على وقع التطورات السياسية المحلية والشلل الحكومي اللبناني وأزمة لبنان مع دول الخليج- وتحديداً المملكة العربية السعودية- على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، وصل وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى بيروت مساءً الإثنين، قادماً من زيارة كان قد أجراها لطهران، التقى خلالها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيره الإيراني حسين أمبر عبد اللهيان، الأمر الذي اعتُبر ذا دلالات إقليمية.
وتأتي هذه الزيارة في ظل التطورات السياسية والواقع الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان منذ سنتين تقريباً، إذ أجرى الوزير التركي مشاورات سياسية مع الرؤساء الثلاثة، ميشال عون، ونجيب ميقاتي، ونبيه بري، كما التقى نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب في وزارة الخارجية اللبنانية وعقد معه مؤتمراً صحفياً، إضافة إلى لقاء شخصيات سياسية واقتصادية لبنانية رفيعة المستوى.
ووفقاً لمصدر دبلوماسي مطلع أكد لـ"عربي بوست"، أن الزيارة تندرج في إطار سعي أنقرة لدعم لبنان ومساعدته في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الذي يعانيه.
كما أن الضيف التركي سيجدد دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لزيارة تركيا وإقامة اتفاقات تعاون بين الجانبين في مجالات متعددة، كانت قد أبدت أنقرة استعدادها لمساعدة لبنان فيها.
في السياسة اللبنانية وأزماتها
يؤكد مصدر حكومي لبناني رفيع، لـ"عربي بوست"، أن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ناقش في طهران مع المسؤولين الذين التقاهم الملف اللبناني، وأن النقاش بين الجانبين توصل إلى اتفاق على خفض التصعيد السياسي في لبنان، ووقف التعطيل الحكومي الحاصل، عبر إيجاد صيغ وحلول تنهي الأزمة بين دول عربية ولبنان نتيجة ملفات لبنانية وإقليمية كبيرة.
وبحسب المصدر فإن المسؤول التركي نقل رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين- وتحديداً رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي- حرص تركيا على إعادة تفعيل الحكومة اللبنانية ووقف التعطيل الحاصل في جلساتها، والذهاب لإجراء الانتخابات البرلمانية في وقتها، أي في شهر مارس/آذار من العام القادم.
ووفقاً للمصدر فإن اللقاء الذي جمع رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي والبرلمان نبيه بري عقب مغادرة الوزير التركي، دار حول ضرورة إيجاد حل للأزمة السياسية المتعلقة بملفي القاضي طارق البيطار المحقق العدلي في جريمة مرفأ بيروت، وملف تصريحات الوزير جورج قرداحي وما تمخض عنها من أزمة دبلوماسية كبيرة مع السعودية ودول الخليج.
ووفقاً للمصدر فإن المسؤول التركي أوضح للمسؤولين اللبنانيين حرص بلاده على لبنان وعلى أن يتفاعل مع المبادرة القطرية التي سيُعلَن عنها فور قدوم وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى بيروت خلال الأيام القادمة.
مشاريع مشتركة.. هل يقبل لبنان؟
يؤكد المصدر أن الوزير التركي حمل في جعبته عرضاً تركيّاً لإقامة مجموعة من المشاريع في لبنان بالتعاون مع الحكومة اللبنانية.
ويكشف أن المشاريع التركية هي مشروع لمحطة الحاويات في مرفأ بيروت بالتعاون مع مرفأ مرسين، إضافة إلى مشروع إنشاء خط قطار من جنوب بيروت يمر بمدينة طرابلس ويصل إلى منطقة العبودية في عكار، على أن يصل لاحقاً إلى سوريا.
ويؤكد أن المسؤول التركي عرض على المسؤولين في بيروت مشروعاً لمعالجة أزمة النفايات الكبيرة في لبنان، التي تهدد الأمن الصحي، عبر استجلاب مشروع لفرز النفايات الصلبة وتحويل الجزء الأهم من الغاز المنبعث من النفايات إلى غاز لتوليد الطاقة الكهربائية بالتعاون مع الجهات التركية المختصة.
ويشدد المصدر على أن لبنان أمام عروض جدية وعليه الاختيار بين تنفيذها مع الجانب التركي أو رفضها كما جرت العادة، لحسابات داخلية مرتبطة بالتزام مشاريع لرجال أعمال محسوبين على الأحزاب، وحسابات خارجية مرتبطة بإرضاء دول إقليمية كإيران أو السعودية كما جرت العادة، خاصةً أن الجانب التركي يشرف على تنفيذ مشاريعه بشكل مباشر عبر فريق مختص.
ميقاتي ووزراؤه في أنقرة
يؤكد المصدر الحكومي اللبناني أن ترتيبات بدأت لزيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتركيا للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أن تسبقها زيارة للقاهرة سيجريها ميقاتي؛ للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومسؤولين في الخارجية والمخابرات المصرية.
ويؤكد المصدر أن الجانب التركي وجَّه دعوات إلى وزراء لبنانيين لزيارة أنقرة، في إطار مذكرات تعاون بمجالات الطاقة والأمن والبيئة والصناعة والسياحة، وأن بعض المسؤولين اللبنانيين أبدوا استعدادهم لتلبية الدعوة، في إطار البحث عن مشاريع مع دول المنطقة المهتمة بالاستثمار في لبنان.
الوزير القطري في بيروت
بالتوازي تتحدث مصادر سياسية لبنانية، لـ"عربي بوست"، عن أن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، سيصل إلى بيروت خلال هذا الأسبوع، عقب زيارة سيجريها للقاهرة، في إطار الجهود التي وعد بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، رئيسَ الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، بهدف حل الأزمة المستجدة بين لبنان ودول الخليج.
ووفقاً للمصدر فإن الجانب القطري ينتظر من لبنان إجراءات تؤكد مدى التزامه بتبديد هواجس محيطه العربي.
وهذه الإجراءات، وفق المصدر، تتصل بإقالة أو استقالة الوزير جورج قرداحي للبدء بحوار جدي مع الجانب السعودي المعنيّ الأول بهذه الأزمة، والذي يشعر باستهدافه من قِبل فصيل لبناني محدد.
ووفقاً للمصدر فإن الوزير القطري سيجري لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، إضافة إلى أنه سيتواصل مع حزب الله بغية التوصل إلى حل للأزمة العالقة والذهاب نحو تفعيل اجتماعات مجلس الوزراء المعطل.
ويرى المصدر أن التحرك القطري جاء استكمالاً للجهود العربية التي تعرضت لنكسة، من جراء فشل مسعى جامعة الدول العربية بعدما خرج مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، حسام ذكي، من بيروت خالي الوفاض في الأسبوع الماضي، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم الأزمة، من هنا أدارت الدوحة محركاتها على صعيد الاتصالات بعدما كانت تقارب الشأن اللبناني من باب الاطلاع فقط.
ويقول المصدر إن الدوحة عمدت خلال اليومين الماضيين، عبر وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى البدء بمشاورات استهلها مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، على أن يستكملها مع المسؤولين في القاهرة قبل أن ينتقل إلى المرحلة الأهم، والمتعلقة بالتدخل لدى الجانب السعودي وأطراف خليجية أخرى، لذا فإن المصدر اللبناني يرجح أن تكون زيارة المسؤول القطري بتنسيق مع الأمريكيين، خصوصاً أنه يأتي الى بيروت مباشرة من واشنطن.
ويرى المحلل السياسي اللبناني جورج شاهين أن اللقاء الذي دار بين وزيري الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تركّز البحث في جزء مهم منه على ما يجري في لبنان، حيث توقّفا ملياً أمام مستجدات الأزمة الدبلوماسية مع السعودية وانعكاساتها على الساحة الداخلية التي تعاني مجموعة أزمات، زادت تفاقم الاقتصادية منها والتجارية والمالية الى حدود خطيرة.