الإمارات أنفقت الملايين للحصول على مراكز متقدمة في تقارير “السعادة”.. موقع أمريكي: هكذا “تشتري” أبوظبي سمعتها

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/31 الساعة 21:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/01 الساعة 21:05 بتوقيت غرينتش
العلم الإماراتي - رويترز

كشف تقرير لموقع The Intercept الأمريكية، الجمعة 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن صرف الإمارات ملايين الدولارات من أجل تمويل "حملات السعادة"؛ لتلميع صورة البلاد وإظهارها بأنها راعية "الفرح والسعادة" واحترام حقوق الإنسان، كما كشف كذلك عن الدور الذي لعبه الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس، المعروف بعلاقاته داخل الأمم المتحدة، من أجل إعداد تقارير تصنف أبوظبي في مصاف "الدول السعيدة" عبر العالم.

يقول التقرير إن المنظمة غير الربحية التي يرأسها ساكس، شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، تلقت ثلاثة ملايين دولار على الأقل من الإمارات. وقد استُخدم المبلغ لتمويل العمل على تقرير السعادة العالمي، وهو تصنيف سنوي لجودة الحياة في الدول، إلى جانب التقرير العالمي لسياسات السعادة الذي يُقدم مجموعةً من التوصيات السياسية المصاحبة للتصنيف.

تمويلات سخية من أبوظبي

يقول الموقع الأمريكي، إن حكومة الإمارات تبرعت على نحوٍ منفصل، بمبلغ 200 ألف دولار لصالح جامعة كولومبيا؛ من أجل أبحاث السعادة، وفقاً لساكس، الذي زوّد موقع The Intercept الأمريكي بمبالغ التبرعات لشبكة حلول التنمية المستدامة وجامعة كولومبيا، بعد سؤاله عن مصادر التمويل. 

تُؤكد سجلات إنفاق معهد الأرض، المعهد البحثي الذي كان يرأسه ساكس بجامعة كولومبيا، أن المعهد تلقى تمويلاً إماراتياً، لكن المتحدث باسم الجامعة رفض الإفصاح عن حجم التمويل.

ربما كان من السهل التغاضي عن مشروع السعادة لو لم يكن يُضفي غطاءً من الشرعية على حكومةٍ قمعية.

إذ إن الإمارات عبارة عن اتحاد فيدرالي من سبع إمارات تُحظر فيها الأحزاب السياسية، لكنها عادةً ما تحتل مراكز أعلى من بعض الدول الأوروبية على مؤشر السعادة، وهي النتائج التي تحتفي بها حكومة الإمارات ووسائل الإعلام المحلية على مواقع الويب.

جيفري ساكس

يُعبتر ساكس (67 عاماً)، حالياً من أشهر أنصار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وأحد المكلفين من جانب الأمين العام بالترويج لأهدافٍ سامية مثل: تعزيز الوصول للتعليم، ومحاربة أزمة المناخ، والقضاء على الجوع في العالم بحلول 2030.

لكن ساكس له جانبٌ آخر، حيث استهان مؤخراً بالمخاوف إزاء حملة الصين القمعية في هونغ كونغ وسنجان. وفي عام 2020، وبعد 16 شهراً من تقطيع أوصال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، طار ساكس إلى الرياض؛ للحديث في مؤتمر تستضيفه شركة استثمار سعودية.

في بعض الحالات، كانت لساكس علاقات قديمة بالزعماء الذين يُثني عليهم. كما أن شبكة حلول التنمية المستدامة لها مراكز تابعة في الإمارات والصين، علاوةً على أن مجلس إدارة المنظمة غير الربحية يضم في عضويته مسؤولين رسميين من البلدين.

بينما قال آرييه نير، أحد مؤسسي منظمة هيومن رايتس ووتش، والذي أشرف على تمويل جهود ساكس مطلع الألفية: "لَطالما ساورني شعورٌ بأن جيفري ليس شخصاً مهتماً بحقوق الإنسان، وأنّه لطالما كان من المدافعين عن الحكومات المتعسفة".

لكن ساكس يرفض هذه الادعاءات، حيث وصف الدعم المالي الإماراتي بأنه "مساهمة في جهود الأمم المتحدة لنشر استخدام مؤشرات وأهداف السعادة والرفاه في تصميم سياسات التنمية الوطنية على مستوى العالم".

الوجه الآخر

بدايةً من عام 2016، اتجه الرجال الذين يقودون الإمارات العربية المتحدة صوب الإيجابية، فثبّتوا وجهاً مبتسماً ضخماً على قبة مركز شرطة دبي، وأنشأوا وزارة التسامح ووزارة السعادة، كما بدأوا في تمويل أبرز المفكرين العالميين؛ لدراسة علم الشعور بالنعيم وخباياه النفسية.

لكن بالنسبة للنساء اللاتي يعشن كمواطنات من الدرجة الثانية، والنشطاء الذين يقضون سنوات في السجن بسبب منشورات على فيسبوك؛ فإن الإمارات ليست مكاناً سعيداً بالطبع.

في أوائل عام 2018، فرّت نجلة حاكم دبي من الإمارات على متن دراجةٍ مائية، بمساعد مدربها الفنلندي لرياضة الكابويرا وجاسوسٍ فرنسي سابق. 

في مقطع فيديو مرعب، اتهمت الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم والدها باحتجاز شقيقتها قبل سنوات، وتقييد أبسط حرياتها الأساسية. وانتهى الأمر بمواجهةٍ دراماتيكية في المياه الدولية، شهدت اجتياح القوات الخاصة الهندية لليخت الذي كانت لطيفة تختبئ على متنه، قبل قيامهم باعتقالها وتسليمها للسلطات الإماراتية.

وكانت هذه الواقعة أشبه بصيحة استفاق معها كثيرون على حقيقة القمع في البلاد. لكن ساكس كان -ومايزال- يحصل على الأموال من والد الشيخة لطيفة شخصياً، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؛ لتمويل الأبحاث عن السعادة التي حاولت الأميرة الهاربة يائسةً أن تعثر عليها. 

من أجل توسيع نفوذ الإمارات عالمياً

إذ إن غالبية أموال الإمارات التي تذهب لدعم أعمال ساكس على السعادة، تأتي من مكتب الشيخ محمد، وقد تم التبرع بها لشبكة حلول التنمية المستدامة بين عامي 2017 و2021، حسب تصريحات ساكس لموقع The Intercept. 

كما أدرجت المنظمة غير الربحية اسم "مكتب رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة" على قائمة المتبرعين في موقعها الإلكتروني، إلى جانب نحو 20 آخرين. 

بعد فرار الشيخة لطيفة، حصلت شبكة حلول التنمية المستدامة على مليون دولار على الأقل من مكتب الشيخ محمد.

لا يحصل ساكس على أجرٍ شهري من شبكة حلول التنمية المستدامة بحسب نماذجه الضريبية، لكن المنظمة غير الربحية ساعدت في تمويل أبحاث ساكس بجامعة كولومبيا وفقاً لسجلات إنفاق معهد الأرض وإقراراته الضريبية. لكنه رفض الإجابة عند سؤاله عما إذا كان قد أعرب من قبل عن مخاوفه حيال معاملة الشيخة لطيفة.

في حين قال ستيفان دوغاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لموقع The Intercept، إن "الأمم المتحدة تتعاون مع شبكة حلول التنمية المستدامة في العديد من المشروعات والمنتجات المعرفية. لكن المنظمة غير الربحية ليست لها علاقةٌ رسمية قانونية بالأمم المتحدة".

بالنسبة لقادة الإمارات الساعين لتوسيع نفوذ الإمارات عالمياً، فإنّ الاستدامة والسعادة تمثلان وسيلةً للتأثير داخل الأمم المتحدة.

إذ قال كريستيان كوتس أورليخسن، زميل معهد Baker Institute for Public Policy بجامعة رايس، إنهم "يُحاولون إنشاء ملف دولي للإمارات من خلال إقامة شراكات دولية مع مؤسسات عالمية مرموقة مثل جامعة كولومبيا، وأفراد مثل جيفري ساكس".

تُشير النماذج الضريبية لعامي 2017 و2018، التي تم تقديمها إلى المحامي العام لولاية نيويورك، إلى أن الإمارات كانت ثاني أكبر المتبرعين الحكوميين لشبكة حلول التنمية المستدامة خلال العامين، فيما حلت الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي في المرتبة الأولى. ولم يتمكن الموقع الأمريكي من الحصول على قائمة المتبرعين الحكوميين للشبكة خلال الأعوام التالية.

كذلك يموّل مجلس الإمارات للتنافسية بشكل منفصل أبحاث معهد الأرض منذ عام 2013 على الأقل. وقد تنحى ساكس عن رئاسة المعهد عام 2016؛ من أجل قيادة منظمةٍ أصغر تحت مظلته، وهي مركز التنمية المستدامة.

وفي البداية، كانت تبرعات الإمارات لمعهد الأرض وشبكة حلول التنمية المستدامة تذهب للعمل على مؤشر السعادة العالمي، حيث يُحتسب التصنيف بناءً على بيانات استطلاع الرأي العالمي لمؤسسة غالوب.

ورغم أن دول شمال أوروبا عادةً ما تحتل قمة التصنيف، فإن اختيارات أسفل القائمة لا تُحاسب الحكومات على القمع، لدرجة أن بعض الدول شديدة الفساد تحتل مراكز جيدة نسبياً، حيث شهد آخر تقرير مثلاً احتلال السعودية مرتبة أعلى من إسبانيا، وتفوّق البحرين على اليابان.

وتحتل الإمارات، على وجه التحديد، مرتبةً عالية في القائمة أيضاً، حيث نجد أنها احتلت المرتبة الـ19 من أصل 95 دولة في السعادة العامة بين عامي 2017 و2019. وفي عام 2020، تراجعت إلى المركز الـ27. لكن ساكس ورفاقه تكبدوا عناء التفسير، قائلين إنَّ سبب ذلك يرجع إلى انخفاض الرضا عن الحياة بين العمال المهاجرين والسكان الأجانب في الإمارات والذين يمثلون 88% من تعداد سكان البلاد

تحميل المزيد