جاء قرار وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل بتصنيف حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية، ليعيد تسليط الضوء على دخول بريطانيا كإحدى ساحات للصراع بين حركة حماس ودولة الاحتلال، في ظل تنامي حالة التأييد التي تحظى بها الحركة في الساحة الأوروبية في السنوات الأخيرة والقلق الإسرائيلي من تنامي هذا التأييد للقضية الفلسطينية.
لم يتأخر الاحتفاء والترحيب الإسرائيلي بهذا القرار؛ إذ أشاد به رئيس الحكومة نفتالي بينت قائلاً: حماس منظمة إرهابية وذراعها السياسي هو الذي يساعد الذراع العسكري في العمل مضيفاً هم نفس الإرهابيين لكنهم يرتدون البدلات فقط".
تحريض الشاباك
حازم قاسم المتحدث باسم حركة حماس قال لـ"عربي بوست" إن "الحركة لم تصلها أي إشارات سياسية عن اعتزام بريطانيا اتخاذ خطوة خطيرة كهذه، لقد عرفنا من وسائل الإعلام، والتحريض الإسرائيلي كان حاضراً وراء هذه الخطوة من قبل وزيرة الداخلية البريطانية، نحن نعلم خطورة تبني مثل هذه الخطوة في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية حالة تضامن غير مسبوقة في المحافل الدولية خصوصا بعد معركة سيف القدس الأخيرة".
وأضاف: "من شأن القرار تعقيد جهود الحركة في اختراق الساحة الدولية، نحن نتبنى هذه الاستراتيجية كأحد أهم أدوات الصراع مع دولة الاحتلال، وقد نجحنا في تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية وتفعيل معركة الرواية والمظلومية لدى الأوساط السياسية الأوروبية والدولية على حد سواء، ولكن صدور مثل هذا القرار سيعقد الأمور لدى الحركة وقد يدفعنا لتبني خطوات قانونية لإعادة الأمور لما كانت عليه قبل إصدار التصنيف الجديد للحركة".
وتابع: "لدى حركة حماس الكثير من الأدوات لتوظيفها في الصراع مع دولة الاحتلال، نجاح الاحتلال في التحريض على الحركة لن يوقف جهودنا التي بدأنا بها مع شركائنا وأصدقائنا في بريطانيا وأوروبا لعزل الاحتلال وكشف وجهه الاستعماري".
كشف حافظ الكرمي رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا لـ"عربي بوست" أن "التحريض الإسرائيلي تؤكده الشواهد التي رصدناها في بريطانيا خلال الأشهر الماضية، من بينها تعطيل وإلغاء عدد من مؤتمرات التضامن مع القضية الفلسطينية التي كان من المقرر تقديمها في الأسابيع الأخيرة من منظمات المجتمع المدني وهيئات حقوقية وأهلية واتحادات نقابية".
وأضاف: "بعض الأوساط السياسية في الحكومة البريطانية أبلغتنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي طلب من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إدراج حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية على هامش قمة المناخ التي عقدت في غلاسكو مطلع الشهر الجاري".
وأضاف: "نحن على أعتاب مرحلة سياسية بالغة الخطورة في حال تم تمرير هذا القانون في مجلس العموم، لأن المستهدف من هذا القرار ليس حركة حماس التي لا يوجد لها أي نشاط سياسي داخل أراضي المملكة، بل إن الخطر الذي نخشاه هو أن يكون هذا القانون مقدمة لاستهداف الحكومة لحملات التضامن التي تقودها منظمات المجتمع المدني الداعمة للقضية الفلسطينية التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها نظراً لدورها البارز والمؤثر في عزل إسرائيل عن محيطها الدولي في السنوات الأخيرة من خلال حملات المقاطعة".
ما قاله الكرمي أكد عليه نير دفوري مراسل القناة "12" العبرية، بأن جهاز الشاباك الإسرائيلي نقل لنظيره البريطاني إحاطات خاصة وصلت لصناع القرار في بريطانيا، شملت مواد ومعلومات عن نشاطات الحركة في الساحة البريطانية وكيف تتخذ حركة حماس من أراضي المملكة قاعدة لبناء قوتها السياسية والعسكرية.
جاء قرار وزيرة الداخلية البريطانية في وقت تسعى فيه إسرائيل لاستخلاص العبر والدروس من حرب غزة الأخيرة، التي أقرت فيها إسرائيل بالفشل في إدارة معركة الرواية والرأي العام؛ حيث مثلت الساحة الأوروبية بشكل عام والبريطانية بشكل خاص أحد أهم العوامل التي كانت وراء وقف إسرائيل لحربها في غزة والقدس، نتيجة المظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت المدن الأوروبية خلال الحرب وبعدها.
على المستوى الفلسطيني قوبل القرار البريطاني باستنكار واسع؛ إذ اعتبرته حركتا حماس والجهاد الإسلامي انحيازا للرواية الإسرائيلية، في حين رأت فيه الجبهة الشعبية استهدافاً مباشراً لمشروع المقاومة.
الجالية الفلسطينية في بريطانيا
تمثل الساحة البريطانية أحد أبرز المناطق التي تتواجد فيها الجالية الفلسطينية في القارة الأوروبية، ويتراوح عددهم وفقاً لبعض المصادر ما بين 15_ 20 ألفا، بجانب ذلك تضم بريطانيا سلسلة من الجمعيات والمؤسسات المدنية المناصرة للقضية الفلسطينية أهمها مركز العودة الفلسطيني، النادي العربي، جمعية العون الطبي الفلسطيني، رابطة الجالية الفلسطينية، المنتدى الفلسطيني.
تعمل هذه المؤسسات كجبهة سياسية لدعم ومناصرة القضية الفلسطينية، عبر تنسيق المواقف مع هيئات فلسطينية في الداخل أبرزها منظمات حقوق الإنسان لوضع الجرائم والمسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم البريطانية، بالإضافة لإجراء لقاءات مع سياسيين ونواب بريطانيين لوضعهم في صورة الوضع الذي تعيشه القضية الفلسطينية.
في هذا العام شهدت العاصمة البريطانية- لندن- أكبر مظاهرة احتجاجية في القارة الأوروبية شارك بها قرابة 200 ألف متضامن نددوا فيها بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة، في حين تعرضت سفيرة إسرائيل في بريطانيا تسيبي حوتوبيلي في 10 من الشهر الجاري لإهانة بعد أن تم منعها من إلقاء محاضرة في إحدى الكليات في العاصمة لندن.
خالد الشولي، رئيس مؤسسة العدالة الواحدة لحقوق الإنسان، من بريطانيا قال لـ"عربي بوست" إنه "ليس هنالك ما يدعو للقلق حول تأثير القانون في حال تمريره على الجالية الفلسطينية في بريطانيا، كون القانون يحظر أي نشاط سياسي لحركة حماس في أراضي المملكة المتحدة ما لم يثبت أمام السلطات انتماء أحد الأشخاص للحركة، ولكن خطورة القانون هي التضييق على عمل المؤسسات الأهلية والمدنية، لأن بعض المؤسسات الفلسطينية في بريطانيا تتلقى تمويلاً من قبل الحكومة ومن هيئات دولية، وبذلك قد تبدأ الجهات الحكومية إعادة النظر في نشاط هذه المؤسسات خشية من أي ثغرة قد تستغلها إسرائيل لإثبات وجود علاقة تربطها بحماس".
عدنان حميدان، الكاتب الصحفي من بريطانيا، قال لـ"عربي بوست" إن "مشروع القرار الذي تحاول وزيرة الداخلية تمريره لتصنيف حماس كمنظمة إرهابية لا يزال يصنف على أنه مسودة، أي أنه سيحتاج إلى إجراءات ومناقشات من قبل البرلمان والهيئات التشريعية للمصادقة عليه، وخلال هذه الفترة يمكن أن يحاول الفلسطينيون إسقاط القانون عبر إقناع النواب وأعضاء البرلمان بعدم مشروعيته وأنه يتعارض مع سياسة الدولة الخارجية باعتبارها لا تمثل طرفا مباشرا في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي".
وأضاف: "هنالك تعويل على جهاز القضاء البريطاني لإسقاط القانون، كون القضاء البريطاني معروف بأهليته واستقلاليته، وهذا يتطلب جهوداً مضاعفة من قبل الجالية الفلسطينية في أوروبا لتفنيد المزاعم التي قدمتها وزيرة الداخلية لتمرير هذا القانون".