بدأت وزارة الداخلية الإسرائيلية النظر في طلبات اللجوء لآلاف السودانيين الذين تسللوا إلى إسرائيل بطريقة غير شرعية خلال السنوات الماضية، تنفيذاً لقرار أصدرته محكمة العدل العليا، في أبريل/نيسان 2021، بإلزام الدولة بتنظيم أوضاع اللاجئين السودانيين الذين تقدموا بطلبات اللجوء قبل يوليو/تموز 2017.
ومن المتوقع أن تمنح إسرائيل إقامات مؤقتة لمدة 6 أشهر لنحو 2440 مواطناً سودانياً يقيمون في إسرائيل بوضع غير قانوني، ويمثلون نحو 50% من إجمالي الجالية السودانية المقيمة في إسرائيل، الذين نزحوا ضمن موجات الهجرة الجماعية منذ العام 2003، بسبب تردي الأوضاع الأمنية في مناطق غرب السوان، وتحديداً من مناطق إقليم دارفور.
ثمن التطبيع
الدلالة السياسية لهذه الخطوة أن القانون الإسرائيلي يفرّق بين المهاجرين القادمين من دول تصنفها إسرائيل على أنها دول معادية (لا تقيم علاقات سياسية)، وبين الدول الصديقة التي تحظى بعلاقات سياسية ودبلوماسية مع إسرائيل؛ وعلى إثر ذلك قد تكون هذه التسوية إحدى نتائج اتفاق التطبيع بين النظام العسكري الحاكم في السودان وإسرائيل قبل عام من الآن.
الأكاديمي السوداني المختص في العلوم السياسية، عثمان النظيف، قال لـ"عربي بوست" إن "الأبعاد السياسية حاضرة بقوة في قرار وزارة الداخلية بتسوية أوضاع الجالية السودانية في إسرائيل، حيث تسعى دولة الاحتلال بهذه الخطوة إلى تحريك المياه الراكدة في العلاقات مع المستوى السياسي والشعبي في السودان".
وأضاف: "مستوى العلاقات بين النظام الحاكم في السودان وإسرائيل يسير ببطء شديد، مقارنة بمستوى العلاقات المتقدم مع الدول المطبعة الأخرى، كالإمارات والبحرين والمغرب، وبذلك تحاول إسرائيل بهذه الخطوة مخاطبة الشعب السوداني بأنها دولة الديمقراطية والمساواة، حتى تزيل الضغط الواقع على النظام العسكري الذي يتردد في تطوير العلاقات مع إسرائيل، بسبب الموقف الشعبي الرافض لخطوة التطبيع، نظراً لعدم انعكاس هذا التطبيع بأي نتائج إيجابية حتى اللحظة على الواقع السوداني كما يتم ترويجه".
الجالية العربية في إسرائيل
إلى جانب السودان يعيش في إسرائيل أبناء الجاليات العربية، وتحديداً من دول الجوار كمصر والأردن وسوريا، التي شهدت تدفق المئات من المهاجرين للحدود الإسرائيلية، بعد نشوب الثورة السورية قبل عشر سنوات من الآن.
ورغم عدم توفر مصادر رسمية تؤكد أعداد هؤلاء المهاجرين، إلا أن التقديرات المتطابقة تشير إلى أن مصر تحتل موقعاً متقدماً في ترتيب الجالية العربية التي تعيش في إسرائيل، بإجمالي 12 ألف مواطن، 7 آلاف منهم يعيشون في إسرائيل بصورة قانونية كإقامات أو تأشيرات عمل، بالإضافة إلى حصول 360 مواطناً على جوازات سفر إسرائيلية، كما أن 23 منهم متزوجون من يهوديات، أما العدد المتبقي فهم يقيمون في إسرائيل بطريقة غير شرعية.
أما الجالية الأردنية المقيمة في إسرائيل فتتراوح أعدادها ما بين 1500 إلى 2000 مواطن، يأتون إلى إسرائيل للعمل في منطقة إيلات المجاورة لمدينة العقبة، ضمن اتفاق السلام الموقّع بين البلدين، المعروف بوادي عربة، في العام 1994، ويتمتع هؤلاء العمال بكافة الحقوق الاقتصادية المرتبطة بإقامات العمل كالتأمينات الصحية وتعويضات نهاية الخدمة.
في سوريا بدأت موجات النزوح لإسرائيل مع اندلاع الثورة السورية قبل عشر سنوات من الآن، وتقدر أوساط أممية أن المئات من السوريين نزحوا إلى الجولان هرباً من موجات العنف في الداخل، ولكن إسرائيل رفضت السماح لهم بدخول الحدود، واكتفت بإقامة معسكرات إيواء لهم على الشريط الحدودي.
ومع انطلاق قطار التطبيع العربي مع إسرائيل في العام 2020، بدأ تدفق الجاليات العربية إلى إسرائيل من دول الإمارات والبحرين والمغرب، وتشير تقديرات إلى أن الجسر الجوي بين مطار دبي وبن غوريون يستقبل سنوياً أكثر من 250 ألف سائح بين البلدين، وتسعى إسرائيل إلى مضاعفة هذه الأعداد لتصل إلى مليون سائح سنوياً خلال السنوات الخمس القادمة.
سمير العرفان، الناشط الحقوقي من منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة، قال إن "الجالية العربية تعود جذورها إلى الثلاثين عاماً الأخيرة، نظرت الحكومات الإسرائيلية لهم على أنهم قنبلة موقوتة، لذلك لم تبت في مسألة تسوية أوضاعهم القانونية داخل الدولة طيلة السنوات الماضية، خشية التأثير على ميزان الديموغرافيا لصالح الفلسطينيين".
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست": مع "تزايُد أعداد هؤلاء المهاجرين وتردّي أوضاعهم المعيشية، استغلت الدوائر الأمنية في الدولة، كجهاز الموساد، لتجنيدهم كمخبرين عن الدول التي قدموا منها، والتعرف على أسرارها، مقابل وعود بتسوية أوضاعهم دون الإيفاء بذلك".
الاضطهاد والتمييز العنصري
وتعيش الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين العرب في ظروف مأساوية قاسية، وتحديداً فئة المتسللين بطريقة غير شرعية، من بينها استغلالهم من قبل أرباب العمل لتشغيلهم في مهن تتطلب جهداً ومخاطرة كبيرة، دون توفير الحد الأدنى من شروط الأمان والسلامة، بالإضافة إلى عمل هؤلاء المهاجرين دون عقود، ما يعني عدم الاعتراف بأي حقوق اقتصادية أو تعويضات.
ولعل أحد أشكال التمييز العنصري التي تتعامل بها السلطات الإسرائيلية مع المهاجرين غير الشرعيين هو زجّهم في معسكرات الاعتقال فور القبض عليهم أثناء عملية التسلل عبر الحدود، أو التفتيش الميداني دخل المدن، كما يتعرض هؤلاء المهاجرون لابتزاز أخلاقي من قِبل تجار أعضاء البشر، أو تجار الرقيق، الذين يستغلون حالة الفقر لهؤلاء المهاجرين للحصول على أعضائهم مقابل بيع خدماتهم لمشترين أجانب.
داخلياً تسبب ملف المهاجرين غير الشرعيين في إسرائيل في اتساع حالة الاستقطاب داخل الأحزاب السياسية، فأحزاب اليمين من جهتها ترفض أي شكل من أشكال تسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، خوفاً من التأثير على الميزان الديموغرافي لصالح المسلمين على حساب اليهود.
أمنياً، ومع ازدياد أعداد المهاجرين غير الشرعيين، ووجودهم في مناطق قريبة من أماكن المتدينين، اندلعت في العقد الأخير سلسلة مواجهات بين الشرطة وهؤلاء المهاجرين، بسبب رفضهم الموافقة على طلبات الترحيل أو مغادرة المناطق المركزية في الدولة، كالعاصمة تل أبيب، لمناطق أخرى نائية في الجنوب.
مؤمن مقداد، محرر الشؤون الإسرائيلية في شبكة الهدهد الإخبارية، قال لـ"عربي بوست"، إن "تسوية ملف المهاجرين غير الشرعيين في إسرائيل جاء بضغط مارسته الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل، لمحاولة دفع العلاقات مع السودان إلى الأمام، خشية من أي تطورات داخلية غير محسوبة المخاطر قد يشهدها السودان، في حال لم يقتنع الشارع السوداني بجدوى التطبيع مع إسرائيل، والذي قد ينقلب على النظام العسكري الحالي".
وأضاف المتحدث "البُعد الآخر لمثل هذه الخطوة هو محاولة حكومة بينت تحقيق إنجاز في ملف لم تستطع حكومات إسرائيل المتعاقبة إنهاؤه أو إيجاد صيغة توافقية حوله، والمأمول من هذه الخطوة أيضاً هو تفعيل دور الدبلوماسية الناعمة، بهدف استقطاب دول أخرى لتطبيع علاقتها مع إسرائيل".
أزمة المهاجرين في إسرائيل
لطالما عانت دولة الاحتلال من ملف المهاجرين الأجانب، الذين يدخلون حدودها بطرق مختلفة، منها ما هو قانوني عبر تأشيرات قانونية تُمنح لمن يرغب في السفر لإسرائيل من غير اليهود، وما إن يصل هؤلاء المهاجرون إلى إسرائيل حتى يستقروا فيها لسنوات دون تسوية أوضاعهم القانونية، أما الفئة الثانية فهم المهاجرون غير الشرعيين، ويُطلق عليهم تصنيف "عابري الحدود"، (المتسللين)، ويأتي أغلبيتهم من مصر، التي تعد الخاصرة الأضعف في نقاط المراقبة والتفتيش، نظراً لطول الحدود التي تتجاوز 250 كيلومتراً، والانتشار الكبير لما يعرف بمافيا التهريب بين بدو فلسطين في صحراء النقب وبدو سيناء.
وقد كشفت معطيات لتقرير صادر عن مركز الأبحاث في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن نحو 114 ألف أجنبي يعيشون في إسرائيل بطريقة غير شرعية، 43% منهم دخلوا إسرائيل بتأشيرات سياحية قانونية، في حين تُمثل الجالية القادمة من السودان وإريتريا الجزء الأكبر من هؤلاء المخالفين بنسبة 28%، وقدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد المهاجرين من السودان المقيمين في إسرائيل يصل إلى 7600 شخص، و26 ألفاً من إريتريا.