تصعيد عسكري واسع النطاق لم تشهده الأزمة اليمنية من قبل التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، على الأحياء السكنية والأعيان المدنية في العاصمة صنعاء، من مطار صنعاء الدولي المدني إلى جسر السبعين وما حوله من المستشفيات وسجن الأسرى، وصولاً إلى شارع الزبيري، الأكثر اكتظاظاً بالمدنيين والمنشآت المدنيّة، والحيّ الليبي في مديريّة معين.
يأتي هذا التصعيد من قبل التحالف الذي تقوده الرياض في ظل الاستعدادات لاستئناف جولة خامسة من المفاوضات بين الجانب السعودي-الإيراني، وقد أعربت إيران عن استعدادها لاستئناف المفاوضات مع السعودية، موضحة أنها تنتظر من الرياض ردوداً على مقترحاتها، وذلك تزامناً مع استئناف مفاوضات إيران مع القوى الكبرى في جنيف بشأن الاتفاق النووي.
وكشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أنّ التصعيد العسكري الكبير الذي يقوم به التحالف بقيادة السعودية في اليمن، يأتي تمهيداً من قبل الرياض كخطوة مسبقة لامتلاك أوراق ضاغطة على طهران قبل استئناف المحادثات من جديد بين الطرفين، خاصة أن الرياض تترقب ما ستؤول إليه محادثات فيينا حول إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي يضع السعودية في حالة من الحيرة وعدم الثبات لأجل اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع في محادثاتها مع طهران.
كما كشفت المصادر ذاتها أن السعودية تريد من خلال تصعيدها الأخير في اليمن الضغط على الجانب الإيراني لإجبار الحوثيين على الذهاب إلى تسوية حقيقية، تزامناً مع الذهاب لجولة مفاوضات خامسة بين الرياض وطهران في العاصمة العراقية بغداد.
وفي هذا السياق يكشف المحلل السياسي السعودي ومدير مكتب تنمية الاتصالات بالاتحاد الدولي بجنيف سابقاً، سامي المرشد، أن التصعيد الذي يقوم به التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن هو نتيجة لأوضاع المنطقة ولما تقوم به جماعة "الحوثيين" بأوامر من إيران التي ترفض مبادرات السلام وترفض إنهاء الحرب وتصعّد في حربها في مأرب وفي أماكن أخرى وتستمر في انتهاك القانون الدولي الإنساني عبر إرسال الصواريخ والمسيرات على المطارات والأماكن المدنية في السعودية خدمة للمشروع الإيراني.
ويضيف المرشد في تصريحات خاصة إلى "عربي بوست" قائلاً: "التحالف بقيادة السعودية صبر طويلاً لعدة سنوات على الحوثيين وقدّم لهم الفرصة تلو الأخرى للجنوح إلى السلام، وتجنيب الشعب اليمني ويلات الحرب، وإنهاء الأزمة اليمنية بالكفّ عن استقدام السلاح والخبراء من إيران وحزب الله وأن يكونوا مكوّناً سياسياً يمنياً يشاركون في الحكومة ويسلمون السلاح"، منوهاً إلى أن "الحوثيين" لا يزالون يرفضون مبادرات السلام لحل الأزمة اليمنية، لأن القرار ليس بين يديه، وإنما لدى طهران التي تستغل الحوثي كذراع لها في المنطقة كما تستغل حزب الله في لبنان والميليشيات في العراق وسوريا.
ويؤكد المرشد أنّ السعودية تجابه الإجراءات الإيرانية التوسعية بقوة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، والتي كان آخرها التصعيد الأخير الذي قادته السعودية ضد الحوثيين في اليمن حيث يعدّ رسالة للحوثيين وإيران وللعالم بأنّ التحالف بقيادة السعودية ليس عاجزاً عن هزيمة الحوثيين، لكنّه كان يأمل كل هذه المدة بأن يحل المسألة بأقل الخسائر على الشعب اليمني.
إيران رضخت للسعودية في المحادثات الأخيرة
رضخت إيران للسعودية من خلال جولات المفاوضات الأخيرة وعرضت على السعودية إنهاء مساعدتهم للحوثيين وإنهاء إرسال السلاح والموافقة على السلام في اليمن، هذا ما يكشف عنه المحلل السياسي سامي المرشد، لكنّ السعودية لم تقبل بذلك، فقد اشترطت خروجهم من العراق وسوريا ولبنان ومن المنطقة العربية، وقالت لهم بوضوح ما كانت تقوله دائماً إنكم دولة أجنبية ليس لكم علاقة بالتدخل في شؤون الدول العربية، منوهاً إلى أنّ هذا هو الموقف السعودي وسيبقى حتى إنهاء الهيمنة الإيرانية على المنطقة.
لكنّ المرشد يوضح أنّ السعودية في سياق المحادثات التي أجرتها وستجريها مع إيران أنها أكدت موقفها بشكل واضح، مستبعداً عدم قدرة طهران على تلبية مطالب السعودية في الوقت الحالي والتي أصرت عبر مفاوضاتها السابقة على خروج إيران من كل الدول العربية بما فيها سوريا ولبنان، كاشفاً على أنّ إيران عرضت فقط إنهاء مسألة اليمن والسعودية ورفضت هذا العرض، مؤكداً أن الجولات القادمة من المفاوضات بين الطرفين لن تأتي بنتيجة مع النظام الإيراني المبني على مبدأ التوسع ودعم الميليشيات التابعة لها وهذا عكس توجهات السعودية.
لقاء إيراني سعودي في الأردن
وفي إطار التحضيرات للجولة الخامسة بين طهران والرياض استضافت الأردن مؤخراً جلسة حوار أمني بين خبراء أمنيين سعوديين وإيرانيين في العاصمة الأردنية عمّان، حيث ناقش الخبراء السعوديون والإيرانيون قضايا أمنية عدة كان محور تركيزها الحد من تهديد الصواريخ وآليات الإطلاق، كما سعى الوفدان لبناء الثقة بشأن البرنامج النووي الإيراني والتعاون في مجال الوقود النووي وغيره.
وفي هذا السياق كشف المحلل السياسي الإيراني المقرّب من وزارة الخارجية الإيرانية قيس قريشي، أن التحضيرات لإعادة استئناف المفاوضات بين الجانب السعودي-الإيراني تجري على قدم وساق، كاشفاً أن الجولة الخامسة ستستأنف في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وسيتم استعراض عدة ملفات يأتي على رأسها ملف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، واستعراض تدخلات كلا الطرفين في الشؤون الداخلية لكلا البلدين، وحجم النفوذ لكل من السعودية وإيران في المنطقة، ومدى إمكانية تقسيم النفوذ بينهما في المنطقة في الصراع الدائر بينهما حول الملف اليمني واللبناني على وجه الخصوص، بالإضافة إلى استعراض الملفين العراقي والسوري.
ويكشف قريشي في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن العملية العسكرية "الواسعة النطاق" التي قادتها السعودية في اليمن ضد الحوثيين تأتي ضمن إطار الضغوطات التي تمارسها الرياض على طهران، وتأتي في إطار التحضيرات السعودية لامتلاك أوراق ضاغطة قبل استئناف المفاوضات بين الطرفين في بغداد، مشيراً إلى أنّ المفاوضين السعوديين طلبوا من نظرائهم الإيرانيين الضغط على جماعة الحوثي لثنيهم عن إيقاف الهجمات بالصواريخ والمسيرات تجاه السعودية، الأمر الذي قوبل بتحفظ إيراني ورد على الجانب السعودي، رافضاً إجراء أي ضغوط على الحوثيين باعتبار أنهم "حليف" لا تملي عليه سياساتها ولا تتدخل بقراراته، الأمر الذي قوبل باستهجان شديد من الجانب السعودي، معتبرين أن ذلك تهرباً وتنصلاً لعدم جدية إيران في حلحلة الأوضاع السياسية باليمن.
لكنّ قريشي يؤكدّ عبر تصريحاته الخاصة أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عازم على الذهاب بمفاوضات جدية مع الجانب السعودي لأجل حلحلة الملفات الشائكة بين البلدين، ومنها الملف اليمني واللبناني والسوري، مؤكداً أن رئيسي يؤمن بأن إيجاد حل في مثل هذه الملفات يجب أن يكون مع كافة المحور السعودي وليس الاكتفاء فقط بالتركيز في إجراء مفاوضات مع السعودية، مشيراً إلى أن إعلان الأردن مؤخراً عن استضافة جلسة حوار أمني بين خبراء أمنيين سعوديين وإيرانيين في عمّان تدخل في إطار تلك المساعي.
التصعيد الأخير يأتي استغلالاً لغياب قاسم سليماني
ويرى بعض المراقبين أن ما تقوم به السعودية من تصعيد كبير في اليمن يأتي نتيجة واضحة لغياب قاسم سليماني الذي كان له الأثر السلبي على إيران، في ظل سياسات طهران المتغيرة بعد صعود الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وهذا ما يذهب إليه السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مشيراً إلى أنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، ليست لديه القوة التي كانت لدى سليماني، وحتى الميليشيات في العراق لا تحترمه، إضافة إلى أنّ وفاة سفير إيران لدى اليمن حسن إيرلو الذي كان من رجالات الحرس الثوري وفيلق القدس المهمين، إحدى العلامات الواضحة لوجود اختراق ضمن صفوف الحوثيين.
ويضيف قنبر في حديث خاص إلى "عربي بوست": "غياب قاسم سليماني عن الساحة هو السبب الحقيقي وراء التصعيد السعودي الأخير، حيث كان يقود كل عمليات فيلق القدس لمدة ثلاثة عقود متواصلة، ولا يمكن إحلال شخص بمكانة سليماني بهذه السهولة، وهذا سبب ضعف في جبهة الميليشيات التابعة لإيران سواء كانت في العراق التي خسرت الانتخابات وسواء كانت في اليمن، وحتى تصرفات حزب الله في لبنان كانت غير موزونة وكان فيها تمادٍ في كثير من الحالات، وهذا لم يكن ليحصل لو كان سليماني موجوداً الذي كان يوازن بين الجانب العسكري والصفقات السياسية، ومن الصعب أن تجد شخصاً يستطيع القيام بهذا الدور الخطير، إضافة إلى الإمكانيات الأمنية والشبكات التي يديرها التي كانت تحافظ على ميليشياته في المنطقة".