يعيش نساء لبنان اليوم أصعب مرحلة في حياتهن، حيث يرزحن تحت أعباء أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد، فعلى المستوى الاقتصادي، يظهر التأثير بشكل واضح على اللبنانيات في مؤشرات البطالة.
كانت دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بعنوان "النساء على حافة الانهيار الاقتصادي.. تقييم التأثيرات المتباينة للأزمة الاقتصادية على النساء في لبنان"، قد توقعت أن نسبة بطالة النساء التي كانت 14.3% قبل الأزمة سترتفع إلى 26% في سبتمبر/أيلول 2020، فضلاً عن انخفاض عدد العاملات بمقدار 22%، ووصول عدد اللواتي كن يعملن في السابق لكنهن توقفن عن العمل لأنهن إما فقدن وظائفهن وإما خرجن من سوق العمل تماماً، إلى ما يقرب من 110 آلاف امرأة.
مستلزمات إنسانية
تُواجه نساء لبنان وفتياته أزمة إضافية تتعلّق بنقص المستلزمات الخاصة بالدورة الشهرية، على خلفية الأزمة الاقتصادية في البلاد والارتفاع الكبير في الأسعار، الأمر الذي يجعل كثيرات منهن عاجزات عن تأمينها.
وتعاني 36% من الفتيات والنساء من عدم تمكنّهن من شراء حاجات الدورة الشهرية ومستلزمات النظافة الشخصية. وتعيد 87.9% من الفتيات والنساء، اللواتي غيَّرن سلوكهن، السبب إلى الارتفاع الكبير في أسعار بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد.
هذه أبرز نتائج دراسة حديثة أجرتها جمعية "فيمايل" بالتعاون مع المنظمة الدولية "Plan international" وشركة "Statistics Lebanon LTd" وشملت الدراسة 1800 أنثى من جنسيات مختلفة (1200 لبنانية، 400 سورية، 200 فلسطينية)، تتراوح أعمارهن ما بين 12 عاماً و45، وتم الاتصال بهن عبر الهاتف بسبب ظروف جائحة كورونا ومشاركتهن بالاستبيان خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين.
بحسب علياء عواضة المديرة التنفيذية بالشراكة للجمعية، فإن نتائج الدراسة "مقلقة وخطيرة" وتعيدها لعوامل عدة منها: الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها لبنان وارتفاع أسعار مستلزمات الدورة الشهرية (والتي هي بمعظمها مستوردة)، وعدم دعم الدولة اللبنانية هذه المستلزمات وتجاهل حقوق النساء في توفيرها وعدم اعتبارها أولوية وحقاً أساسياً للفتيات والنساء في المجتمع اللبناني.
وإعادة ترتيب أولويات الأسر اللبنانية في ظل ارتفاع نسبة الفقر واعتبار شراء مستلزمات الدورة الشهرية غير ذي أولوية بالمقارنة مع الغذاء والمياه، وعوائق في الحصول على مياه نظيفة وأساليب التعقيم والنظافة، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بجسد النساء في مجتمعاتنا ما يمنعهن من التعبير عن حاجاتهن الأساسية المرتبطة بأجسادهن.
التجميل بات حلماً..
ويواجهن تحديات يومية تمتدّ من أبسط التفاصيل إلى أصعبها، حيث طال الغلاء مجالات جديدة، بعضُها قد لا يكون في سلّم الأولويات، إلا أنّ كثيراً من النساء لا يستطعن التخلّي عنها، كمستحضرات التجميل و"حُقن النفخ"، والليزر وغيرها من خدمات التجميل التي تحتاجها النساء بشكل يومي وتعكس راحة نفسية لدى المرأة اللبنانية.
باتت الأزمات الاقتصادية التي تعصف بلبنان، وارتفاع سعر الدولار أمام الليرة اللبنانية تدخل تفاصيل وحياة المرأة اللبنانية التي تتميز بأناقتها وحبها للأزياء والموضة والماركات العالمية ومستحضرات التجميل، حيث توقفت أغلب النساء عن شراء ماركات التجميل العالمية، التي أصبح سعرها خيالياً، مقارنة مع قيمة الليرة اللبنانية.
أمّا بالنسبة لعمليات التجميل و"حُقن التّجميل أو ما يُعرف بالـBotox والـFillers التي كثرت في السنوات الماضية فقد تراجعت بنسبة 80%، حيث باتت تُسعّر على سعر صرف السّوق السوداء كونها مادة طبية مستوردة من الخارج، وأصبحت أسعارها توازي راتب موظف لشهر كامل
ولكن رغم ذلك تبقى عمليات التجميل عند بعض اللبنانيات من أساسيات الحياة اليومية.
أما الأسعار في الصالونات العادية الخاصة بالنساء فأصبحت باهظة جداً مقارنة مع رواتب الموظفين، وباتت النساء يحسبن ألف حساب قبل ذهابهن إلى الصالون لممارسة الخدمات اليومية للتزيين كالمكياج وقص الشعر والصبغة وطلاء الأظافر وغيرها.
حيث رفعت الصالونات أسعار خدماتها مع ارتفاع سعر الدولار، وبات مثلاً تطريف الشعر يكلف 80 ألف ليرة، وصبغة جذور الشعر 160 ألفاً، وصبغة شعر كامل ابتداءً من 400 ألف ليرة، وتنظيف الحواجب ابتداء من 25000 ليرة، وطلاء الأظافر ووضع لون ابتداء من 120 ألفاً، وهي أسعار مرتفعة جداً مقارنة بالسابق ورواتب الموظفات.
أما موضوع إزالة الشعر لدى النساء (wax) فباتت مكلفة جداً، حيث أصبحت النساء يدفعن ربع راتبهن أو أكثر، فتشير صاحبة أحد الصالونات الكبيرة في بيروت إلى أنّ نسبة العمل لديها تراجعت 70%، وتقول إن أغلب النساء حالياً يطلبن الخدمات التي اضطررن إلى القيام بها فقط، كصبغ الشيب وقص الشعر، وتضيف أن بعض النساء كن يأتين أكثر من مرة في الأسبوع ليقمن بطلاء الأظافر وتنظيفها، وتمليس شعرهنّ، أمّا الآن فلا يأتين إلا مرتين شهرياً.
وتؤكد أنّ وضع صالونات التجميل صعب جداً، خاصة في ظل عدم استقرار سعر الليرة أمام الدولار، واضطرارهم لتغيير الأسعار بشكل دائم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حوالي 67% من الصالونات أقفلت في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية، وجزء من المتبقي يلفظ أنفاسه الأخيرة.
من الأصلي إلى التقليد
كانت العطور وما زالت من أول اهتمامات النساء اللبنانيات اللاتي يعتبرن الأناقة والجمال من أساسيات الحياة، ومع انهيار العملة الوطنية اللبنانية مقابل الدولار، وبما أن العطور منتج مستورد، فإنّ أسعارها ارتفعت بشكل جنوني مقارنة بالليرة اللبنانية، حيث باتت زجاجة العطر الواحدة أكثر من راتب الموظف في القطاع العام أو في القطاع الخاص.
وفي جولة على أكبر متاجر العطور في العاصمة بيروت، لاحظنا ارتفاع الأسعار بشكل كبير، مقارنةً بما كانت عليه قبل نحو عامين أو حتى عام واحد، حيث باتت "أسعار زجاجات العطور تتراوح اليوم بين مليون وخمس مئة ليرة كحد أدنى وصولاً إلى ستة ملايين ليرة لبنانية، على سبيل المثال عطر mancera سعرها 135 دولاراً، أي ما يعادل ثلاثة ملايين وسبع مئة ألف ليرة، وعطر tom ford نحو 120 دولارات ما يعادل ثلاثة ملايين وثلاث مئة ألف ليرة.
ومنذ بدء الأزمة الاقتصاديّة حتّى اليوم تراجع الطّلب وشراء العطور نحو 65%، وإضافة إلى ارتفاع الأسعار بالعملة الوطنيّة بسبب انهيار اللّيرة، إلا أن الأسعار بالدّولار ارتفعت أيضاً، نتيجة ارتفاع كلفة الشّحن من الخارج.
والمتضرر الأول والأساسي من هذا الارتفاع الجنوني النساء اللاتي يعتبرن أن العطورات جزء أساسي من حياتهن، وبعض النساء يحتجن كل شهر لزجاجة عطر، وبالتالي تصف إحدى النساء الوضع بأنّه مؤسف جداً ومحزن أن البلد وصل إلى هذا الدرك، وتؤكد أن سعر عطرها أكثر من الراتب الذي تتقاضاه مقابل عملها طيلة الشهر في شركة خاصة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ بعض النساء اضطررن للجوء إلى شراء العطور المركّبة، (وهي عطور تقوم بعض المحلات بتركيبها وبيعها بأسعار أقل من سعر الأصلية، وتكثر هذه المحلات في المناطق الشعبية خصوصاً).
ولا بد من الإشارة إلى أنّ العطور المركّبة أيضاً ارتفعت أسعارها، ولكنها ما زالت منخفضة مقارنة مع سعر الأصلية منها.
بعد ارتفاع أسعار العطور "الأصليّة"، بدا لافتاً توجّه فئة كبيرة من النّاس إلى المحلّات الّتي تقوم بتركيب العطور في المناطق الشعبيّة خصوصاً.
أما أسعار الألبسة ذات الماركات العالمية والتي تعتبرها النساء اللبنانيات أساس أناقتهن، فقط حلقت أسعارها مع استفحال تدهور العملة المحلية، وبات حصول النساء عليها وشراؤها حلماً بالنسبة لهن، إلا ذوي الدخل العالي أو بالعملة الخضراء.
ونتيجة ارتفاع هذه الأسعار بشكل خيالي، اضطرت بعض النساء أو أكثرهن إلى التوجه إلى محلات الملابس المستعملة أو ما يعرف بـ"البالة" التي تمتلئ بالماركات الأوروبية والعالمية المستعملة، وثمنها قليل مقارنة مع أسعار الملابس، فعلى سبيل المثال حذاء من ماركة adidas سعره نحو 140 دولاراً أي ما يعادل 3 ملايين و800 ألف ليرة، أما سعره في البالة لا يتخطى المئتي ألف، أضف إلى ذلك فولارد نسائياً من ماركة hermes يتراوح سعرها تقريباً بين 800 دولار إلى 1000 دولار، أي ما يعادل 27 مليوناً، وهو راتب موظف على سنة بأكملها، وهذا خير دليل على أن اللبنانيات حُرمن من شراء هذه الماركات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أغلب الماركة العالمية أغلقت أبوابها في لبنان أو خففت من الفروع التي كانت موجودة في هذا البلد، والقسم المتبقي منها يعتمد على الأجانب والسياح وأصحاب العملات الصعبة.
أزمة من نوع آخر
يعدّ الانهيار الاقتصادي، الذي يشهده لبنان الأسوأ منذ عقود، حيث لم تستثنِ تداعيات هذه الأزمة أي فئة اجتماعية، وسط تآكل قدرتهم الشرائية وموجة الغلاء الجنونية الحاصلة، وارتفاع في معدلات الفقر البطالة.
أهالي الأطفال يشحذون ليشتروا حفاضات لأبنائهم، وباتوا يبحثون عن أرخص النوعيات في الأسواق، بغض النظر عن نوعيته وجودتها ومدى ملاءمتها طبياً لأطفالهم، فقد ارتفع سعر الحفاضات المستوردة بنسبة 300%.
وأصبح سعر كيس الحفاضات يشكل عبئاً كبيراً على رب الأسرة، وكما هو معلوم، كلّما تقدّم الطفل بالعمر، ارتفع سعر كيس الحفاضات، وقلّت كميته، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الطفل في أشهره الأولى يحتاج إلى أكثر من كيس في الشهر، وبالتالي فإن العائلة قد تضطر إلى شراء كيسين أو أكثر وهو ما يوازي ربع دخلها الشهري في بعض الحالات.
حتى إن بعض اللبنانيين لجأ إلى نظام المقايضة لتأمين الاحتياجات الأساسية، وشهدنا بعض السيدات يعرضن ملابس لهن مقابل الحصول على حليب وحفاضات للأطفال.
وبات تأمين الحليب للأطفال أمراً شبه مستحيل، خاصة لدى أصحاب الدخل المحدود، والطبقة التي كانت تعرف بالمتوسطة. سميرة وهي أم لطفلين تروي لنا أنها تحتاج شهرياً إلى علبتَي حليب، سعر الواحدة 350 ألف ليرة، أي بمعدل 700 ألف ليرة كل شهر، وتحتاج ما يعادل 400 ألف ليرة شهرياً لشراء الحفاضات لطفليها، وتشير إلى أنها تدفع راتبها فقط لتأمين الحليب والحفاضات.
وتضيف أنها تشعر أن حياة طفليها أصبحت في خطر شديد، إذ إنّ الأمر لا يتوقف فقط على الحفاضات والحليب، بل هناك أيضاً مراجعات الأطباء الشهرية الضرورية للأطفال، ناهيك عن اللقاحات الواجب إعطاؤها لهم، وتخشى من عدم قدرتها على تأمين الدواء لطفليها في حال المرض، وتقول: "كل شيء يمكن تأجيله إلا تأمين الغذاء والدواء للصغار".