كشف مصدران دبلوماسيان أن روسيا منعت تعيين نيكولاس كاي، وهو عسكري بريطاني سابق له باع في العمل مع الأمم المتحدة لحل النزاعات، مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيج الاضطرابات الدبلوماسية قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في البلاد، نقلاً عن مجلة Foreign Policy الأمريكية.
وتأتي هذه الخطوة بعد أقل من أسبوع من استقالة مبعوث الأمم المتحدة المنتهية ولايته، الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش فجأةً من مهمته، عقب خلاف مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بشأن تعامل المنظمة مع الاستعدادات السابقة للانتخابات.
توترات بريطانية روسية
كما يأتي الاعتراض الروسي في أعقاب توترات مستمرة بين بريطانيا وروسيا، التي سبق أن منعت تجديد التعيين لعديد من خبراء العقوبات بالأمم المتحدة.
واحتجت موسكو على ما تعتبره انتشاراً لمواطنين بريطانيين -مع أن كثيراً منهم يحملون جنسيات مزدوجة- في وظائف مؤثرة في الأمم المتحدة.
كان غوتيريش يأمل في التحرك بسرعة لملء الفراغ في أعلى مناصب البعثة الدبلوماسية الأممية في ليبيا قبل الانتخابات، ووقع اقتراحه على الدبلوماسي البريطاني السابق الذي عمل من قبل ممثلاً خاصاً للأمم المتحدة في الصومال.
وقال دبلوماسيون إن غوتيريش يفكر في تعيين ستيفاني ويليامز، الدبلوماسية الأمريكية التي سبق أن عملت ممثلة خاصة بالإنابة للأمم المتحدة في ليبيا، ونائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، على أساس مؤقت، ومن ثم تجنُّب إجراء تصويت آخر مثير للجدل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
إلا أن بعض الدبلوماسيين قالوا إن هذه الخطوة من غير المرجح أن تنجح، لأنها ستثير استفزاز الروس، وكانت موسكو أعاقت في السابق خطة غوتيريش لجعل ويليامز ممثلته الخاصة الرسمية إلى ليبيا، واعترضت على خطته الطارئة لتمديد تفويضها في رئاسة البعثة بالإنابة. وفي عام 2017، منعت روسيا أيضاً تعيين المواطن الأمريكي الألماني ريتشارد ويلكوكس، وهو مسؤول كبير في برنامج الغذاء العالمي سبق له العمل في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض.
استقالة مفاجئة لكوبيش
كانت بعثة الأمم المتحدة وقعت في حالة من الارتياب بعد استقالة كوبيش المفاجئة، لا سيما أنها أعقبت الاستقالة المفاجئة لسلفه قبل أكثر من عام بقليل.
وقد تنحّى غسان سلامة عن منصبه في رئاسة البعثة الخاصة للأمم المتحدة، في مارس/آذار 2020، معتذراً بأسباب صحية شخصية، وتفاقم إحباطه من الطريقة التي تخنق بها القوى الإقليمية المتنافسة الجهودَ المبذولة لتحقيق الاستقرار والانتقال الديمقراطي في ليبيا التي مزقتها الصراعات.
أما كوبيش، الذي قدم استقالته في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، فكان قد عُين في منصبه في يناير/كانون الثاني، وفي إحاطة إعلامية أخيرة له في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عرض أن يظل في منصبه خلال إجراء الانتخابات في البلاد لضمان انتقال سلس.
لكن بقبول استقالته قرّر الأمين العام للأمم المتحدة إنهاء تفويض كوبيش، في 10 ديسمبر/كانون الأول، قبل أسبوعين من الانتخابات المقررة.
الأمم المتحدة تعجز أمام التوترات بليبيا
من جهة أخرى، فإن التغيير المستمر في قيادة البعثة الأممية إلى ليبيا يبرهن على موقف الأمم المتحدة غير المستقر هناك قبل الانتخابات، ويؤدي إلى شعور متصاعد بين المعنيين بمراقبة الأوضاع في ليبيا، بأن الهيئة الدولية عاجزة عن التخطيط لانتقال مستقر للحكومة في ليبيا.
ويُذكر أن ليبيا تموج بالصراعات والحرب منذ الإطاحة بمعمر القذافي، منذ أكثر من عقد، على إثر ثورة شعبية في عام 2011. وقد تحول الصراع إلى حرب بالوكالة، تدعم فيها قوى متنافسة -منها فرنسا وإيطاليا وروسيا وممالك الخليج الثرية ومصر- الفصائلَ الليبية المتنازعة على السيطرة في البلاد.
علقت الأمم المتحدة وواشنطن والقوى الأوروبية آمالها على الانتخابات الليبية، في أن تتيح للبلاد فرصةً لفتح صفحة جديدة، وإسدال الستار على عقد من الاضطرابات التي كابدتها البلاد منذ التدخل الذي قاده حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011.
لكن كثيراً من الخبراء يشككون في قدرة الانتخابات على إصلاح الانقسامات السياسية عميقة الجذور في البلاد، وأعربوا عن مخاوفهم من أن تؤدي المنافسة بين القوى المتخاصمة إلى عودة العنف.
وفي هذا السياق، حذَّر وزير الداخلية في الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة، خالد التيجاني مازن، هذا الأسبوع، من أن استمرار التهديدات بالعنف قبل الانتخابات قد يقوّض العملية برمتها، ويؤدي بالحكومة في النهاية إلى تأجيل العملية الانتخابية.
وقال مازن: "إن استمرار عرقلة الخطة الأمنية [الخاصة بتنظيم الانتخابات] واتساع رقعة الانتهاكات والاعتداءات… ينعكس مباشرة على سير العملية الانتخابية والالتزام بها في موعدها. يجب ألا يستمر السير في طريق يؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية وخروجها عن السيطرة".