كشفت مصادر "عربي بوست" أن السلطة الفلسطينية تقدمت بطلب لمحكمة العدل الدولية لإيقاف إجراءات الدعوى القضائية ضد الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
وجاء تراجع السلطة الفلسطينية بعد تلقيها وعوداً من إدارة الرئيس بايدن بمنح تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين، والعمل على خطوات سياسية من شأنها تقريب وجهات النظر بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية الحالية.
ووفقاً لمصدر في الخارجية الفلسطينية تحدث لـ"عربي بوست"، فقد تقدم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في 12 من أبريل/نيسان 2021 بطلب لدى محكمة العدل الدولية بتأجيل جلسات الاستماع الشفوية التي كان من المقرر عقدها في الأول من مايو/أيار 2021، من أجل إتاحة الفرصة أمام الطرفين الفلسطيني والأمريكي لإيجاد حل للنزاع عبر المفاوضات.
وأضاف المصدر أن رد المحكمة جاء بقبول طلب تأجيل الاستماع بعد موافقة الطرف الآخر -الولايات المتحدة الأمريكية- وعليه فقد قررت المحكمة تأجيل النظر في كل ما يتعلق بمسار القضية إلى إشعار آخر بناء على الطلب الفلسطيني.
ولكن أحمد ديك، مستشار وزير الخارجية الفلسطيني، قال في تصريح مقتضب لـ"عربي بوست" إن موقفاً سياسياً وقانونياً سيصدر عن وزارة الخارجية في الأيام القادمة لإيضاح كل ما يتعلق بمسار القضية، وحيثيات الإجراء القانوني الذي اتخذته السلطة بتجميد قرار الاستماع الشفوي في المحكمة، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
تقوية السلطة ضد خصومها
أشار مصدر مقرب من اللجنة المركزية لحركة فتح لـ"عربي بوست" أن "المبعوث الأمريكي للمنطقة هادي عمر أكد في اللقاءات الأخيرة التي جمعته بمسؤولي حركة فتح والسلطة الفلسطينية، أن إدارة بايدن مستعدة لإعادة افتتاح البعثة الدبلوماسية لمنظمة التحرير في واشنطن، بشرط أن تسحب السلطة الدعوى القضائية ضد قرار نقل السفارة".
وأضاف المصدر أن "المبعوث الأمريكي للمنطقة اعتبر أن الاستمرار في هذه الدعوى سيأثر سلباً على مشروع التطبيع الذي يدعمه الرئيس بايدن، مقابل ذلك ستعمل الإدارة الأمريكية على تقوية السلطة الفلسطينية مالياً وسياسياً لمنع زيادة نفوذ خصومها في الساحة، وتحديداً حركة حماس، وهو ما رأته السلطة خياراً جيداً في هذه المرحلة".
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب قد صادق في ديسمبر/كانون الأول 2017 على قرار يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، تلا ذلك افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في مايو/أيار 2018.
وكانت السلطة الفلسطينية قد تقدمت في 28 من سبتمبر/أيلول 2018، بطلب إدانة الولايات المتحدة الأمريكية في محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك القانون الدولي وتحديداً اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
وجاء في نص الدعوى على الولايات المتحدة الأمريكية التراجع عن قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما يترتب عليها من تداعيات سياسية بما فيها سحب بعثتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة.
خطوة منفردة
خالد الشولي رئيس مؤسسة العدالة الواحدة لحقوق الإنسان من لندن التي تتابع مسار القضية قال لـ"عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية أقدمت على هذه الخطوة دون أن تعود لاستشارة الفريق القانوني الموكل إليه متابعة كل ما يتعلق بهذا النزاع في المحكمة، ونحن كفريق قانوني تشكل من استشاريين وحقوقيين فلسطينيين أبدينا استعداداً لتقديم كل الاستشارات الخاصة لخدمة المحامين الذين عينتهم السلطة لمتابعة هذه القضية، بالإضافة لممارسة دورنا في اقناع السياسيين ونواب في البرلمان الأوروبي بخطورة ما أقدمت عليه الولايات المتحدة".
وأضاف المتحدث أن "تقدم السلطة على تأجيل النظر في هذه القضية لا يندرج ضمن مسار فني أو قضائي، بل هي تعدّ من قِبَل السلطة والقيادة المتنفذة فيه على حقوق الشعب الفلسطيني والتفريط بحق السيادة على مدينة القدس، كان مأمولاً أن تستمر السلطة في مواصلة رفع هذه الدعوى، خصوصاً أن القانون الدولي واتفاقية فيينا تدعم موقف الفلسطينيين، وتدين خطوة الولايات المتحدة الخاصة بنقل السفارة، وعليه سيرتب على القرار في حال صدوره تداعيات سياسية أهمها إبقاء القدس ضمن دائرة الصراع، وأن كل ما صدر سابقاً من إجراءات أمريكية بحق القدس هي باطلة وغير ملزمة لأي طرف".
إسلام البياري، أستاذ القانون الدولي في جامعة الاستقلال، قال لـ"عربي بوست" إن "ما تستند إليه السلطة الفلسطينية من موقف قانوني وفقاً لاتفاقية فيينا 1961 التي تؤطر العمل الدبلوماسي الدولي فإن الولايات المتحدة لا يحق لها أن تقدم على افتتاح سفارة لها في مدينة القدس كونها تخضع لوضع قانوني خاص، حيث لا تزال القدس في موضع نزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبذلك يجب أن يبقى الوضع على ما هو عليه دون أن تنحاز الولايات المتحدة لطرف دون الآخر إلى حين التوصل لاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل".
تسهيلات إسرائيلية بضغط أمريكي
سياسياً يتزامن قرار السلطة بسحب الدعوى من محكمة العدل الدولية في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل لمنح الفلسطينيين مزيداً من التسهيلات.
وصادقت إسرائيل بضغطٍ أمريكي على حزمة من التسهيلات في الأسابيع الأخيرة، كان من بينها منح السلطة قرض مالي بقيمة 800 مليون شيكل (250 مليون دولار).
كما وافقت إسرائيل على منح لمّ الشمل لنحو 10 آلاف فلسطيني، إضافة إلى زيادة عدد التصاريح الخاصة بعمال الضفة الغربية بنحو 30 ألف عامل من بينهم 5 آلاف سيعملون للمرة الأولى في قطاع الفنادق والسياحة الإسرائيلية.
بالتوازي مع ذلك عاد الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية لأول مرة منذ توقيفه في مارس/آذار 2017، حيث قدمت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ما قيمته 32 مليون شيكل (10 ملايين دولار) لدعم الميزانية الفلسطينية.
وتعاني السلطة من أزمة مالية منذ قرار الرئيس الأمريكي وقف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، ما تسبب في عجز مالي كبير تعاني منه الموازنة الفلسطينية وصل إلى مليار دولار في موازنة العام 2021، وتخطي الدين العام لمستوى 7 مليارات دولار للمرة الأولى في تاريخ السلطة الفلسطينية.