أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الإثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، موافقة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على شركة المرتزقة الروسية فاغنر، فيما حذَّر دبلوماسيون أوروبيون من أنَّ الشركة تشكل تهديداً متزايداً لمصالح الاتحاد، وفقاً لما نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الثلاثاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
بحسب لودريان، توصَّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي مبدئي لاستهداف مسؤولي فاغنر والكيانات المرتبطة بالشركة، التي اتهمها مسؤولون غربيون بالتدخل أو السعي للتدخل في صراعات أوكرانيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
كما أوضح لودريان للصحفيين، على هامش اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لبحث قضية مالي، أن "هناك رغبة مشتركة بين دول الاتحاد لتقرير إطار عمل قانوني لعقوبات ستُفرض على مجموعة فاغنر، وهي شركة روسية، تستخدم أعضاء عسكريين روس سابقين، ومقرها في روسيا، وتتدخل في العديد من المسارح الخارجية ".
إحداث الفوضى
فيما اتهم لودريان شركة فاغنر بإحداث الفوضى في البلدان التي تتدخل فيها، وبارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وإذكاء التوترات العرقية، مشدّداً على أنه من الواضح أن فاغنر تتصرف بمباركة السلطات الروسية.
جاء الاتفاق الأوروبي المبدئي بعد أن قالت فرنسا مراراً وتكراراً خلال الأسابيع الأخيرة إنَّ حكومة مالي بدت قريبة من دعوة فاغنر إلى البلاد، حيث تنشر باريس آلاف الجنود، ويقدم الاتحاد الأوروبي مساعدة كبيرة.
كانت رويترز قد ذكرت في سبتمبر/أيلول الماضي أن المجلس العسكري في مالي يُجري مباحثات بخصوص نشر مجموعة فاغنر الروسية في مالي، وهو أمر غير مقبول لفرنسا باعتبار أن لها قواتٍ في المنطقة.
في حين يؤكد مسؤولون فرنسيون أن المجلس العسكري في مالي يلجأ إلى مجموعة فاغنر في إطار جهود تشبثه بالسلطة بعد الفترة الانتقالية المقرر أن تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية في 27 فبراير/شباط 2022.
وتوترت العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة بشأن فاغنر، ومنذ أن قالت باريس في يونيو/حزيران الماضي إنها ستعيد تشكيل بعثتها لمكافحة الإرهاب في المنطقة وقوامها خمسة آلاف فرد.
حيث يتهم رئيس وزراء مالي باريس بالتخلي عن باماكو. ومالي التي تقع في غرب إفريقيا مستعمرة فرنسية سابقة.
إقرار العقوبات النهائية الشهر المقبل
بدورهم، أوضح مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنَّ الكتلة ستستخدم أنظمة العقوبات الحالية في الاتحاد الأوروبي لاستهداف فاغنر، الأمر الذي سيسمح للقيود بأن تكون جاهزة لاجتماع وزراء الخارجية خلال الشهر المقبل.
إلا أنه تفادياً لإجراء قانوني مطوَّل فإن أي عقوبات ستكون على الأرجح من خلال قواعد عقوبات الاتحاد الأوروبي الراهنة. وقال دبلوماسيون مؤيدون لدعوات فرنسا إن جمع الأدلة سيستغرق بعض الوقت حتى لا يتم إلغاء تجميد الأصول وحظر السفر بأمر قضائي.
فيما تتهم واشنطن وبعض دول الاتحاد الأوروبي مجموعة فاغنر بأنها قوة تعمل بالوكالة عن وزارة الدفاع الروسية، بينما ينفي الكرملين أية صلات رسمية بهذه المجموعة.
نفي روسي
إذ قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إنَّ عقوبات الاتحاد الأوروبي لا علاقة لها بالحكومة أو "روسيا الرسمية".
بيسكوف أضاف: "هذا يتعلق بشركة روسية، (لم يُقدَّم ضدها أي دليل على نشاط غير قانوني)، الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أنها شركة روسية شيطانية للغاية، لكننا لم نسمع أبداً أي دليل مفهوم".
لكن سبق أن قال ما يزيد على 12 شخصاً يرتبطون بمجموعة فاغنر لرويترز إنها نفذت مهام قتالية سرية نيابة عن الكرملين في أوكرانيا وليبيا وسوريا.
في هذا السياق، قال دبلوماسيون إنَّ تصرفات فاغنر في أجزاء من إفريقيا عقّدت مسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتعميق التواصل مع موسكو بشأن الأمن والقضايا الدولية الأخرى.
اضطراب العلاقات الأوروبية-الروسية
تأتي تلك الخطوة الأوروبية في غمار تجدد الاضطراب في العلاقات الأوروبية-الروسية بشأن التعزيزات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، ودعم الكرملين لرئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، وعدم اليقين بشأن إمدادات الغاز الروسية، وحملة موسكو على المعارضة الداخلية في البلاد.
في هذا الإطار، وسَّع الاتحاد الأوروبي، يوم الإثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني، العقوبات المفروضة على نظام لوكاشينكو في بيلاروسيا، وأعلن عقوبات جديدة ضد الأشخاص الذين يعرقلون العودة إلى الديمقراطية في مالي.
جدير بالذكر أن فاغنر برزت على خلفية التدخلات الروسية السرية في شرق أوكرانيا في عام 2014، حيث عمل الكرملين مع الجماعات المسلحة التي أرسلها رجال الأعمال الروس المرتبطون بالسياسة.
وفقاً لمسؤولين أوروبيين، تُموَّل فاغنر جزئياً من خلال عقود خدمات توريد الأطعمة والبناء مع القوات المسلحة الروسية بملايين الدولارات، التي مُنِحَت لشركات مرتبطة بيفجيني بريغوجين، صاحب مطعم سابق. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بريغوجين، في العام الماضي، لتورطه المزعوم في الصراع الليبي.
بينما لجأت فاغنر إلى سوريا مع تراجع القتال في أوكرانيا في عام 2015، حيث تدخلت روسيا لصالح رئيس النظام بشار الأسد. وفازت شركات بريغوجين بامتيازات النفط والغاز هناك.
كذلك نشرت فاغنر، في الآونة الأخيرة، مرتزقة في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان، بحسب مسؤولين أمريكيين. واتهمت الولايات المتحدة فاغنر بنشر العنف والانفلات الأمني في تلك الدول، وهي تهمة رددها مسؤولون أوروبيون.
يُشار أيضاً إلى أنَّ بريغوجين، مؤسس فاغنر، أنشأ شبكة تسمى وكالة أبحاث الإنترنت التي تقول وزارة العدل الأمريكية إنها كانت وراء الجهود الروسية لبث الشقاق بين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وأدرجت وزارة الخزانة بريغوجين وهذه الشبكة على القائمة السوداء في عام 2018، وشددت العقوبات على الشركات والأشخاص الذين تقول الوزارة إنهم متصلون بشبكته في إفريقيا.