بعد نقاش حاد في البرلمان وجدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وسجال بين الصحف الحكومية والخاصة، مرّر البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي، ومجلس الأمة) قانون مالية السنة الجديدة المثير للجدل.
ورغم أن القانون احتوى على الكثير من المواد المثيرة فإن المادة 187 كانت الأكثر إثارة ونقاشاً، لما تحمله من قرارات وغموض معاً.
وتتضمّن المادة مراجعة نظام الدعم، وإقرار تحويلات نقدية مباشرة للطبقتين المتوسطة والفقيرة، بدل اعتماد أسعار مخفّضة للمواد الأساسية.
ولم تُشر المادة إلى آليات تطبيقها ولا حتى المدة الزمنية التي سيتم الانتقال فيها إلى النظام الجديد، ما جعلها مبهمةً ومفتوحة على جميع الاحتمالات، خاصةً أنها مرّرت.
أهداف الحكومة
قال الوزير الأول الجزائري، أيمن بن عبد الرحمن، خلال مرافعته لصالح قانون مالية السنة الجديدة أمام البرلمان، إنه يجب التخلص من سياسة الدعم الحالية، لأنها تكلف الدولة مليارات الدولارات، ومع ذلك لا تذهب إلى مستحقيها الحقيقيين.
وكشف الوزير أن الأغنياء يستفيدون أكثر من الفقراء من سياسة الدعم الحكومي التي تكلف الخزينة العمومية 17 مليار دولار سنوياً.
وبحسب الحكومة فإن تقليص هذه الفاتورة من شأنه إصلاح العطب في الموازنة العامة التي تعاني عجزاً كبيراً منذ قرابة 5 سنوات، وتوقيف نزيف احتياطات الصرف التي خسرت قرابة 100 مليار دولار منذ 2014.
وترى الحكومة أن الأموال الضخمة التي يلتهمها الدعم للمواد الأساسية يمكن أن يصرف نصفها في التنمية في حال تم ترشيده.
وأيد المحلل السياسي فاروق حركات قرار رفع الدعم على المواد واسعة الاستهلاك بشروط قائلاً: "أعتقد أنه قبل رفع الدعم عن المواد الأساسية يجب توفر قاعدة بيانات حقيقية يتم عبرها تحديد الفئات التي ستستفيد من الدعم المالي المباشر من الدولة" .
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أنه "يجب الإشارة إلى وجوب تحضير قاعدة بيانات تشمل جميع الشعب الجزائري، والأمر يتطلب وقتاً طويلاً، وقد يصل إلى سنوات عديدة، حالياً الدعم يمسّ جميع الفئات غنية وفقيرة ومتوسطة، وهذا غير معقول، إذ يشتري رجل أعمال أو مسؤول في منصب سامٍ المواد الأساسية بنفس الأسعار التي يشتريها محدودو الدخل، لذلك أنا مع رفع الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه مباشرة".
تحفظات المعارضة
لم تتمكن المعارضة من إسقاط أو تعديل المواد المثيرة للجدل في قانون المالية، بسبب تحالفات أحزاب الأغلبية من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
لكنها حاولت لفت الأنظار إلى المادة 187 من خلال تركيز جل نواب حركة مجتمع السلم (65 نائباً) في مداخلاتهم عليها، وقد نجحوا فعلاً في ذلك بحيث أصبحت حديث العام والخاص.
ويشكك الرافضون لهذه المادة في مدى قدرة الحكومة على توجيه الدعم لمستحقيه فعلاً، إذ يعتقدون أنها لا تملك الآليات والأرقام التي تتيح لها ذلك.
كما يرون أن العملية بحاجة إلى أجهزة إحصاء دقيقة ونظام إلكتروني على مستوى عالٍ وهو ما لا تملكه الجزائر.
وتساءل المحلل السياسي فاتح بن حمو عن الآليات التي يمكن للحكومة أن تعتمدها في توجيه الدعم، وهي التي فشلت في إدارة ما يسمى "قفة رمضان" المخصصة للعائلات الفقيرة بداية الشهر الفضيل.
وقال بن حمو لـ"عربي بوست" إنه متأكد أن تطبيق المادة 187 لن يكون خلال السنة القادمة، لأنه يتطلب عملاً جباراً وتكنولوجيا وإحصاء دقيقاً، وهو ما لا تملكه الجزائر حالياً.
وأضاف المتحدث ذاته أن المادة المثيرة للجدل في قانون المالية بحاجة إلى قانون أساسي يوضحها ويناقش تحت قبة البرلمان بمشاركة مختلف الفاعلين، لأن الأمر يتعلق بقضية الدعم التي يستفيد منها حالياً 45 مليون جزائري.
غليان اجتماعي في الجزائر
وتعيش الجبهة الاجتماعية في الجزائر على صفيح ساخن لم تعشه منذ أكثر من 30 سنة، إذ تحركت أسهم جميع الأسعار في البلاد نحو الأعلى بطريقة غير طبيعية، تُرجعها الحكومة إلى الجائحة وآثارها الاقتصادية على العالم عموماً.
ولا يبدو هذا التبرير مقنعاً لغالبية الجزائريين الذين يرون خبزهم وخضرهم وفواكههم تزيد يوماً بعد يوم أضعافاً مضاعفة.
ورغم أن البلاد منهكة وخرجت لتوها من حراك شعبي أسقط نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فإن خيار الشارع يبقى وارداً مجدداً، لكن هذه المرة لأسباب اجتماعية كما حدث سنة 2011، بسبب رفع أسعار الزيت والسكر، أو سنة 1988 حين عرفت البلاد احتجاجات عارمة بسبب الغلاء ونقص المواد الأساسية في الأسواق.
ولم يستبعد فاروق حركات فرضية عودة الاحتجاجات الاجتماعية، في حال تم رفع الدعم بطرق عشوائية دون دراسة مستفيضة.
بينما شكك بن حمو في إمكانية أن يكون الشارع لاعباً أساسياً في مسألة رفع الدعم وإعادة توجيهه، مؤكداً أن الجزائريين بعد فشل حراكهم لم يعودوا يؤمنون بالشارع كخيار للتغيير.