كانت الجزائر إلى جانب العراق فقط، الرافضين لتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وذلك بعد اندلاع مواجهات مسلحة بين النظام والمعارضة في خضم الربيع العربي.
ولم تتوقف الجزائر عن المطالبة بعودة سوريا إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية، مؤكدة أن موقفها مبدئي وواضح وحاسم تجاه دمشق.
وقال وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقدوم، السنة الماضية، إن المكان الطبيعي لسوريا هو الجامعة العربية ولا يمكن مواصلة تجميد عضويتها.
وسار خليفته رمطان لعمامرة على نفس النهج، إذ أكد قبل أيام أنه سيكون من المناسب عودة سوريا للجامعة العربية خلال القمة القادمة التي ستحتضنها الجزائر شهر آذار/مارس القادم 2021.
كما كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حاسماً في مسألة عودة دمشق لمقعدها في البيت العربي، إذ قال في حوار تلفزيوني السنة الماضية إن "بلاده وفية لمبادئها الدبلوماسية، ولا تقبل أن يُمسّ أي شعب عربي أو دولة عربية بسوء، وسوريا من الدول المؤسسة للجامعة العربية ويجب أن تعود إليها في أقرب وقت ممكن".
وأشار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقعدة الذي تحدث لـ"عربي بوست" إلى أن الجزائر تريد محو كل آثار الربيع العربي بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
ماذا تريد الجزائر من سوريا؟
كشفت مصادر مطلعة أن الجزائر تنسق مع عدة دول عربية لتمكين سوريا من العودة إلى مقعدها في الجامعة العربية.
ووفق المصادر ذاتها، فإن الخارجية الجزائرية تعمل رفقة العراق ولبنان والإمارات على إقناع بعض الدول التي ما تزال متشددة وتحاول عرقلة عودة دمشق لمحيطها العربي.
وأضاف المصدر أن الجزائر تبرر سعيها لإعادة سوريا لجامعة الدول العربية كونها "ترغب في أن تكون قمة شهر آذار/مارس 2022 جامعة وموحّدة للصف العربي".
يذكر أن الجزائر كانت قد أشادت بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق معتبرة إياها خطوة في الطريق الصحيح.
عداء الربيع العربي
كانت الجزائر من أبرز الدول العربية التي أبدت عداءها الصريح لثورات الربيع العربي منذ 2011، إذ نظرت إليها كتهديد وجودي، لا سيما أن شرارتها الأولى كانت على حدودها من جارتيها تونس ثم ليبيا.
وظلّت الجزائر متحفظة تجاه الأنظمة التي تمخض عن الربيع العربي، سواء في تونس أو ليبيا أو مصر، كما كانت سباقة لدعم النظام المصري الجديد بعد انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي، بعد تجميد عضوية القاهرة في الاتحاد الإفريقي.
وكانت الجزائر أول دولة زارها الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي بعد توليه السلطة لطلب الدعم من أجل رفع التجميد عن القاهرة في المنظمة القارية وهو ما تم فعلاً بعدها بأسابيع قليلة.
وترى الجزائر أن سوريا ضحية لثورات الربيع العربي وتآمر خارجي يسعى لتفتيت المنطقة وفق مخططات ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.
وقال المحلل السياسي محمد دخوش لـ"عربي بوست" إن "العقل السياسي الجزائري كان يرى في الحراك التفككي أو ما يسمى بالربيع العربي يشكل خطراً على الجزائر وحلفائها في المنطقة ومن بينهم سوريا، لذلك لم يتخل عنها منذ البداية، وهو يقاتل اليوم من أجل عودتها إلى الجامعة العربية".
ويضيف المتحدث أن "الوقت أثبت أن الجزائر كانت على حق، بدليل الزحف الخليجي على سوريا، والذي بدأته الإمارات مؤخراً لإعادة العلاقات الدبلوماسية وتصحيح أخطاء الماضي"، على حد تعبيره.
هل سقوط سوريا يعني سقوط الجزائر؟
قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار تلفزيوني مع قناة الجزيرة قبل أسابيع، إن هناك من كان يصرح بأنه سيتفرغ للجزائر بعد أن يتم إسقاط سوريا.
ويرى الرئيس الجزائري أن سوريا تعرضت لمؤامرة من أجل إسقاطها وتفتيتها لأنها دولة قوية ومحورية في المنطقة.
ويبدو من خلال تصريحات تبون أن الجزائر كانت تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، فلم تكن تتوانى في الدفاع عن النظام السوري في المحافل الدولية، كما لم تغلق سفارة دمشق في الجزائر ولم تسحب سفيرها من هناك على غرار الكثير من الدولة العربية.
ويرى محللون أن دفاع النظام الجزائري عن النظام السوري نابع من تشابه النظامين المبنيين على أسسٍ عسكرية.
أما أستاذ العلاقات الدولية محمد دخوش فيعتقد أن الجزائر كانت تدافع عن نفسها بدفاعها عن سوريا، خاصة أنها كانت ستكون المستهدفة لا محالة بعد سقوط دمشق.
يتشابهان في كل شيء
لا يختلف اثنان على أن المواقف والتحالفات الدولية للجزائر ودمشق متشابهة إلى حد التطابق.
فالبلدان تربطهما علاقات قوية مع روسيا والصين اقتصادياً وعسكرياً، كما يرفضان أغلب سياسات الغرب في المنطقة.
وتعد سوريا والجزائر من بين دول محور ما يسمى "الممانعة" الرافض للتدخل الأجنبي في المنطقة، والمدافع عن حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته على أرضه.
ومن الطبيعي أن تدافع الجزائر عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لدعم مواقفها واقتراحاتها وخلق توازن داخل الجامعة وتحجيم الهيمنة الخليجية عليها.
ويعتقد المحلل السياسي الدكتور محمد دخوش أن "الجزائر حافظت طيلة السنوات الماضية على علاقات جيدة مع سوريا وحلفائها على غرار إيران، وهي الآن تجني ثمار رهانها على ذلك، لا سيما بعد أن عاد النظام السوري بقوة للسيطرة على أغلب البلاد".
أما أستاذ العلاقات الدولية توفيق بوقعدة فيرجع إصرار الجزائر على عودة دمشق للجامعة العربية إلى العلاقات التاريخية الثنائية بين البلدين قبل الاستقلال لاسيما أنهما كانتا مستعمرتين من طرف الاحتلال الفرنسي.