغربية بانتشاله ميتاً يوم السبت 5 فبراير/شباط 2022، حتى تعالت أصوات للمطالبة بتشديد المراقبة على الآبار العشوائية والثقوب المائية المهملة لتفادي تكرار ما حدث للطفل ريان.
وكانت أسرة ريان قد حفرت ثقباً مائياً أو بئراً ارتوازية بحثاً عن الماء، غير أنه لم يتم ردمها وتحصينها لتصبح موقعاً لفاجعة تعاطف معها الملايين عبر العالم.
وتعرف المناطق القروية في المغرب انتشار الآبار في المغرب العشوائية وغير المرخصة، والثقوب المائية غير المحصنة، إذ تزايد حفرها في السنوات الأخيرة بسبب موجات الجفاف وقلة التساقطات.
وحسب مصادر في منطقة الجنوب الشرقي التي تعاني من تبعات شديدة للجفاف، فإنها تشهد حفراً مكثفاً للآبار العشوائية وغير المرخصة.
وبالنظر للتعقيدات الإدارية المرتبطة بحفر الآبار في المغرب والتي تتطلب في بعض الأحيان حوالي ثمانية أشهر، يلجأ السكان إلى الحفر بعيداً عن أعين السلطات.
وأوضحت المصادر أن إحدى الشركات تنشط مؤخراً في حفر الآبار في منطقة تنغير في الجنوب الشرقي بنصف الثمن المعهود وبسرعة كبيرة؛ ما شجع السكان على الحفر والاستعانة بها بسرية لإيجاد الماء.
الآبار في المغرب
وأطلقت هيئات المجتمع المدني حملة للمطالبة بإحصاء الآبار في المغرب والثقوب المهجورة، والعمل على ردمها حتى لا تتكرر مأساة الطفل ريان.
وفي هذا الصدد، دعا الائتلاف المحلي من أجل البيئة والتنمية المستدامة بمدينة صفرو إلى القيام بحملة وطنية شاملة لإغلاق جميع الآبار في المغرب والثقوب المائية غير المرخصة أو المهملة أو غير المحمية، وإعادة النظر في الرخص التي سبق منحها لجميع الآبار وتحيينها وفرض استعمال العدادات على الجميع.
وكان الائتلاف قد حذر قبل حادثة الطفل ريان بأسبوع من خطورة انتشار تلك الحفر والآبار على المواطنين وعلى الفرشة المائية.
وأوضح عبد الحق غاندي رئيس الائتلاف في حديث مع "عربي بوست " أن الآبار العشوائية وغير المرخصة تمثل "مشكلاً عويصاً"، وأن "معظم الناس يحفرون الآبار في المغرب بدون ترخيص، خاصة في المناطق النائية التي لا تصلها سلطة الرقابة".
وأضاف أن هذه المشكلة لها وجهان "هناك من يحفر آبار مجهزة ومحمية لكنها بدون ترخيص، وهناك من يحفرون ثقوباً مائية وعندما لا يجدون الماء يحفرون في أماكن أخرى دون إغلاق تلك الثقوب أو تحصينها".
وأشار إلى أن جمعيته عاينت في الإقليم وجود ثقب مائي غير محصن قرب المخيم البلدي للأطفال يستدعي تدخل السلطات قبل حدوث كارثة.
وأضاف أن حفر الآبار والثقوب المائية تزايد في فترة الجفاف في عدد من مناطق المغرب، ما أدى إلى تضرر الفرشة المائية.
ففي إقليم صفرو الذي يعد أكبر منبع مائي في المغرب، يقول غاندي إنهم عاينوا نقص صبيب العديد من العيون المائية والوديان.
ولفت إلى أن المسؤولين يساهمون في انتشار هذه الظاهرة، إذ إن السلطات المحلية لا تقوم بدورها في مراقبة حفر الآبار العشوائية، بينما دور شرطة المياه والبيئة ضعيف، كما أن وزارة الفلاحة تمنح الدعم لمنتوجات زراعية تستنزف المياه الجوفية.
ودعا غاندي في هذا الصدد إلى وقف دعم المشاريع الفلاحية المهدرة للمياه مثل زراعة البطيخ، وتحديد المناطق المسموح فيها بزراعة المنتجات التي تتطلب مياهاً كثيرة عموماً، وحصر عدد الفلاحين المسموح لهم بذلك بما يكفي حاجيات السوق فقط.
الحاجة لبرامج تنموية
من جهتها، قالت البرلمانية عن إقليم شفشاون سلوى البرادعي إن سكان المناطق القروية في الإقليم يعتمدون على إمكاناتهم الذاتية لتوفير الماء، لذلك يحفرون الآبار بدون ترخيص وفي سرية لري عطشهم، ولسقي ما سمته "نبتة العار" أي نبتة الحشيش التي ارتبطت بالمنطقة واستنزفت مواردها الطبيعية من مياه وتربة وغطاء نباتي.
ولفتت البرلمانية في حديث مع "عربي بوست" إلى أن مسؤولية هذا الوضع لا يتحملها السكان الذين يعيشون ظروفاً مأساوية، بقدر ما تتحملها السلطات التي همشت الإقليم في برامجها التنموية.
وأوضحت أنه ليس كافياً تقنين زراعة القنب الهندي لإحداث تغيير في المنطقة، بل ينبغي أن تستفيد من برامج تنموية حقيقية.
وتضيف: "هذه المنطقة ابتلاها الله بعشبة العار التي دمرت فرشتها المائية وغطاءها النباتي، وكان الحديث عن هذه العشبة (طابو) لا يريد أحد إثارة تداعياته، لكن في هذا الظرف وبعد تقنين القنب الهندي ينبغي أن تأخذ حظها من التنمية، ليس من خلال تقنين القنب الهندي، ولكن من خلال برامج الدولة التنموية الكبرى".
وأشارت البرلمانية التي تنتمي للمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية إلى أن فرق المعارضة اجتمعت يوم الإثنين 6 فبراير/شباط 2022 لمناقشة حصيلة الحكومة وستثير هذا الموضوع.
وقالت: "سنثير الانتباه إلى مسألة الآبار الارتوازية، وتنمية منطقة الشمال في إطار العدالة المجالية، حتى لا تبقى هذه الأخيرة مجرد شعار بل حقيقة متبلورة على أرض الواقع".
وكان مرصد الشمال لحقوق الإنسان قد سجل في بيان له "المسؤولية التقصيرية للسلطات بمجموعة من عمالات وأقاليم شمال المغرب، بعدما غضت الطرف لسنوات عن عمليات حفر مئات الآبار من طرف بعض تجار ومزارعي القنب الهندي في خرق واضح للقانون وضد إرادة السكان وبتواطؤ مكشوف للسلطات المحلية".
ولفت المرصد إلى "وجود العشرات من الشكايات موضوعة من طرف السكان لدى الجهات المختصة. مما ساهم في تمادي العديد من ذوي النفوذ، وهدد الفرشات المائية لمجموعة من المناطق، ناهيك على أن تلك الآبار أصبحت تهدد حياة المواطنين القاطنين بهذه المناطق وبالخصوص الأطفال".
وزارة الداخلية تتحرك
لا توجد إحصائيات وأرقام عن عدد الآبار الارتوازية المهجورة وغير المحصنة في المغرب بالنظر لكون حفر معظمها يتم في سرية وبدون ترخيص.
وقالت مصادر "عربي بوست" إن العمال في عمالات وأقاليم المملكة سارعوا إلى حصر الآبار المهجورة والثقوب المائية في مناطق مسؤوليتهم وخاصة المناطق القروية من أجل إطلاق حملة لردمها وذلك تنفيذاً لتوجيهات من وزارة الداخلية.
وكانت وزارة الداخلية المغربية، قد أصدرت تعليمات بهدم وإغلاق الآبار والحفر المهجورة القريبة من التجمعات السكانية، وطالبت أعوان السلطة بمدها بإحصاء وجرد شامل لكافة الآبار المهجورة والعشوائية، خصوصاً في المناطق القروية وذلك لوضع حد للحوادث التي تخلف ضحايا، وحتى لا تتكرر حوادث مأساوية مثل تلك التي شهدها المغرب الأسبوع الماضي.
وأنشأت الحكومة المغربية سنة 2017 شرطة المياه مهمتها مراقبة استعمال واستغلال الملك العمومي المائي.
ويعهد إلى أعوان هذه الشرطة معاينة المخالفات طبقاً لمقتضيات قانون الماء، وولوج المنشآت المائية بما فيها الآبار والأثقاب والتجهيزات المتعلقة باستعمال واستغلال الملك العمومي المائي، وتوقيف الأشغال والحجز على الآليات والأدوات والأشياء التي كان استعمالها أساس المخالفة وإيداعها بالمحجز، غير أن عمل هذه الشرطة محدود بالنظر لضعف الإمكانيات المرصودة لتسهيل عملها.
حملة عربية
لم تدفع مأساة سقوط الطفل ريان في ثقب مائي بضواحي شفشاون، السلطات المغربية فقط لردم الآبار العشوائية والثقوب المائية.
بل تعدتها إلى عدد من الدول العربية التي تحركت فيها السلطات من أجل ردم الآبار العشوائية تجنباً لحدوث مأساة مثل تلك التي تعرض لها الطفل المغربي ريان وأسرته.
ففي السعودية نقلت صحيفة الوطن عن المتحدث الرسمي باسم وزارة البيئة والمياه والزراعة عن ردم وتحصين 2450 بئراً مهجورة في مختلف المناطق، فيما تواصل المرحلة الثانية من العملية والتي تستهدف تحصين وردم أكثر من 5 آلاف بئر مهجورة.
وقالت الصحيفة، التي أوردت الخبر في عددها الصادر اليوم الإثنين، إنه "في سياق ما شهدته الأيام الماضية من تفاعل كبير مع حادثة الطفل المغربي ريان الذي توفي بعد سقوطه في بئر بعمق 32 متراً، جددت الوزارة تحذيرها من خطر الاقتراب من الآبار المهجورة"، مؤكدة أنها تولي أهمية قصوى لمعالجة وضع الآبار المهجورة، سواء التقليدية أو الارتوازية ومنع خطرها على المارة، وخصوصاً الأطفال.
وفي الجزائر دعت ولاية المسيلة شرق الجزائر ملاك الآبار الارتوازية والتقليدية، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة بهدف تأمينها بشكل ملائم يحقق الحماية المرجوة للمواطنين وكذا الحيوانات.
وقالت إنها ستعمل على تشكيل لجنة مهمتها متابعة مدى تنفيذ محتوى التعليمات بشكل دوري ومفاجئ لمواقع الآبار، مع فرض إجراءات رادعة للمخالفين وتحميل ملاكها المسؤولية الكاملة عن أي حادث يمكن وقوعه مستقبلاً.