تطورات جديدة يشهدها ملف اختيار رئيس العراق الجديد بعد أن حملت المنافسة بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق على اسم المرشح، هذه المرة، بعداً إقليمياً بين إيران التي تؤيد بقاء الرئيس الحالي برهم صالح، والإمارات التي ترغب قدوم هوشيار زيباري وزير المالية السابق.
وكما جرى العرف في توزيع المناصب على أساس طائفي وعرقي، بالنظام السياسي العراقي الذي تم تأسيسه بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فإن الأكراد العراقيين هم من يحتفظون بمنصب رئاسة الجمهورية.
ويهيمن على إقليم كردستان العراق، المتمتع بالحكم الذاتي شبه المستقل، حزبان كبيران، هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة طالباني. ويتقاسم الحزبان الكرديان الحكم داخل إقليم كردستان العراق، كما يتقاسمان المناصب في الحكومة المركزية ببغداد.
بواسطة اتفاق تم التوصل إليه في عام 2005، تم منح منصب رئيس الجمهورية للاتحاد الوطني الكردستاني، وحصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على بعض الحقائب الوزارية الأخرى، منها وزارة المالية.
لكن يبدو أن هذا الاتفاق لم يعد يعجب الحزب الديموقراطي الذي يصر على الاتيان برئيس جديد للعراق وهو هوشيار زيباري صاحب العلاقات الجيدة مع دول الخليج والإمارات تحديداً، بينما يصر الاتحاد الوطني على بقاء الرئيس الحالي برهم صالح لولاية جديدة.
ومن المفترض أن تحسم الجلسة الثانية للبرلمان العراقي الجديد في 8 فبراير/شباط القادم، اختيار رئيس جمهورية العراق.
تحوُّل المفاوضات إلى صراع
في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، تحدَّث عدد من السياسيين العراقيين الأكراد عن مفاوضات جرت بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المبكرة، بين الحزبين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني)؛ في محاولة لاستحواذ الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئيس جمهورية العراق.
وقد صرح مسؤول سياسي عراقي كردي، لـ"عربي بوست"، بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني عرض على رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، دعماً مالياً كبيراً للحزب مقابل التنازل عن منصب رئاسة الجمهورية للحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن على ما يبدو، لم يتم التوصل إلى اتفاق جيد بين القادة الأكراد في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، فتحولت المفاوضات الى صراع على منصب الرئاسة.
يقول مسؤول سياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "الحزب الديمقراطي الكردستاني يصر على ترشيح مرشح من الحزب لرئاسة الجمهورية، ويرفض احتكار الاتحاد الوطني الكردستاني للمنصب".
وبحسب المصدر ذاته فإن مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لرئاسة العراق هو هوشيار زيباري. وجدير بالذكر أن هوشيار زيباري كان يتقلد منصب وزير المالية في حكومة حيدر العبادي السابقة (2014:2018)، وقد تمت إقالته من قِبل البرلمان العراقي فى عام 2016، بتهم فساد مالي.
على الجهة المقابلة، يرفض الاتحاد الوطني الكردستاني محاولات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على نصيب الأسد من السلطة في حكومة إقليم كردستان العراق، كما أنه يرفض تماماً ترشيح هوشيار زيباري لمنصب رئيس العراق.
وفي ضوء هذه الخلفية، يقول مسؤول بالمكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست": "لن نقبل بسحب منصب رئيس العراق من الاتحاد الوطني الكردستاني، ومرشحنا هو برهم صالح، الذي أثبت كفاءته، كما أننا لن نقبل بترشيح زيباري المتهم في قضايا فساد من قبل".
تجدر الإشارة هنا، إلى أن السيد برهم صالح هو الرئيس الحالي للعراق، وقد تولى منصبه بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2018.
رحلة أبوظبي تزيد من حدة الصراع الكردي على المنصب
هوشيار زيباري، وزير المالية السابق، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب رئيس العراق، يتمتع بعلاقات جيدة مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى ما يبدو، قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني- الذي بطبيعة الحال يتمتع بالعلاقة الطيبة نفسها مع الرياض وأبوظبي- الاستعانة بالدعم الخليجي لتثبيت أقدام مرشحه لمنصب رئيس العراق.
في يوم 25 يناير/كانون الثاني، سافر مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، بصحبة نجله الأكبر، إلى أبوظبي؛ للقاء عدد من القادة الإماراتيين رفيعي المستوى. وبحسب مصادر كردية مقربة من مسرور بارزاني، تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن مسالة دعم أبوظبي لترشيح هوشيار زيباري تمت مناقشتها في هذه الرحلة.
يقول مسؤول سياسي بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"عربي بوست": "الدول الخليجية تدعم رغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني في تولي رئاسة العراق، وقد أبلغ القادة الإماراتيون السيد مسرور بارزاني أنهم يقفون وراء اختيار الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد زيباري رئيساً مقبلاً للعراق".
طهران تدخل على خط المنافسة
طوال السنوات الماضية، حاولت إيران الحفاظ على علاقة متساوية مع كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لكن في نهاية الأمر، كان الميزان الإيراني يميل في أغلب الأوقات إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تربطه علاقات جيدة للغاية مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
لذلك، وبعد زيارة مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، لأبوظبي، خشيت إيران من حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على دعم خليجي من شأنه أن يقوي موقف مرشح الحزب، هوشيار زيباري لتولى منصب رئيس العراق، كما حدث مع القادة السُّنة العراقيين.
تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد لعبت دوراً مهماً وكبيراً، في إصلاح الخلافات بين قطبَي السياسة السُّنية العراقية: محمد الحلبوسي زعيم تحالف تقدُّم ورئيس البرلمان الحالي، ورجل الأعمال السني خميس الخنجر رئيس تحالف العزم، بعد خلافات واسعة النطاق بينهما، وصلت إلى حد التطاول اللفظي من قِبل الحلبوسي على "الخنجر"، قبل الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وفي تقرير سابق لـ"عربي بوست"، تناول زيارة مماثلة لزيارة مسرور بارزاني لأبوظبي، جمعت بين الحلبوسي و"الخنجر" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعد هذه الزيارة تم حل الخلاف بين الرجلين، والتوصل إلى اتفاق مُرضٍ لجميع الأطراف، وكانت نتيجته الأبرز، دعم خميس الخنجر لمحمد الحلبوسي لتولي فترة ولاية ثانية للبرلمان العراقي.
تجدر الإشارة إلى أن منصب رئاسة البرلمان العراقي، وفقاً لنظام تقاسم السلطة الطائفي والعرقي فى العراق، يذهب إلى المكون السني، وهو أعلى منصب سياسي يمكن أن يحصل عليه السُّنة العراقيون، ويكون لرئيس البرلمان نائبان: الأول من المكون الكردي، والثاني من الطائفة الشيعية، وذهب منصب النائب الشيعي لرئيس البرلمان إلى التيار الصدري.
بالعودة إلى قلق طهران من سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئيس العراق، بمساعدة خليجية، زار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، خلال الأيام القليلة الماضية، العاصمة العراقية بغداد، والتقى هناك الوفد الكردي الذي يمثل الاتحاد الوطني الكردستاني، المنافس الأكبر للحزب الديمقراطي الكردستاني، سواء داخل إقليم كردستان العراق، أو في الحكومة المركزية ببغداد.
وبحسب مصدر كردي تابع للاتحاد الوطني الكردستاني، ومُطَّلع على اجتماع قاآني بقادة الاتحاد الوطني الكردستاني، فإن الجنرال الإيراني جاء خصوصاً لتحذير الاتحاد الوطني الكردستاني من محاولات ورغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني في السيطرة على رئاسة العراق.
يقول السياسي الكردي لـ"عربي بوست": "شدد الجنرال قاآني على ضرورة عدم السماح للحزب الديمقراطي الكردستاني بالنجاح في مساعيه للحصول على منصب رئيس العراق المقبل، كما أكد لقادة الاتحاد الوطني الكردستاني، أن القيادة العليا في طهران تدعم الاتحاد الوطني الكردستاني وتقف وراء مرشحه، السيد برهم صالح".
لكن على ما يبدو فإن قادة الاتحاد الوطني الكردستاني غير متفائلين، يقول مسؤول في المكتب السياسي بالاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست": "زيباري متهم بالفساد، وتاريخه أمام برهم صالح، يقوّي موقف الرئيس الحالي (برهم صالح)، لكن في الوقت نفسه، هناك مخاوف داخل الاتحاد الوطني الكردستاني من نجاح زيباري في الفوز بالمنصب؛ لتحالف حزبه مع السُّنة والشيعة".
الحزبان الكرديان يحاولان الحصول على دعم بغداد
جرت العادة في السنوات الماضية، بأن يذهب وفد كردي موحد من الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى العاصمة العراقية بغداد؛ لعرض اسم المرشح الكردي لمنصب رئيس الجمهورية، والذي تم التوافق عليه من قِبل الحزبين الكرديين في البرلمان الكردي بإقليم كردستان العراق.
لكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة، ففي اليومين الماضيين، ذهب وفدان منفصلان، للحزبين الكرديين إلى العاصمة العراقية بغداد؛ للحصول على دعم السُّنة والشيعة لمرشح كل حزب (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني).
الحزب الديمقراطي الكردستاني قد رتب أوراقه مسبقاً، بالدخول فى تحالف مع التيار الصدري، والتحالف السني بقيادة كل من محمد الحلبوسي، وخميس الخنجر؛ في محاولة لتأمين نحو 175 مقعداً من أصل 329، وهو مجموع مقاعد التيار الصدري والتحالف السني، للحصول على أكبر عدد من الأصوات لدعم مرشحهم، هوشيار زيباري.
في الوقت نفسه، لم يحظَ الاتحاد الوطني الكردستاني بمثل هذا التحالف الذي فاز به منافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني، مما أثار قلق قادة الاتحاد الوطني الكردستاني وحلفائه من الإيرانيين، والإطار التنسيقي الشيعي.
يقول سياسي كردي لـ"عربي بوست": "تحالُف الحزب الديمقراطي الكردستاني مع السُّنة والتيار الصدري يشير إلى احتمال كبير بحصول هوشيار زيباري على منصب رئيس العراق المقبل".
لذلك يحاول وفد الاتحاد الوطني الكردستاني في بغداد أن يزيد من انتقاد هوشيار زيباري بالاعتماد على بطاقة اتهامه السابق بالفساد المالي، فيقول مسؤول كردي في الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست"، إن "التيار الصدري الذي تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، يقدّم نفسه كمحارب للفساد وكحزب إصلاحي يريد إصلاح عيوب النظام السياسي العراقي، فكيف سيوافق على أن يكون رئيس العراق المقبل، شخص قد تم اتهامه بالفساد المالي وتمت إقالته من منصبه كوزير للمالية؟".
وأضاف المصدر السابق، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "إذا تمت هذه الصفقة المشبوهة، وتم تنصيب هوشيار زيباري رئيساً للعراق، فنحن (الاتحاد الوطني الكردستاني)، لن نقف مكتوفي الأيدي، وسنقوم بالطعن على هذا الأمر أمام المحكمة الاتحادية العليا".
يشير الصراع الكردي بين الحزبين المهيمنين على إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى انقسام كبير داخل "البيت الكردي" العراقي، في وقت يمر "البيت الشيعي" العراقي، بالأزمة والانقسام نفسيهما.
هذه الصراعات، سواء داخل المكون الكردي أو المكون الشيعي، تنذر بمزيد من التعقيدات التي ستحيط بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، التي من الممكن أن يتأخر تشكيلها عدة أشهر.