في إطار الصراع الداخلي في حركة فتح على معركة خلافة الرئيس محمود عباس في موقعه كرئيس للسلطة الفلسطينية، يبرز حالياً اسم حسين الشيخ، رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية وعضو اللجنة لحركة فتح، كأحد الأسماء القوية لخلافة أبو مازن في موقعه كرئيس للسلطة، بعد أن قطع الشيخ شوطاً طويلاً في هذه المعركة، في ضوء ترشيحه الأخير لتولي منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
جاء ذلك في إطار اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي عُقد في رام الله، في 18 من يناير/كانون الثاني 2022، بحضور رئيس السلطة، حيث صادقت اللجنة المركزية على رفع توصياتها للمجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير لترشيح حسين الشيخ ليتولى منصب أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، خلفاً للراحل صائب عريقات، الذي توفي في 10 من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وبقي موقعه شاغراً منذ ذلك الحين.
بهذه الخطوة يدخل الشيخ بقوة سباق المرشحين لخلافة أبو مازن على موقع رئاسة السلطة بشكل عملي، ومن مسافة أقصر، إذ إن ترشيحه في موقع أمانة سر اللجنة التنفيذية يمهد له الطريق لرئاسة منظمة التحرير، وهي خطوة مشابهة سبق أن سار عليها الرئيس الحالي محمود عباس إبان فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات، حين شغل عباس آنذاك أمين سر اللجنة التنفيذية، ثم بات رئيساً لمنظمة التحرير وانتهى به المطاف كرئيس للسلطة.
من هو حسين الشيخ؟
حسين الشيخ (61 عاماً) يعد أحد أقطاب اللجنة المركزية لحركة فتح، وأحد المقربين من رئيس السلطة، ويدير العلاقات السياسية والمدنية مع إسرائيل، بحكم موقعه كرئيس للهيئة العامة للشؤون المدنية برتبة وزير، ويشغل هذا الموقع منذ 15 عاماً.
تم انتخاب الشيخ لأول مرة كعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح في عام 2008، ومنذ ذلك الحين أعيد انتخابه مرتين من قبل "الجمعية العامة" لحركة فتح.
يقول شركاء الشيخ إن إنجازاته العديدة تشمل الحصول على عشرات الآلاف من التصاريح من السلطات الإسرائيلية لطلبات لمّ شمل الأسرة الفلسطينية. تتيح هذه الممارسة للفلسطينيين المقيمين في الخارج لم شمل عائلاتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حصولهم على بطاقات الهوية الفلسطينية.
يتمتع الشيخ بشبكة علاقات داخلية واسعة على مستوى أقاليم حركة فتح في الداخل والخارج، ويجري بشكل دوري لقاءات مع أمناء سر أقاليم حركة فتح داخل فلسطين وخارجها، ما عزز من حضوره القوي داخل الحركة ورفع من رصيده التنظيمي.
خارجياً، يدير الشيخ ملف الاتصالات السياسية والمدنية مع إسرائيل، وينظر إليه الكثيرون على أنه مفتاح اللقاءات الأخيرة التي جرت بين رئيس السلطة محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.
كما يعتبر الشيخ وسيطاً مباشراً بين رئيس السلطة والإدارات الأمريكية والدولية، إذ يشارك بجانب الرئيس ومدير جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج بكل الاجتماعات واللقاءات مع القادة والسفراء الأجانب، ويشكلون بذلك مثلث صنع القرار الفلسطيني.
غزل إسرائيلي في الشيخ
في اليومين الأخيرين، أجرى الشيخ لقاء مع وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد في تل أبيب، وهو ما يعتبر قفزة كبيرة في إطار نقل العلاقات بين السلطة وإسرائيل من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، وهو ما عجز عن تحقيقه رئيس السلطة، الذي طالب في أكثر من مناسبة بإجراء لقاءات مع مركبات الحكومة الإسرائيلية، بمن فيهم وزير الخارجية لابيد ورئيس الحكومة نفتالي بينت.
صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، وصفت في تقرير لها حسين الشيخ بوصف "الرجل النبيل في رام الله"، ونقلت عن دبلوماسي غربي سبق والتقى بالشيخ قوله إن "الشيخ رجل فلسطيني حقيقي، وهو نوع من الفلسطينيين يمكن للإسرائيليين والأمريكيين التعامل معه".
هذا الأمر يعكس مستوى الاهتمام الإسرائيلي بشخصية حسين الشيخ، الذي بات مرشحاً قوياً وبقوة لخلافة أبو مازن في رئاسة السلطة. فإذا تولى منصب الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية (وهو المنصب الذي كان يشغله عباس سابقاً)، فسيصبح الشيخ رقم 2 في القيادة الفلسطينية.
مواقف متشددة
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد الإخبارية قال لـ"عربي بوست" إنه على المستوى الإسرائيلي ينظر للشيخ كحالة قبول في خلافة أبو مازن في موقعه كرئيس للسلطة.
فالشيخ يتبنى موقفاً متشدداً من ضرورة الحفاظ على التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية والإسرائيلية لمواجهة خصوم إسرائيل في الساحة الفلسطينية وأبرزهم حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
هذا الموقف يأتي على النقيض من السياسة التي يتبناها منافسا الشيخ على خلافة عباس، جبريل الرجوب ومحمود العالول، اللذان يؤمنان بالشراكة الوطنية.
حسين الشيخ وماجد فرج
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست، عن وزير سابق في السلطة الفلسطينية قوله إن "عباس لا يحب السفر إلى أي مكان دون حسين الشيخ وماجد فرج، رئيس المخابرات العامة الفلسطينية. لقد خلق الرئيس عباس الانطباع بأن هذين هما الرجلان الوحيدان اللذان يثق بهما".
ويعتقد بعض الفلسطينيين أن عباس يمهد الطريق للشيخ وفرج لتولي السيطرة على السلطة الفلسطينية بعد رحيله عن المشهد.
إذ يبدو أن الرئيس عباس قد اتخذ قراره. فهذان الرجلان (الشيخ وفراج) هما اليوم أقوى الشخصيات في القيادة الفلسطينية بعد الرئيس. وعندما يرحل الرئيس، فمن المرجح أن يصبحا لاعبين رئيسيين في الساحة الفلسطينية. سيكون الأول مسؤولاً عن الشؤون المدنية والسياسية، بينما سيكون الآخر مسؤولاً عن الأمن، طبقاً لما ذكره مسؤول بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وقالت مصادر في السلطة الفلسطينية لـ"عربي بوست" إن الرجلين يحافظان على علاقات قوية مع إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا. كما أنهم أعداء صريحون لحماس، ويدعمون التنسيق الأمني المثير للجدل بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وإسرائيل.
خلافات داخلية حول حسم خلافة أبومازن
ورغم أهمية نقل الشيخ إلى موقع متقدم يمهد له الطريق لخلافة الرئيس أبو مازن، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه تم حسم معركة خلافة الرئيس محمود عباس في المواقع القيادية التي يمتلكها وهي رئاسة السلطة، ورئاسة منظمة التحرير، والقائد الأعلى للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وقائد حركة فتح، وهذه المواقع تأجل البث في حسمها للمؤتمر الثامن لحركة فتح المزمع عقده في مارس/آذار القادم.
أفادت مصادر في رام الله لـ"عربي بوست" أن عدداً من كبار مسؤولي فتح والمخضرمين الذين اعتبروا أنفسهم خلفاء محتملين "غاضبون" من قرار عباس بتعزيز مكانة الشيخ وفرج.
فخلال العام الماضي، قام عباس بتهميش العالول والرجوب، ما أبعدهما عن عملية صنع القرار في قيادة رام الله. حتى وقت قريب، كان يُعتقد على نطاق واسع أن العالول، نائب رئيس حركة فتح، هو الشخص الأكثر احتمالاً لخلافة عباس. كما اعتبر الرجوب الذي يشغل منصب أمين عام اللجنة المركزية لحركة فتح مرشحاً قيادياً لمنصب الرئاسة.
وكشف مصدر قيادي مطلع مقرب من اللجنة المركزية لحركة فتح لـ"عربي بوست" إن "حسين الشيخ يعد من أفضل الشخصيات التي تحظى بإعجاب الرئيس أبو مازن، نظراً لحالة القبول التي يحظى بها من قبل الحكومات الإسرائيلية ومفتاح الاتصال المباشر بين السلطة والإدارات الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والأردن ومصر".
وأضاف "رغم هذه الثقة المطلقة التي يحظى بها الشيخ فإن أقطاب اللجنة المركزية لحركة فتح وتحديداً من صقور الحركة كجبريل الرجوب ومحمود العالول أبدوا تحفظهم في اجتماع اللجنة المركزية الأخير على خروج الشيخ من إطار عمله السياسي الموكل إليه بالتواصل مع الإسرائيليين، لتتسع دائرة علاقاته مع محيطه العربي والدولي، كما أبدوا رفضهم ترشيح الشيخ ليتولى أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي تمهد له الطريق لرئاسة المنظمة، نظراً لقناعتهم بأنهم الأوفر حظاً لشغر هذا الموقع المتقدم في رئاسة المنظمة".
وتابع "المخطط الذي يجري ترتيبه داخل اللجنة المركزية هو توزيع المواقع القيادية التي يشغلها الرئيس على أعضاء اللجنة المركزية بعد الانتهاء من عقد المؤتمر الثامن للحركة، المقرر في مارس/آذار القادم، بحيث يترك باب المنافسة على زعامة حركة فتح بين نائب رئيس حركة فنح محمود العالول وأمين سر اللجنة المركزية للحركة الفريق جبريل الرجوب".
كما أن من بين مسؤولي فتح الساخطين مروان البرغوثي وتوفيق الطيراوي.
انعكست الخلافات الفتحاوية الداخلية على كثير من مجريات الأمور التي شهدتها الساحة الفلسطينية مؤخراً، من بينها استمرار حالة الجدل حول عقد اجتماع المجلس المركزي الذي كان من المقرر عقده في 5 من يناير/كانون الثاني الجاري، ولكن جرى تأجيله بسبب رفض طيف واسع من فصائل منظمة التحرير، أبرزهم الجبهتان الشعبية والديمقراطية بسبب إصرار فتح على عقد المجلس دون مشاركة حركة حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما دفع بالفريق جبريل الرجوب للسفر لسوريا في هذا الشهر للقاء قادة فصائل منظمة التحرير لإقناعهم بضرورة المشاركة في اجتماع المجلس المركزي.
تنبع أهمية هذا الاجتماع من حالة الفراغ واتساع دائرة الشواغر في عدد من المواقع القيادية في منظمة التحرير، التي تحتاج إلى مصادقة من قبل المجلس المركزي باعتباره يمثل حكومة منظمة التحرير، ومن بين هذه الشواغر أمانة سر اللجنة التنفيذية، ورئاسة دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة التي كانت تشغلها حنان عشراوي التي استقالت العام الماضي، ورئاسة المجلس الوطني التي استقال رئيسها سليم الزعنون بسبب وضعه الصحي.
انقلاب دستوري من أبومازن
عبد الفتاح حمايل عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح المنتمي لتيار الملتقى الديمقراطي المحسوب على تحالف ناصر القدوة ومروان البرغوثي، قال إن ما يجري من ترتيبات على مستوى الساحة الفلسطينية والفتحاوية هو انقلاب دستوري وتنظيمي يقوم به الرئيس من منطلق المزاجية، وإرضاء رغبات المقربين منه نظرا لقرب انتهاء حقبته السياسية.
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" تصعيد أسماء بعينها كالشيخ والرجوب والعالول لتولي مواقع قيادية في رئاسة السلطة ومنظمة التحرير، دون المرور بالإطار التنظيمي لن يشكل أي قيمة سياسية، لأن جزءاً واسعاً من أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المجلسين الثوري والاستشاري تم إقصاؤهم بشكل متعمد ولم تتم استشارتهم في هذه الخطوات، وبالتالي نحن لا نستبعد أن يتم إقصاء كل من ناصر القدوة ومروان البرغوثي من اللجنة المركزية، وعدد كبير من أعضاء المجلسين الثوري والاستشاري في المؤتمر الثامن، الذي سينعقد في مارس/آذار القادم.