كشفت بعض العائلات البريطانية أن الشرطة عاملتهم مثل المجرمين، ومارست بحقهم بعض المضايقات، واعتبرتهم في البداية مشتبهاً بهم، وذلك على خلفية محاولتهم معرفة مصير بناتهم المنضمات لتنظيم "داعش" في سوريا، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، السبت 4 ديسمبر/كانون الأول 2021.
جاء ذلك خلال قيام تلك العائلات بعرض شهاداتهم وتجاربهم، خلال الأسبوع الماضي، في جلسة برلمانية خاصة دون تغطية إعلامية بناء على طلبهم، خوفاً من أن يساء فهمهم أو يتعرضوا لمضايقات.
غير أن أربع عائلات ممن أدلوا بشهاداتهم وافقوا على الحديث عن تجاربهم مع صحيفة The Observer دون تحديد هوياتهم الحقيقية ليكشفوا عن الطريقة التي عاملتهم بها السلطات وكيف تخلوا عن بناتهم ليعلقن في مخيمات اللاجئين في سوريا.
إذ كشفت سيدة أنها تعاونت مع الشرطة حين فقدت أثر شقيقتها لتُفاجأ بأن الشرطة لم تكن تنوي البحث عنها. وقالت: "ظننا أن الشرطة ترغب في مساعدتنا، لكننا اكتشفنا بعد ذلك أن الشرطة لم تكن تتحدث إلينا لتساعدنا وإنما لتحصل على معلومات. وحين حصلت عليها، نفضت أيديها منا".
السيدة ذاتها أضافت: "لم يقدموا لنا أي نوع من الدعم، وشعرت أنني محل شك دائماً وأنني لا بد أن أثبت لهم أنني لا أدعم التطرف".
من جهته، قال أحد أفراد عائلة أخرى: "كانوا يستجوبونني كما لو كنت متهماً، وحين قرروا أنني لست كذلك، تجاهلونني بالكامل وصار من الصعب كثيراً أن أتواصل معهم".
تأتي شهادات هذه العائلات عقب صدور تقرير من مؤسسة Reprieve الخيرية القانونية وجد أن ثلثي النساء البريطانيات المحتجزات في شمال شرق سوريا نُقلن قسراً أو عن طريق التهريب إلى هناك، حيث بدأ استغلالهن جنسياً.
في حين وجد التقرير أن كثيراً من الفتيات كن تحت سن 18 عاماً حين سافرن إلى المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم داعش، ومن بعدها وهن يتعرضن للاستغلال والزواج القسري والاغتصاب والعبودية المنزلية.
المتهم بريء حتى تثبت إدانته
كما أعربت جميع العائلات التي أدلت بشهادتها عن غضبها إزاء تجاهل المملكة المتحدة لمبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في تعاملها مع أبنائهم، وقالوا إن موقفها يضر بمكانتها الدولية.
بدوره، أكد فرد من إحدى العائلات أن "الحكومات الغربية هي عادة من تتحدث عن حقوق الإنسان والاتجار بالبشر، ولكن حين تكون عائلتي هي من تعرضت للاتجار وسوء المعاملة، تقرر هذه الحكومات ألا تتحرى حتى عن قضاياهم، وتعتبرهم متهمين فقط لا لشيء إلا لأنهم في سوريا".
أضاف: "النساء والأطفال يعاقَبون دون محاكمة، لست أدري لماذا قررت بريطانيا التخلي عن مبادئها في حالة عائلتي".
فيما أكد فرد آخر أنه يشعر بأن السلطات البريطانية خانتهم وخذلتهم، منوهاً إلى أنهم يشعرون بالحيرة، ويتساءلون عن السبب الذي جعل بلادهم تتخلى عنهم، متابعاً: "لقد فقدت إيماني بالأشخاص الذين يفترض بهم أن يساعدونا ويحمونا. لقد ضاعت حقوقنا".
بحسب بيانات منظمة Reprieve، تضم العائلات البريطانية في شمال شرق سوريا حوالي 19 سيدة و38 طفلاً؛ وأكثر من نصف هؤلاء الأطفال يبلغون من العمر خمس سنوات أو أصغر. والحكومة البريطانية سحبت الجنسية من حوالي 20 بالغاً.
من جانبها، تقول مايا فوا، مديرة مؤسسة Reprieve، إن العائلات التي تقطن المخيمات "جُردوا من جميع حقوقهم، واعتبروا مذنبين دون محاكمة، ويتعرضون للعنف، والحكومة تخلت عنهم". وقالت إن الحكومة "على ما يبدو تسعى لإلحاق أقصى قدر من الأذى بهؤلاءـ ومعظمهم أطفال بريطانيون- لإثبات موقف سياسي ما"، وأضافت أن هذا "خطير على أمننا ومبادئ العدالة كذلك".
يشار إلى أن أبحاث منظمة Reprieve عن ضحايا التهريب البريطانيات قائمة على نشاط موسع في المخيمات السورية، ولم تبذل وزارة الداخلية البريطانية جهداً يذكر لزيارة هذه المخيمات أو معرفة إن كان النساء يتعرضن للاستغلال.
حكومة بريطانيا تدافع عن موقفها
في المقابل، دافعت حكومة المملكة المتحدة عن موقفها، قائلة إنها تعتبر هذه العائلات البريطانية تهديداً محتملاً للأمن القومي.
لكن إحدى العائلات قالت إنه من المضحك أن يُنظر لابنتها على أنها تهديد، مضيفة: "إنها غاية في الضعف، وتعرضت لإساءات. فلا يمكن أن تمثل تهديداً؛ فهي مرتعبة وضعيفة".
كذلك أشارت أخرى إلى أن شقيقتها حُبست في اللحظة التي وصلت فيها إلى سوريا، مردفة: "سُجنت بكل الطرق التي يمكن تخيلها؛ لقد أصبح المكان سجناً منذ اللحظة التي وصلت فيها إلى هناك".
هذه الشهادات التي أدلت بها العائلات كثفت التركيز على فشل سلطات المملكة المتحدة في حماية النساء والفتيات من خطر نقلهن قسراً إلى سوريا في المقام الأول.
كما أثارت الشهادات تساؤلات عن تعنت الشرطة واعتبارها الفتيات والأطفال المستضعفين إرهابيين، عوضاً عن محاولة حمايتهم وإنقاذهم.
يشار إلى أن ظروف مخيمات اللاجئين التي يشرف عليها الأكراد بسوريا في حالة مزرية، ووصفتها منظمة الصحة العالمية "بالصادمة وغير المحتملة".
فخلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021، قضى 163 شخصاً نحبهم في مخيم الهول وكان من بينهم 62 طفلاً، وشهد هذا العام 81 حالة قتل. وفي أغسطس/آب من العام الماضي، قضى ثمانية أطفال نحبهم في أسبوع واحد، وفقاً لمنظمة Save the Children.