قال موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير نشره الأربعاء 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن مجمَّع التحرير، ذلك المبنى الضخم في قلب وسط القاهرة، بميدان التحرير الشهير، سوف يتحول إلى فندقٍ فخم، وفقاً لخطةٍ كشفت عنها الحكومة المصرية مؤخَّراً.
ستشهد العملية، التي تبلغ تكلفتها عدة ملايين من الدولارات، تحوُّل المبنى إلى بؤرةٍ محورية للاستثمارات الأجنبية، على بُعدِ أمتارٍ من ميدان التحرير، مركز الثورة المصرية في 2011 والحلقة الأخرى من الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة العربية من تونس إلى سوريا، بدءاً من أواخر عام 2010.
تحالف لتطوير مجمع التحرير
فاز تحالفٌ من الشركات الأمريكية الإماراتية مؤخَّراً بمناقصة تحويل مجمَّع التحرير إلى مشروعٍ سياحي وتجاري. وتبلغ الصفقة 225 مليون دولار، وستُنفَّذ خلال العامين المقبلين، مِمَّا يفتح الباب أمام أول شراكةٍ مع صندوق مصر السيادي، الذراع الاستثمارية للحكومة المصرية، التي تملك المجمَّع، إلى جانب الأصول العقارية الأخرى التابعة للدولة المصرية التي تشمل أراضي ومباني ضخمة في جميع أنحاء مصر.
من جانبه قال إبراهيم عبد الهادي، نائب محافظ القاهرة، لموقع Middle East Eye البريطاني: "هذه صفقةٌ مهمة ستضيف قيمةً إلى أحد أهم المباني في القاهرة. أما موقع المجمَّع وطبيعته فسوف يجعلانه مناسباً لخطط تحويله إلى فندقٍ رائع".
لعقودٍ من الزمن، كان مجمَّع التحرير رمزاً للبيروقراطية المصرية. بدأ تشييد المبنى خلال السنوات الأخيرة من الحكم الملكي في مصر، لكنه افتُتِحَ عام 1952، بعد بضعة أشهر من زوال هذا الحكم. وأصبح المجمَّع يمثِّل محاولةً من قِبَلِ السلطات المصرية ما بعد الملكية لتبسيط الإجراءات الإدارية من خلال وضع جميع الخدمات البيروقراطية في مكانٍ واحد.
تحوُّل المجمع لرمز للروتين والفشل
كانت جميع أنواع مكاتب التوثيق الرسمي في المبنى، وكان لكلِّ مؤسسةٍ حكومية مكتبٌ يمثِّلها. فمن أراد الحصول على شهادات ميلاد أو وفاة أو جوازات السفر، أو للحصول على علاجٍ طبي مجاني، أو سجلٍّ إجرامي، أو بطاقة هوية، أو نسخٍ من عقود الزواج، فليذهب إلى هناك، بصرف النظر عن مكان إقامته في مصر. وبالطبع القائمة تطول من الوثائق الرسمية الأخرى.
مع ذلك، فشلت محاولة تسهيل الأمور في نهاية المطاف، إذ تحوَّل المجمَّع إلى رمزٍ للروتين والفشل الإداري.
كان آلاف الأشخاص يتجوَّلون كلَّ صباحٍ في مكاتب المبنى المختلفة بحثاً عن وثائق رسمية، فيما كانت الرحلة الشاقة من البيروقراطية غذاءً لأفلامٍ مثل "الإرهاب والكباب"، وهو فيلمٌ من بطولة الممثِّل الكوميدي المصري الشهير عادل إمام.
قال حمدي عرفة، الخبير الإداري المستقل: "هذا المبنى مثالٌ على خطط الحكومة لتسهيل الإجراءات الإدارية، لكنه جاء بنتائج عكسية". وأضاف: "كان وضع جميع الخدمات في مكانٍ واحدٍ خطأً فادحاً، وتحوَّل المجمَّع بذلك إلى رمزٍ للفشل الإداري في مصر".
سيكون تحويل المجمَّع إلى فندق خطوةً رمزية تدلُّ على رغبة مصر في التخلُّص من أنظمتها الإدارية القديمة. وهي خطوةٌ يرحِّب بها الاقتصاديون في القاهرة الذين يرونها بدايةً لاستثماراتٍ أجنبية يمكن أن تضيف قيمةً إلى بعض المباني القديمة بالعاصمة المصرية.
ثقة المستثمرين باقتصاد مصر
نقلت صحيفةٌ مصرية عن محمد عبد الله، رئيس قسم الإسكان بالغرفة التجارية الأمريكية في القاهرة، قوله إن "عقد تطوير المجمَّع يعكس ثقة المستثمرين بالاقتصاد المصري". وأضاف أن "الصفقة تقدِّم أيضاً نظرةً ثاقبةً لإستراتيجية الصندوق السيادي للحصول على أعلى عوائد من استغلال أصول الدولة".
مع ذلك، انتُقِدَت الخطوة نفسها لجذب المستثمرين الأجانب إلى المناطق التي يتمتَّع بها المستثمرون المحليون بميزة، مِمَّا يفتح الباب أمام منافسةٍ غير عادلة، خاصةً مع مشاركة صندوق مصر السيادي.
قال ممدوح حمزة، المهندس المعماري المعروف والمنتقِد الصريح للحكومة المصرية: "هذه خطةٌ سيئة". وأضاف: "إذا كانت هذه شراكةً جديدة بين الصندوق والتحالف الأمريكي الإماراتي، فسوف تكون كارثية".
علاوة على ذلك، أعرب بعض الاقتصاديين عن مخاوفهم من أن يكون الصندوق -الذي أنشأته الحكومة المصرية عام 2018 بهدف تحقيق أقصى استفادة من أصول الدولة والمساهمة في نقل التقنيات الحديثة إلى مصر- وكالةً أخرى للاستثمار العقاري يمنح المستثمرين الأراضي والمباني مقابل المال، مِمَّا يثير خوفهم من أن الاستثمارات التي سيجلبها الصندوق لن تضيف أيَّ قيمةٍ للاقتصاد.
قال خالد الشافعي، رئيس مركز أبحاث للدراسات والبحوث الاقتصادية: "يجب أن يستغل الصندوق أصول الدولة وينقل التقنيات، من خلال شراكاتٍ مع أطراف محلية ودولية".
لم يذكر الصندوق تفاصيل مُحدَّدة حول شراكته مع تحالف الشركات الأمريكية الإماراتية، لكن رئيسه التنفيذي، أيمن سليمان، قال إن التحالف سيؤجِّر المجمَّع لمدة 49 عاماً بعد تحويله إلى فندق.
مع ذلك، يقول بعض الاقتصاديين إن الصندوق سيضطر إلى بيع بعض المباني التي يمتلكها؛ من أجل توفير الأموال التي يحتاجها للاستثمار في قطاعاتٍ أهم، مثل الصناعة والصحة والتعليم، تلك القطاعات التي لا يرغب القطاع الخاص عادةً في الاستثمار فيها، إذ يميل إلى تفضيل الاستثمار في قطاعاتٍ أكثر ربحية.
موقع إستراتيجي في قلب القاهرة
يتمتَّع المجمَّع بموقعٍ إستراتيجي في قلب وسط القاهرة، ليس بعيداً عن نهر النيل، وعلى بُعدِ خطواتٍ من منطقةٍ حضريةٍ تتنافس فيها الأساليب المعمارية الغربية على الاهتمام وتشهد على تنوُّع ثقافة وتاريخ القاهرة.
يتضمَّن المبنى متعدِّد الطوابق مئات الغرف التي كانت في الماضي القريب مكاتب إدارية. ويقع على بُعدِ أمتارٍ قليلة من المتحف المصري الذي يضمُّ عشرات الآلاف من القطع الأثرية المصرية القديمة.
قال الصندوق السيادي إن جزءاً من المبنى سيتحوَّل إلى فندق، في حين ستتحوَّل أجزاءٌ أخرى إلى مركز تسوُّق.
نقلت صحيفةٌ محلية عن سليمان قوله: "المجمَّع سيتحوَّل إلى نقطةٍ مضيئةٍ في قلب القاهرة". وستبقى واجهة المبنى على حالها، بحسب سليمان، فيما سيجري تجديد بقية المبنى ليحتوي على شققٍ فندقية ومطاعم وأنشطة تجارية. وأضاف سليمان أن "هذه الأنشطة ستغيِّر الأوضاع في وسط المدينة تماماً".
يُعَدُّ تحويل استخدام المجمَّع جزءاً من خطةٍ أكبر لتحويل وسط القاهرة إلى متحفٍ في الهواء الطلق.
تغييرات في القاهرة
شهد وسط المدينة العديد من التغييرات في السنوات القليلة الماضية، وميدان التحرير لم يكن استثناءً من هذه العملية.
أُحضِرَت كثير من تماثيل الكباش من الأقصر، ووُضِعَت في وسط الميدان، ووُضِعَت أيضاً مسلَّةٌ قديمة وسط تماثيل الكباش، مِمَّا مَنَحَ الميدان لمسةً قديمة تجعله يتناسب مع محيطه.
أُعيدَت مباني وسط العاصمة أيضاً إلى حالتها الأصلية، وصدرت أوامر للمحلات والمقاهي والمطاعم باستبدال اللافتات بأخرى مشابهة لتلك التي كانت تُستخدَم في بداية القرن الماضي.
أُغلِقَت شوارع وسط القاهرة من حركة المرور، مِمَّا سَمَحَ للمشاة بحرية الحركة دون أن تعترض السيارات طريقهم.
قال نائب المحافظ، عبد الهادي: "هذه التغييرات ستساعدنا على المُضيّ قُدُماً في خطتنا لوضع مركز المدينة على الخريطة السياحية. إنه يضمُّ عدداً كبيراً من المباني القديمة التي تتميَّز بتصميماتٍ وأنماطٍ معمارية شاهقة".