خرج الآلاف من صرب البوسنة إلى شوارع مدينة بانيا لوكا، الأحد 9 يناير/كانون الثاني 2022، احتفالاً بالذكرى الثلاثين لـ"عيد الدولة" المثير للجدل لجمهورية سربسكا، متحدّين بذلك الحظر الذي أصدرته المحكمة على الاحتفال بهذه الذكرى.
شارك أكثر من 2700 شخص في العرض، نصفهم من عناصر الشرطة وقوات الحماية المدنية والخاصة في جمهورية صربسكا، حيث نظموا مسيرة في ساحة "كراينا" وسط المدينة، فضلاً عن مشاركة العديد من الرياضيين والمحاربين القدامى.
حضر الفعالية كبار المسؤولين في جمهورية سربسكا وصربيا، بينهم عضو رئاسة البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك ورئيسة جمهورية سربسكا زيليكا تشفيجانوفيتش ووزير الداخلية الصربي ألكسندر فولين وآخرون.
يصادف يوم 9 يناير/كانون الثاني ذكرى اليوم ذاته من عام 1992 حين أعلن صرب البوسنة استقلالهم، ما أشعل حرباً أدت لمقتل أكثر من 100.000 شخص وتشريد الملايين. كما يصادف الاحتفال عيد الصرب الأرثوذكس المسيحيين.
كانت المحكمة الدستورية الصربية قد أعلنت، في عام 2015، أن هذا اليوم غير دستوري، إلا أن الاحتفالات تتواصل كل عام في هذا التاريخ.
تجييش صرب البوسنة
كما أنه مؤخراً عادت أجواء الحرب لتخيم على البوسنة، بعد أن تعهَّد ميلوراد دوديك، زعيم صرب البوسنة، في خطابه يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بإنشاء جيش "جمهوري صربي"، وأبرز رغبته في الانفصال عن البوسنة والهرسك، مشدداً على أنه "لم يعُد لدولة بوسنية موحدة وجود".
تُعَدّ جمهورية صرب البوسنة أحد مكونات اتحاد البوسنة والهرسك، تعود إقامة كيانها القانوني إلى اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب الأهلية سنة 1995. وتظاهر مئات البوسنيين في شوارع سراييفو احتجاجاً على تصريحات دوديك.
كما تأتي هذه التوترات التي تعرفها البوسنة والهرسك في ظل انتشار واسع للسلاح غير المرخص، إذ بلغ عدده حسب تقديرات نحو 750 ألف قطعة، مما يجدّد مخاوف اندلاع أزمة تعود بمنطقة البلقان إلى مستنقع الدم الذي غرقت فيه فترة ما بين 1992 و1995.
تقسيم على أساس إثني وديني
ما يصبو إليه دوديك عبر خطابه، ومعه الانفصاليون من صرب البوسنة، هو تقسيم الجيش البوسني إلى نصفين على أساس إثني وديني، تمهيداً لانفصال يطمحون إليه، الأمر الذي يهدّد المنطقة كلها بحرب أهلية جديدة، وفق ما ذكره موقع "تي آر تي" التركي.
تهديد وصفه كريستيان شميت، المبعوث الأممي للبوسنة والهرسك، بأنه "أخطر تهديد وجودي تواجهه البلاد خلال مرحلة ما بعد الحرب (الأهلية)". وحذر شميت من أن يتمسك الانفصاليون الصرب بتحقيق مخططهم بتكوين جيشهم الخاصّ وتقسيم الجيش الوطني البوسني، داعياً إلى زيادة أعداد القوات الأممية على الأرض؛ منعاً لانزلاق البلاد نحو العنف.
في وقت سابق لوّح رئيس صرب البوسنة بالانسحاب من الوثيقة الدستورية لاتحاد البوسنة والهرسك، متعهداً بتقديم تعديلات عليها "تمكنّ البلاد من نيل حكمها الذاتي الكامل"، على رأسها تأسيس مؤسسة قضائية، وسلطات ضريبية، ومخابرات خاصة لجمهورية صرب البوسنة. في الوقت نفسه نفى دوديك أنه يدفع البلاد نحو الحرب قائلاً: "لا حرب، لن تقوم حرب، ولا إمكانية لقيام حرب".
بينما شدَّد المبعوث الدولي كريستيان شميت في تقريره إلى الأمم المتحدة، على أن "أي ضعف في الاستجابة على هذه الوضعية قد يهدّد اتفاق دايتون، في وقت يتزايد فيه التدخل الخارجي في شؤون البوسنة والهرسك"، مؤكداً أن "الانقسامات بين الأطراف البوسنية آخذة في الاتساع، وخطر الحرب أكثر جديَّة".