نشرت صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 24 يناير/كانون الثاني 2022، مقطع فيديو يظهر، على ما يبدو، قيام عناصر من الشرطة المصرية بتعذيب محتجزين في أحد أقسام الشرطة بمحافظة القاهرة، وهو الأمر الذي "يؤكد مدى قدرة الضباط على إلحاق العنف بالمدنيين مع شبه إفلات تام من العقاب"، وذلك حسبما قالت جماعات حقوقية.
فيما التُقط الفيديو سراً من خلال باب الزنزانة عن طريق أحد المحتجزين، ويُظهر نزيلين معلقَين بوضعيات مُجهِدة. وكان المحتجزان عاريين من الملابس أعلى الخصر، ومعلقين من أذرعهما في شبكة معدنية، وكانت أذرعهم مكبلة خلف ظهورهم.
من جهته، قال أحد المحتجزين: "انظروا كيف يعذبوننا نحن وزملاءنا. لقد جاءوا إلينا وقالوا إننا نحن اللاحقون". وفي حديثه الذي يوجهه إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يقول: "سيدي الرئيس، نريد أن نسأل لماذا تفعل الشرطة هذا بنا في قسم شرطة السلام أول؟!".
يعد هذا الفيديو هو الأول بين فيديوهين التُقطا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني في العام الماضي بقسم الشرطة بحي السلام الذي يضم في الغالب سكاناً من الطبقة العاملة ويقع شمال القاهرة.
أما في الفيديو الثاني، الذي لا تعرضه الصحيفة لحماية هويات المحتجزين، فيظهر النزلاء داخل زنزانة مكتظة للغاية ويعرضون الإصابات التي لحقت بهم، ويقولون إنهم تعرضوا لها عن طريق ضباط الشرطة والمحققين، بل إنها ضمت جروحاً مفتوحة في الرأس وكدمات في الصدر والظهر. ويوضح النزلاء: "إنهم يضربوننا بالعصي!".
أدلة مرئية
تعقيباً على ذلك، لفتت منظمات حقوقية إلى أن الفيديوهات تقدم أدلة مرئية تؤكد ما وصفتها بالانتهاكات المتفشية التي توثقها هذه الجماعات بأقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز في مختلف أنحاء مصر خلال العقد الماضي.
في حين اتخذت صحيفة The Guardian خطوات للتحقق من صحة الفيديوهات قدر الممكن، وضمت هذه الخطوات تقييم الفيديوهات عن طريق خبير موثوق. فضلاً عن أن المحتجزين الذين ظهروا في الفيديو، ذكروا كذلك بعض أسماء ضباط الشرطة الذين تشير إليهم التقارير الصحفية بأنهم يعملون في قسم شرطة السلام أول.
بينما لم تصدر السلطات المصرية أي تعقيب فوري على تلك الفيديوهات.
إلا أن صحيفة The Guardian نوهت إلى أن الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ووزارة الداخلية المصرية، ومسؤولين حاليين وسابقين في الوزارة إما رفضوا التعليق أو لم يستجيبوا لطلبات مرسلة من الصحيفة عند الاتصال بهم لمناقشة أدلة الانتهاكات الموجودة في الفيديو وقضية التعذيب في أثناء الاحتجاز لدى الشرطة.
مصدر أمني ينفي
لاحقاً، نقلت وسائل إعلام مصرية، مؤيدة للنظام، عن مصدر أمني (لم تسمّه)، نفيه صحة ما تم تداوله في مقطعين مُصورين، على "صفحة أحد العناصر الإخوانية الهاربة خارج البلاد بمواقع التواصل الاجتماعي، ادعى خلالهما تعرض بعض المحتجزين بأحد أقسام الشرطة للتعذيب".
المصدر الأمني قال إنه "تم فبركة المقطعين بهدف نشر الشائعات والأكاذيب"، على حد قوله.
بدوره، وصف علي حسين مهدي، المعتقل السابق والناشط المنفي حالياً، تجربته في المعتقل قائلاً: "أقسام الشرطة أسوأ من السجون. وقعت الثورة بسبب هذا، وبعد 11 سنة نشاهده يحدث مرة أخرى!".
فيما قال عمر مجدي، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش والذي استعرض الفيديوهات المقدمة من صحيفة The Guardian، إن إصابات المحتجزين واستخدام وضعيات التعليق المرهقة هذه تتفقان مع الأمثلة الموثقة للتعذيب الذي يحدث في مراكز الاحتجاز.
"أدوات تعذيب روتينية"
مجدي أردف: "يُظهرون جميعاً علامات الضرب الشديد، ويذكرون الهراوات والعصي الخشبية التي تعد أدوات تعذيب روتينية. تُظهر هذه الفيديوهات الحقيقة المحزنة والمرعبة لنظام الاحتجاز في مصر، بينما تتمتع الشرطة بشبه إفلات مطلق من العقاب".
كما أوضح مجدي أن الانتهاكات كانت شائعة في أقسام الشرطة، حيث تحدث إساءة معاملة المحتجزين بعيداً عن أعين العامة، مضيفاً: "نعلم أن غالبية التعذيب البدني يحدث في أقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز التابعة لجهاز الأمن الوطني خلال الأيام أو الأسابيع الأولى للاحتجاز، وقبل اصطحاب المحتجزين إلى السجون الأكبر".
تجدر الإشارة إلى أن منظمة هيومن رايتس ووتش قالت، في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2017، إن ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني بمصر في عهد السيسي يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، والصعق بالكهرباء، ووضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب.
بحسب صحيفة The Guardian، فإن الشهادات والأدلة التي تجمعها الجماعات الحقوقية تزعم أن انتهاكات أجهزة الأمن المصرية تخرج عن السيطرة مرة أخرى، وذلك على الرغم من مرور 11 عاماً على الثورة المصرية التي انطلقت في أعقاب حادث تعذيب الشاب خالد سعيد بأحد أقسام الشرطة في مدينة الإسكندرية مما أدى إلى قتله.
كان خالد سعيد، الذي يُوصف بـ"أيقونة ثورة 25 يناير" و"مُفجّر الثورة"، قد قُتل قبل اندلاع ثورة يناير بشهور قليلة، وتحديداً في 6 يونيو/حزيران 2010، بالضرب والتعذيب على يد أفراد من مخبري الشرطة المصرية. وأثار مقتله موجة غضب شعبية في مصر وردود فعل من قِبل منظمات حقوقية عالمية، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار قتله بمنزلة الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة.
"أسوأ أزمة حقوقية"
بحسب منظمات حقوقية دولية، تشهد مصر في ظل حكومة الرئيس السيسي، أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود؛ فلا يزال عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، ومن بينهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، والعديد منهم في الحجز المطول قبل المحاكمة.
كما تستخدم السلطات غالباً تهم الإرهاب ونشر أخبار كاذبة ضد النشطاء السلميين، وضايقت واعتقلت أقارب معارضين في الخارج.
في حين أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى تفاقم الأوضاع المزرية بالسجون المكتظة.
غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، وتؤكد احترامها الكامل للحريات والحقوق باستمرار، معتبرةً أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروِّجها في إطار "حملة أكاذيب" ضدها.
كان السيسي قد أعلن، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول، إلغاء تمديد حالة الطوارئ التي كانت سارية في البلاد منذ سنوات، مؤكداً أن بلاده أصبحت "بفضل شعبها ورجالها المخلصين، واحةً للأمن والاستقرار في المنطقة"، وفق قوله.