علم "عربي بوست" من مصادر إيرانية مقربة من الحرس الثوري الإيراني، أنه خلال اليومين الماضيين، كانت هناك اجتماعات مكثفة داخل "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يقوده الجنرال إسماعيل قاآني، واجتماعات أخرى داخل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لبحث زيادة التوترات بين الحرس الثوري الإيراني، والحكومة السورية في الآونة الأخيرة، خصوصاً مسألة بقاء الحرس الثوري هناك.
متى بدأ التوتر بين الحرس الثوري الإيراني والحكومة السورية؟
في الأسابيع القليلة الماضية، طلبت الحكومة السورية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية سحب جواد عفاري قائد الحرس الثوري الإيراني في دمشق.
يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "كان الطلب بمثابة صدمة للقيادة العليا في طهران، فالجنرال غفاري من أكفأ العسكريين الذين ساندوا سوريا في حربها منذ سنوات".
وبحسب المصدر ذاته، فإن الجنرال جواد غفاري تم تعيينه في سوريا منذ عام 2015 وكان المسؤول عن العمليات في مدينة حلب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وأضاف المصدر قائلاً لـ"عربي بوست": "الغفاري مقرب جداً من الجنرال الراحل سليماني، وهو من أمر بتعيينه في حلب بطلب شخصي وخاص قدمه إلى آية الله خامنئي".
وتعليقاً على الطلب السوري بسحب قائد الحرس الثوري في حلب، جواد غفاري، والذي تم استقباله في طهران بالكثير من الدهشة، يقول مصدر آخر مقرب من الحرس الثوري الإيراني والقيادة العليا في طهران، لـ"عربي بوست"، إن الحكومة السورية فسرت طلبها على أنه "حماية للعلاقات الإيرانية السورية من أي توتر"، والسبب في ذلك هو التدخل الزائد للسيد غفاري في خطط إعادة الانتشار العسكرية في مدينة حلب ودمشق.
وعلى ذكر مسألة إعادة الانتشار العسكري التي أمر بها القائد العسكري الإيراني جواد غفاري قبل طلب الحكومة السورية إقالته، يقول المصدر السابق لـ"عربي بوست": "مسائل إعادة الانتشار والتمركز خاضعة للوضع الراهن على أرض الواقع، لذلك لم تجد القيادة العليا الإيرانية الطلب السوري ومبرراته مقنعة".
خلاف حاد داخل دمشق حول التواجد الإيراني في سوريا
لم يتوقف الأمر عند طلب الحكومة السورية سحب القائد العسكري الإيراني جواد غفاري، والذي قبلته القيادة الإيرانية على مضض، بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، لكنه امتد حول وجود نقاش وخلاف حول التواجد الإيراني في سوريا، بعد سنوات من توسيع نفوذ طهران في البلد الذي مزقته الحرب منذ عقد من الزمن.
يقول مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "في الأيام الأخيرة، كانت هناك عدة اتصالات بين القيادة السورية والإيرانية، كان أغلبها يهدف إلى إيصال رسالة للقيادة في طهران، بأن النظام السوري يريد تقليل انتشار القوة العسكرية الإيرانية في دمشق".
وتحدث المصدر أيضاً عن خلافات في الداخل السوري، بشأن التواجد الإيراني في سوريا بعد أن هدأت الحرب، واستطاع بشار الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية، فيقول: "القيادة في طهران والحرس الثوري الإيراني يعلمان بأمر الانقسام السوري حول استمرارية التواجد العسكري الإيراني في البلاد، ونعلم أيضاً من معنا ومن ضدنا".
ويضيف المصدر الأمني الإيراني المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: "الرئيس السوري بشار الأسد يتعرض لضغوط كبيرة من قبل ماهر الأسد، وبعض القيادات العسكرية في الجيش السوري، ويرون أنه طالما انتهت الحرب، فلا داعي لتواجد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وهو أمر يوصف بالتهور".
في هذا الصدد، يقول مصدر إيراني مقيم في دمشق ومقرب من الرئيس السوري، بشار الأسد، لـ"عربي بوست": "القيادة في طهران تعلم إلى أي مدى يحترم بشار الأسد ما فعلته الجمهورية الإسلامية لسوريا منذ سنوات، حتى عندما طلب سحب القائد العسكري غفاري، كان الطلب محاطاً بالاحترام والتقدير للدور الإيراني في حماية بلاده، لكن في نفس الوقت، طهران تشعر بالقلق".
ويضيف المصدر السابق قائلاً: "طهران لن تقبل بابتعاد دمشق عن محور المقاومة، هناك توترات في الفترة الأخيرة، لكن جاري العمل على إصلاح الأمور".
هل للخليج دور في التوترات بين طهران ودمشق؟
انتشرت بعض التكهنات التي ربطت بين إقالة القائد العسكري الإيراني جواد غفاري من سوريا، وزيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، في زيارة تاريخية لتطبيع العلاقات العربية مع حكومة بشار الأسد في دمشق.
يقول مصدر إيراني مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "القيادة العليا في طهران رفضت هذه التكهنات، لكن هناك بعض القادة داخل الحرس الثوري ربطوا بين المطالب السورية الأخيرة بسحب عدد من القوات العسكرية الإيرانية في مختلف المناطق السورية، وبين محاولات أبوظبي إعادة العلاقات مع سوريا، والضغوط الداخلية التي يتعرض لها بشار الأسد".
يضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "تحدث بعض القادة داخل الحرس الثوري والمسؤولين الأمنيين في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عن مخاوف من ضغوط خليجية تمارس على بشار الأسد من أجل تقليل الاعتماد السوري على إيران، بحجة أن الحرب قد انتهت في البلاد؛ لذلك في الآونة الأخيرة يدرس كل من الحرس الثوري والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مع القيادة العليا احتمالية حدوث هذا الأمر".
وكان "عربي بوست" تناول، في تقرير سابق، الانقسام داخل القيادة الإيرانية بشأن مسألة تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري، والتي بدأتها دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك من رأى أن هذا التطبيع خطوة إيجابية في الاعتراف بمحور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة، وتعتبر سوريا جزءاً مهماً منه، والبعض الآخر استشعر الخطر من الخطوات العربية تجاه سوريا، وفسرها على أنها محاولة لإزاحة طهران من المشهد السوري بعد سنوات من مساعدتها في القتال.
طهران لا تشك في ولاء الأسد
يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "تعلم الجمهورية الإسلامية جيداً أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها القدرة على مساعدة الاقتصاد السوري، من خلال الضغط على واشنطن فيما يخص قانون قيصر، لكن في نفس الوقت، لا تشك طهران في احترام وولاء بشار الأسد وتقديره لما فعلته إيران من أجل سوريا".
جدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، كانت قد فرضت مجموعة من العقوبات تحت اسم "قانون قيصر"، تستهدف عدداً كبيراً من الشركات والأفراد السوريين وغير السوريين الذين يتعاملون تجارياً مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد، مما قد يمنع أي دولة من دول التعاون الخليجي من تعزيز العلاقات التجارية مع دمشق.
ويقول مصدر آخر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، والقيادة العليا في طهران لـ"عربي بوست": "بعض الدول الخليجية التي تسارع الآن لتحسين علاقتها بدمشق، كانت منذ سنوات تدفع الأموال الطائلة من أجل الإطاحة ببشار الأسد، لذلك فإن سوريا تعرف جيداً أصدقاءها وتقدرهم، فإذا كان البعض قد فشل في تغيير النظام في دمشق لا يعني هذا أنهم سيصبحون حلفاء بشكل مباغت، وفي كل الأحوال إيران ترحب بأي خطوة عربية إيجابية تجاه دمشق".
وبحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، يدرسان جميع السيناريوهات بشأن التوترات الأخيرة مع دمشق.
يقول مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست": "إلى الآن، هناك نية لخفض التوتر مع دمشق، وتلبية مطالبها فيما يتعلق بمسألة إعادة الانتشار، أو إعادة النظر في تواجد بعض القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا".