تعيش حركة النهضة التونسية أزمة غير مسبوقة أدت إلى تصدّع بيتها الداخلي، بسبب ما اعتبره الغاضبون "سوء مواجهة قيس سعيّد، وتأجيل مؤتمر اختيار قيادة جديدة".
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصدر خاص فإن حركة النهضة لن تعقد مؤتمرها 11 لتجديد القيادة، شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، كما كان محدداً له.
وأضافت مصادر من حركة النهضة أن المؤتمر 11 لن يُعقد في موعده الذي حُدد له سابقاً، ولا حتى في الأشهر القادمة، وذلك استجابة لرغبة من الغنوشي والمؤيدين له.
تأجيل متجدد
ليست المرة الأولى التي تقرر فيها حركة النهضة تأجيل مؤتمرها 11 لاختيار القيادة الجديدة للحزب، إذ سبق لها وأعلنت سنة 2020 عن إرجاء إقامة المؤتمر 11 إلى أواخر سنة 2021.
وبررت حركة النهضة في بيان لها أصدرته في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 تأجيل المؤتمر إلى انتشار كورونا في تونس، على أساس تحديد موعد آخر على حسب الأوضاع الصحية في البلاد.
بعد ذلك، حدّدت حركة النهضة موعداً جديداً لتنظيم المؤتمر المؤجل، في ديسمبر/كانون الأول الجاري، لكنها لم تلتزم بالموعد، ولم تعلن رسمياً عن تأجيله ولا حتى الموعد الجديد له.
تأجيل المؤتمر 11 قسّم حركة النهضة إلى جهتين، فبعض القادة يرون أن الأولوية الآن لتونس، وتسارع الأحداث بسبب قرارات قيس سعيّد المتتالية، والبعض الآخر يرى أن إجراء المؤتمر في موعده هو "الحل لإنهاء ولاية قيادة فشلت في تسيير المرحلة".
رياض المستوري، القيادي في مجلس الشورى بالحركة، قال إن "هناك عدة صعوبات تجعل من إجراء المؤتمر 11 في الموعد المحدد له، ومن الأفضل التركيز على الوضع الاستثنائي في البلاد، والتصدي للانقلاب أهم من التركيز على الشأن الداخلي".
وأضاف المتحدث الذي يشغل عضو اللجنة المالية لإعداد المؤتمر 11 في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "اللجنة انطلقت فعلاً في إعداد بعض الإجراءات تحضيراً للمؤتمرات المحلية والجهوية، لكن الوضع الأمني والصحي لا يسمح بتنظيم المؤتمر 11".
الغنوشي لا ينوي العودة
وكشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن راشد الغنوشي لا ينوي العودة لقيادة حركة النهضة مرة أخرى، وبالتالي فإنه لن يترشح في انتخاب القيادة الجديدة في المؤتمر المقبل متى تم عقده.
وأضافت المصادر ذاتها أن الغنوشي أكد في اجتماع مجلس الشورى المنعقد نهاية الأسبوع الماضي، أنه لا ينوي الترشح في المؤتمر القادم، ولكنه يرى أن الأولوية لمواجهة الانقلاب وليس عقد المؤتمر في موعده.
وقال الغنوشي أثناء لقائه بقيادات حزبه إن "مؤتمر تجديد القيادة على أهميته يمكن عقده في أي وقت، بعد أن تتضح الرؤية على المستوى الوطني".
من جهته أكد رياض المستوري، القيادي في حركة النهضة في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "الغنوشي لا ينوي الترشح لولاية أخرى، وأن يركز كل جهوده لمواجهة للانقلاب، وأنه مع عقد المؤتمر متى توفرت الظروف في البلاد التي تسمح بذلك".
من جهته قال المسؤول عن الإعلام والاتصال بالحركة عبد الفتاح الطاغوتي إن انسحاب بعض القيادات إلى ما اعتبروه "سوء تصرف وتسيير وانفراد بالقيادة، وتخوف من ترشح رئيس الحزب مرة أخرى غير صحيح".
وأضاف المتحدث في ندوة عقدتها الحركة وسط العاصمة تونس أن "الأمر محسوم، والرئيس راشد الغنوشي أكد عدم ترشحه في المؤتمر القادم لقيادة الحركة مرة أخرى".
من سيخلف الغنوشي؟
وعن الأسماء التي من المنتظر أن تخلف الغنوشي هناك تنافس بين الجيل القديم، الذي يدافع عن استمرارية نفس القادة في الحزب، وبين الجيل الجديد الذي يدعو إلى التغيير الجيلي.
ومن الجيل القديم هناك اسم نور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة ووزير العدل الأسبق في حكومة حمادي الجبالي، ووزير معتمد لدى رئيس الحكومة في حكومة علي العريض.
أيضاً يتم تداول اسم علي العريض، وهو القيادي أيضاً في الحركة، والذي شغل منصبي رئيس الوزراء سنة 2013، وتقلد منصب وزير الدفاع في حكومة حمادي جبالي.
أما عن المعارضين، فيتداول اسم عبد اللطيف مكي، وزير الصحة الأسبق، وعبد الكريم الهاروني الذي تقلب منصب وزير النقل سابقاً، ونجم الدين الحمروني، كاتب دولة لدى وزير الصحة مكلف بتأهيل المؤسسات الاستشفائية.
أيضاً، يتم تداول اسم فتحي العيادي، وهو الذي ترأس مجلس شورى حركة النهضة الحادي عشر، ورضا إدريس وهو رئيس مجلس شورى حركة النهضة التاسع.
استقالات بالجملة
تأجيل المؤتمر 11 لحركة النهضة قلب الموازين الداخلية لأهم تنظيم سياسي في تونس، وقسم القياديين بين مؤيد للرئيس راشد الغنوشي وبين معارضٍ له ولقراراته.
وكشف مصدر من "الغاضبين" على الرئيس أنهم يحاولون الدفع بالحصول على التزامٍ من الغنوشي ونائبيه علي العريض ونور الدين البحيري، ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، على عدم الترشح لقيادة الحركة في المؤتمر القادم، وكذلك التزام بتكريس التغيير على مستوى رئاسة الحركة.
وبداية الأسبوع الجاري، اختار 15 عضواً من حركة النهضة تعليق عضويتهم بمجلس الشورى (هيئة القيادة) وكل لجان المؤتمر، وذلك حسب ما اعتبروه "فقدان هذه المؤسسة لوظيفتها الرقابية واستقلالية قرارها".
ودعا الأعضاء في بيان داخلي صدر الإثنين 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى إعلان قياديي الصف الأول وهم راشد الغنوشي وعلي العريض ونور الدين البحيري أنهم غير معنيين بالمؤتمر القادم.
وأكدوا في البيان نفسه على أن القيادة الحالية فشلت في إدارة الأوضاع الداخلية والخارجية من جهة، كما أنها تسعى بشكل كبير وممنهج لتاريخ المؤتمر.
واعتبر المستقيلون أن النهضة بعد القرارات التي اتخذها قيس سعيّد، في 25 يوليو/تموز 2021، هي المسؤول الرئيسي عن حصيلة السنوات العشر المنقضية من عمر الثورة.
عبد اللطيف المكي، القيادي في الحركة والوزير السابق للصحة قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "تأجيل المؤتمر هو من أحد أسباب استقالتنا من الحزب، وهناك إرادة سياسية لعدم عقد المؤتمر في موعده، والحديث عن أن الأولوية لمواجهة الانقلاب هي مجرد تعليلات واهية لتمكين القيادة الحالية من المواصلة".
وأضاف المتحدث أن "القيادة الحالية لحركة النهضة ساهمت بشكل أو بآخر في تمكين الرئيس قيس سعيد من الانقلاب، نتيجة للأخطاء الفادحة التي ارتكبتها".
وأشار المتحدث إلى أن "المستقيلين الجدد هم من التيار الإصلاحي داخل حركة النهضة، والمسألة عامة وشاملة وليست داخلية كما يسوقون لذلك، أما الإجراءات التنظيمية والهيكلية فهي استتباعات لضرورة إصلاح الخط السياسي للمجتمع".
من جهته يرى رياض المستوري، القيادي في حركة النهضة، أن "موقف هؤلاء الأعضاء غير منطقي وفي غير وقته، وأن هؤلاء الأعضاء ليس لهم تواصل مع أبناء الحزب في الجهات، وأن مطالبهم غير مبررة وليست منطقية، والأولوية هي ضرورة رصّ الصفوف لمقاومة الانقلاب وليس تحميل المسؤوليات والمحاسبة قبل انعقاد المؤتمر".