في تقرير لها يوم الجمعة 14 يناير/كانون الثاني 2022، قالت وكالة فرانس برس إن هيئة العمل بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية تشهد تهميشاً كبيراً في الآونة الأخيرة في ظل انفتاح غير مسبوق مع حملة إصلاحات دينية واجتماعية في البلاد
المدرس السعودي فيصل، ووفقاً لتقرير الوكالة، قرر ترك العمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحفظه على تهمشيها خلال السنوات الأخيرة ولسنوات، حظيت الهيئة التي كانت بمثابة شرطة دينية، بنفوذ وهيبة كبيرة في الشارع السعودي، حيث كان عناصرها يراقبون عن كثب تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في المملكة المحافظة، قبل تجريدهم عملياً من صلاحياتهم في 2016.
انتزاع صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من جانبه قال فيصل، وهو اسم مستعار (37 عاماً) الذي استقال قبل أشهر من الهيئة، لوكالة فرانس برس: "تم انتزاع كافة صلاحيتنا، ولم يعد لنا دور واضح على الإطلاق". وتابع الرجل الملتحي في لقاء في شرق الرياض "أصبح كل ما كنت أعمل لمنعه مباحاً تماماً، فقررت الاستقالة".
جدير بالذكر أنه ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، تشهد المملكة إصلاحات اجتماعية شملت السماح للنساء بقيادة السيارات، والسماح بالحفلات الغنائية، ووضع حد لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.
كذلك فقد قال فيصل الذي كان يرتدي عباءة داكنة، ساخراً: "في الماضي كانت هناك هيئة واحدة معروفة في السعودية وهي هيئة الأمر بالمعروف… اليوم أهم هيئة هي هيئة الترفيه"، في إشارة إلى هيئة الترفيه التي استحدثتها السعودية في مايو/أيار 2016، والمنوط بها إدارة وتنظيم فعاليات ترفيهية متنوعة تشهد إقبالاً كبيراً من كلا الجنسين.
في حين قال تركي، وهو اسم مستعار لعضو سابق في الهيئة، من جهته، إن "وجود الهيئة بات شكلياً تماماً". وتابع الرجل الأربعيني الذي عمل بالهيئة لأكثر من عشر سنوات "لم يعد مسموحاً لنا التدخل وتغيير أي سلوكيات كنا نعتبرها غير لائقة"، مشيراً إلى أن الكثيرين مستمرون بالعمل "من أجل الراتب فقط".
تطبيق قواعد الآداب العامة
كانت للهيئة في السابق صلاحيات كبيرة، من بينها التأكد من تطبيق الناس لقواعد الآداب العامة ومنع الاختلاط، الأمر الذي كان يشمل الحق بطلب وثائقهم الشخصية ومطاردتهم وتوقيفهم.
كذلك فقد كانت سيارات الهيئة تطوف الشوارع، ويتأكد أفرادها من التزام النساء بارتداء العباءة السوداء حصراً، ويلاحقون رواد المقاهي والمراكز التجارية، ويجبرون المحلات على الإغلاق وقت الصلاة.
مع تقليص دورها في الشارع، باتت الهيئة أخيراً تطلق حملات للتوعية بالأخلاق ومواجهة الوباء والتحذير من مثيري الفتن، من على الشاشات الرقمية واللوحات الإعلانية في الشوارع ومنصات التواصل الاجتماعي.
قضاء الوقت في المكاتب
في حين يقضي عدد كبير من عناصر الهيئة حالياً غالبية وقتهم في مكاتبهم دون الاحتكاك بالناس بالشوارع، ما يثير إحباط وحنق الأكثر تشدداً منهم، على ما أفاد مصدران مطلعان على أنشطة الهيئة للوكالة.
فيما قال مسؤول سعودي، طلب عدم ذكر اسمه لفرانس برس: "الهيئة باتت معزولة "، مشيراً إلى "تقليص كبير لعدد عناصرها خصوصاً من غير المؤهلين للدعوة".
في المقابل بات لا يعرف على التحديد عدد عناصرها حالياً، لكن يقدر، وفق أحد المصدرين، بنحو خمسة آلاف في المملكة حيث أكثر من نصف عدد السكان دون سن 35 عاماً، وفق بيانات صادرة عام 2020.
إلى ذلك فقد باتت الشابة السعودية لمى التي تعرضت سابقاً لمضايقات من رجال الهيئة بسبب ملابسها الملونة، قادرة على الخروج بلا غطاء للرأس بل والتدخين في الشارع.
حيث قالت الشابة (26 عاماً) بينما كانت تدخن رفقة زميلتها في وسط الرياض أثناء استراحة من العمل: "لم نكن نفكر في التدخين بالشارع من الأساس قبل سنوات". وأضافت ضاحكة: "كانوا سيضربوننا بالخيزرانة"، في إشارة للعصي الرفيعة التي كان يستخدمها مطاوعو الهيئة لنهر الناس.
تأثير سلبي لأداء الهيئة
من جانبه قال حمد بن قاسم الغامدي، وهو مسؤول كبير سابق بالهيئة أطيح من منصبه في 2015 بسبب آرائه التقدمية: "أعظم أخطاء الهيئة أنها كانت تتّبع الأخطاء الفردية للناس"، وهو ما قال إنه "تسبب بأثر عكسي وسلبي" على صورتها.
في حين فقد سبق أن أقر رئيس هيئة الأمر بالمعروف عبد الرحمن السند في مقابلة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 مع محطة "الإخبارية" التلفزيونية الحكومية بارتكاب الهيئة سابقاً "مخالفات". وأرجع السند، وهو أستاذ جامعي، ذلك إلى أن أعضاء الهيئة كانوا يمارسون "مسائل أمنية من دون أي مرجعية أو خلفية أو تأهيل مسبق".
كما أكد أن شريعة المسلمين لا تنص على أن "النهي عن المنكر يعني بالضرورة إزالة المنكر"، وهو ما يعد تغييراً كبيراً في فكر الهيئة في الماضي.
في سياق متصل تعتزم الهيئة التي طالما تعرضت لانتقادات بخصوص قمعها للنساء، "توظيف نساء" في صفوفها في القريب العاجل، بحسب السند.
كذلك أقر الكاتب السعودي سعود الكاتب بحدوث "تغيير كبير وجذري" في عمل الهيئة التي قال إن "دورها لا بد أن يكون محدوداً ولا يتجاوز دور الهيئات الرقابية الرسمية".
لكن لم يتبين ما إذا كان تقليص صلاحيات الهيئة ترافق مع تخفيض في موازنتها السنوية أم لا.
فيما رفض مجلس الشورى بغالبية كبيرة في 2018 اقتراحاً بدمج الهيئة في وزارة الشؤون الإسلامية، مشيراً إلى ضرورة استمرارها لمكافحة المخدرات.
من جانبه استبعد الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس ستيفان لاكروا أن تتجه السعودية لحل الهيئة. وقال: "تظل الهيئة علامة على هوية سعودية مميزة يرتبط بها العديد من السعوديين المحافظين. الأمر الأكثر ترجيحاً هو استمرار إعادة توظيف دورها".