تحوّل منحنى سعر صرف الليرة التركية من اللون الأحمر إلى الأخضر، مساء يوم الإثنين، 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد 10 قرارات مفاجئة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب اجتماع لحكومته، ما ساهم في استعادة الليرة التركية أكثر من 30% من قيمتها المفقودة أمام الدولار الأمريكي منذ بداية العام الجاري.
%33 هو أكبر صعود لها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبعد أن سجلت الليرة رقماً قياسياً من الهبوط عند مستوى 18.46 للدولار الواحد، طوال يوم الإثنين 20 ديسمبر/كانون الأول 2012.
قوة اقتصاد متنوع
ومع هبوط الليرة ثمة تساؤلات بدأت حول أسباب انخفاض سعر الدولار مقابل الليرة التركية بعد قرارات أردوغان، وعن مدى إمكانية استمرار هذا الانخفاض مستقبلاً.
من جانبه، كشف الدكتور مطلب إربا، رئيس قسم الدراسات العليا للاقتصاد في جامعة صباح الدين زعيم التركية، أن قرارات الرئيس التركي أثبتت قوة الاقتصاد التركي المتنوع، والمتنامي بصورة كبيرة لم تشهدها الجمهورية التركية في تاريخها.
وأضاف الأكاديمي التركي في حديثه لعربي بوست، أن قرارات أردوغان كشفت أن الأزمة التي عاشتها تركيا في الآونة الأخيرة لم تكن حقيقية، ولكنها مفتعلة، وتتناقض مع حقيقة الاقتصاد التركي، ولم تكن مبنية على أسس الاقتصاد العلمية، وإلا ما كانت سجلت هذا الهبوط السريع فجأة.
حجم الصادرات غير متوافق مع الانهيار
وكشف إربا أن الإنجازات التي يحققها الاقتصاد التركي تتعارض مع أزمة العملة التي تحياها تركيا، والتي حدثت بحسب الأكاديمي التركي بسبب مساعي أطراف داخلية وخارجية، تعاونوا فيما بينهم لخلق أجواء متوترة حول العملية الاقتصادية في تركيا، ما أدى إلى انخفاض الثقة في العملة التركية، وهو ما أثّر سلباً على ارتفاع الأسعار والتضخم في البلاد.
وأن الحكومة كانت تراقب الأمر عن كثب، وصرّح مسؤولوها في أكثر من مناسبة بأن أزمة العملة التركية ليست حقيقية، بدليل تحقيق الصادرات التركية 230 مليار دولار خلال العام الحالي فقط.
كما ظهر ذلك في تمسُّك الحكومة التركية بقرار خفض الفائدة رغم خسارة الليرة التركية لنحو 57% من قيمتها منذ بداية العام الحالي، وأظهر الرئيس التركي إصراراً كبيراً على المضي قدماً في سياسته الرامية إلى خفض نسبة الفائدة، لتقليل التضخم الذي وصل إلى نحو 22%، بحسب بيانات البنك المركزي التركي.
لكن أزمة الليرة التركية ترتبط بحسب إربا بعملية تلاعب كبيرة، صاحبها عملية استغلال من قبل التجار، ما أثر سلباً على ثقة الشعب في أداء الحكومة والعملة التركية.
وكشف عبد المطلب أن مظاهر الاستغلال ظهرت في سعي بعض الأفراد للاقتراض من البنوك التركية بالعملة المحلية وتحويلها إلى الدولار، وهو الأمر الذي جذب نظر الحكومة، التي بدأت العمل على توقيف القائمين على عملية التلاعب في العملة التركية، والتعامل معهم وفق القانون التركي.
تلاعب أدى لانهيار
يقول إربا إن جميعة المستثمرين الأتراك، المعروفة باسم "توسياد"، كان لها دور في عملية التلاعب القائمة، وتحارب الحكومة التركية من خلال التعاون مع أحزاب المعارضة وجهات خارجية، لإسقاط أردوغان وحكومة العدالة والتنمية.
وبحسب الأكاديمي التركي، قامت جمعية "توسياد" بتحويل ما قيمته 48 مليار ليرة تركية إلى الدولار والعملات الأجنبية، ما أدى لخفض قيمة الليرة التركية والإساءة للسوق التركية.
وفي نهاية الأمر فهم المواطن التركي، بحسب إربا، من قرارات أردوغان حقيقة الأزمة، وعلى الفور توجه الكثير منهم لتحويل مدخراتهم من العملة الأجنبية إلى الليرة؛ ما ساهم في وصول الليرة التركية إلى مستويات كبيرة، وقد تصعد إلى أكثر منها مستقبلاً، حال استمرار تطبيق المنهجية الجديدة التي أعلنها الرئيس التركي.
وبحسب وكالة رويترز، قام المواطنون الأتراك بتحويل ما قيمته مليار دولار من أموالهم بالعملة الأجنبية إلى الليرة، عقب قرارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو ما أسهم في ارتفاع قيمة العملة التركية أمام الدولار الأمريكي.
ويرى الأكاديمي التركي أن الحكومة التركية بهذه القرارات باتت لديها سيطرة كبيرة على سوق الصرف، بعد نجاحها في توفير الثقة المفقودة لدى المواطنين والمستثمرين في العملة التركية، وفي نتاج تلك الخطوات، بحسب الدكتور عبد المطلب إربا، سيتأثر الاقتصاد التركي إيجاباً بسبب قرارات أردوغان العشرة.
سينعكس ذلك على قوة تركيا الاقتصادية، خاصة أنها مرشحة وبقوة لتكون البديل القوي لتوفير المواد التي يحتاجها السوق العالمي، في ظل موقعها الجغرافي وقوة اقتصادها، مشيراً إلى أن هناك حالياً شاحنات بطول 19 كيلومتراً تنتظر على أبواب المعابر الخارجية لتركيا، من أجل التصدير، وكل هذا يؤشر إلى قوة الاقتصاد التركي.
الحكومة أمام تحدٍّ لتثبيت ارتفاع سعر الليرة
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي التركي أوزغور ديميرتاش، أن نجاح خطة الرئيس التركي ممكن حال تم تنفيذها على المدى القصير والمتوسط، وفي حال استمرار تلك الخطة إلى ما بعد هذه الفترة فقد يقود ذلك العملة التركية إلى معاودة الهبوط مرة أخرى.
وأوضح الخبير التركي أن عملية تعويض المواطنين عن مدخراتهم بالليرة التركية، حال وقوع الخسارة بسبب سعر الصرف، يجب أن تكون كذلك عبر حساب متوسط سعر الصرف، وليس موعد الاستحقاق، حتى لا تقع فريسة لمخاطر نهاية المدة والفائدة المتقطعة.
ورأى ديميرتاش أن سبب الانخفاض الكبير في سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية حدث بسبب رفع نسبة الفائدة بشكل خفي، وتم تمريرها من ضمن قرارات الرئيس التركي عبر دفع التعويضات على المودعات بالعملة التركية حال التضرر من سعر الصرف؛ حيث قدمت الحكومة العديد من الفوائد للحفاظ على تلك المودعات بالليرة التركية.
من جهة أخرى، قال عالم الاقتصادي تيموثي آش، الذي يتابع التطورات الاقتصادية في العديد من دول العالم، ويعلق عليها، إنه لا يوجد مثال آخر على نشاط الصرف الأجنبي كما يحدث في تركيا.
وأضاف عالم الاقتصاد الشهير في تغريدة عبر حسابه على توتير، أنه يعمل في مجال الاقتصاد منذ 30 عاماً، ولم يرَ خلال تلك المدة مثل هذ التقلب الحاصل في سعر صرف العملة التركية في أي من دول العالم، خاتماً حديثه بأن ما يحدث "أمر لا يصدق".
قرارات 10 أنقذت الليرة من الانزلاق نحو هبوط أشد
وأتت القرارات العشرة التي أعلنها الرئيس التركي في مجملها للحفاظ على قيمة العملة، وظهر ذلك في قرار أرودغان الأول، الذي استثنى فيه المودعات بالليرة التركية داخل البنوك من ضريبة الدخل.
وكشف الرئيس التركي عن استحداث آلية جديدة لحماية أموال المودعين بالليرة التركية، وذلك عبر دفع فرق الخسارة حال حدوثها بسبب انخفاض سعر صرف العملة، وعليه لن يكون لدى المودعين حاجة لتحويل مدخراتهم من الليرة إلى العملات الأجنبية، خشية ارتفاع أسعار الصرف بعد استخدام تلك الآلية، التي ستضمن لهم بقاء أصولهم المالية كما هي دون تغيير، حتى في حال تغيّر سعر الصرف.
وشملت قرارات الرئيس التركي كذلك العديد من الخطوات التشجيعية للمستثمرين والمصدرين الأتراك، تمثّلت في توفير حصولهم على العملات الأجنبية بسعر صرف آجل من قبل البنك المركزي، لمنع تعرضهم للخسارة بسبب تذبذب سعر صرف العملات.
كما أعلن الرئيس التركي خفض الضريبة المقتطعة على توزيعات الأرباح التي ستدفعها الشركات إلى %10، إضافة لخفض ضريبة شركات التصدير والشركات الصناعية بمقدار نقطة واحدة.
وزارة المالية التركية تطبق قرارات الرئيس
وقبل قليل أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية قواعد تطبيق بعض القرارات التي أعلن عنها الرئيس التركي، مساء الإثنين 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، وكشفت الوزارة في بيان عن التطبيق العملي لتعويض المودعين أموالهم بالليرة التركية، حال تعرضهم للخسارة بسبب تغيّر سعر الصرف.
وأوضحت الوزارة أنه سيتم حساب نسبة تغير سعر الصرف في حسابات ودائع الليرة بشكل يومي، وفي حال ارتفاع نسبة تغير سعر الصرف أمام الدولار فلن يتم تطبيق ضريبة على الأرباح على المكاسب المحصلة للمواطنين.
وقالت الوزارة في بيانها إنه سيتم الإعلان عن سعر شراء الدولار في الساعة 11 صباحاً من كل يوم، وسيتم تعويض الحسابات التي خسرت مقابل إيداعها أو تحويلها الأموال بالليرة التركية نتيجة تقلبات سعر الصرف، في حال تجاوزت نسبة تغير سعر الصرف بالليرة التركية.
وأشارت الوزارة أن فترات حسابات الودائع في البنك وتوزيع الأرباح ستُحتسب في فترة أقلها 3 أشهر، ويمكن أن تمتد إلى 6 – 9 – 12 شهراً، وتحدد نسبة الفائدة الدنيا من قبل البنك المركزي التركي، ويحق لجميع البنوك المشاركة في هذا النظام.
وأكدت الوزارة أنه سيتم تعويض المواطنين عن الفارق بنسب الفائدة بين تاريخ فتح الحساب وتاريخ إغلاقه، بسبب اختلاف نسب الفائدة وانخفاضها، على أن يتحول حساب الودائع الذي يسحب منه جزء من المال قبل الموعد إلى حساب جارٍ، ولا يحق له الاستفادة من نسب الفائدة المقررة من قبل الوزارة.