قال موقع The Intercept الأمريكي، في تقرير نشره يوم الخميس، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إنه حصل على وثيقة سرية وزعتها إسرائيل لتبرير تصنيف ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية على أنها "إرهابية"، لكنها لم تُقدم أي دليل دامغ على تورط أي من تلك المنظمات في أنشطة عنف.
الوثيقة السرية هي عبارة عن ملف يحوي التبريرات المزعومة، وقد حصل عليه الموقع الأمريكي بالتعاون مع موقعي +972 Magazine وLocal Call الأمريكيين، إلى جانب مجموعة من الوثائق الملحقة.
ملف سري للغاية
في حين صنّفت الحكومة الإسرائيلية الملف، الذي أعده جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، على أنّه سري. لكنها وزّعته على نطاقٍ واسع، والملف مبنيٌ بنسبةٍ كبيرة على استجوابات اثنين من المحاسبين كانا يعملان لصالح منظمة مدنية فلسطينية سابعة تم تصنيفها إرهابية في عام 2021 لكن محامي أحدهما قال إنّ تلك الشهادات قد تم الإدلاء بها تحت الإكراه.
تحصل المنظمات الفلسطينية المعنية، التي تحظى بعضها بتقديرٍ كبير في الساحة الدولية، على التمويل من عددٍ من الحكومات الأوروبية. وفي مايو/أيار 2021، أرسل المبعوثون الإسرائيليون الملف إلى الدول الأوروبية في محاولةٍ لإقناع حكوماتها بقطع التمويل عن المنظمات. لكن الملف فشل في إقناع مسؤولي الحكومات الأجنبية بقطع التمويل، حيث قال مسؤولون من خمس دول على الأقل إنّ الملف لم يُقدّم أي "أدلة دامغة"، ما دفعهم إلى مواصلة تقديم الدعم المالي.
من جانبه قال مايكل سفارد، محامي حقوق الإنسان الإسرائيلي الذي يمثل منظمة الحق في قضية التصنيف الإرهابي: "نظراً لعدم اقتناع الأوروبيين بتلك المزاعم؛ قرّرت (السلطات الإسرائيلية) اللجوء إلى الحرب غير التقليدية وإعلان تصنيف المنظمات على أنها إرهابية".
جهود لإغلاق المنظمات
هذه الجهود المبذولة لإغلاق المنظمات الحقوقية الفلسطينية يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها جزءاً من الحملة المستمرة منذ سنوات لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل، عن طريق إقناع المانحين الأوروبيين بسحب تمويلهم.
حيث أشار سفارد إلى أنّ المنظمات الست تم تصنيفها كمنظمات تشارك في جهود "نزع الشرعية" عن إسرائيل. وأردف: "كل شيء يتعلق بحقيقة أن تلك المنظمات تُروّج لمقاطعة إسرائيل، وتطالب بالتحقيق في جرائم الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية. والهجوم عليها هو هجومٌ سياسي تحت ستار الأمن".
في أعقاب إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، أدانت المنظمات المزاعم الإسرائيلية علناً، ووصفتها بأنها "اضطهادٌ سياسي". وخلال مؤتمرٍ صحفي عُقِد في رام الله بواسطة خمس من المنظمات الست، قال ممثلو المنظمات إنّهم يتعرضون للاستهداف باتهامات زائفة من أجل إسكاتهم، لأن عملهم كان يفضح انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية.
مع ذلك فقد صرّح مسؤولون بارزون من دولتين أوربيتين، تحدثوا للموقع الأمريكي شريطة السرية، بأنّ إسرائيل تجاهلت كل طلبات حكوماتهم بالحصول على المزيد من المعلومات منذ إعلان غانتس. بينما أصدر مسؤولون بارزون من ثلاث دول أوروبية أخرى بيانات تحوي المعنى نفسه لوسائل الإعلام.
استجواب المحاسبين
في السياق، يُركّز الملف بشكل أساسي على المزاعم الموجهة لمنظمة فلسطينية سابعة هي "لجان العمل الصحي"، واستجوابات اثنين من المحاسبين الذين عملوا لصالحها. وقد تمت إقالة المحاسبين سعيد عبدات وعمرو حمودة من منصبيهما بعد الاشتباه في ارتكابهما مخالفات مالية، بحسب وثيقة الحكومة الإسرائيلية. وفضلاً عن ملف الشاباك نفسه، فقد حصل الموقع الأمريكي على مئات الصفحات، من ملخصات عمليات استجواب عبدات وحمودة على يد الشاباك والشرطة الإسرائيلية.
لم يكشف الملف، أو ملخصات جلسات استجواب عبدات وحمودة المتكررة، عن أي معلومات دامغة حول علاقة المنظمات الست بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وبدلاً من ذلك، بنى المحاسبان -اللذان لم يعملا في أي من المنظمات الست- غالبية تأكيداتهما على الفرضيات العامة، وما زعموا أنها "أمور معروفة للجميع" أو معلومات منتشرة على نطاقٍ واسع.
بينما صرّح محامي حمودة للموقع الأمريكي بأنّ مُوكّله لم يقدم دليلاً على أي واقعة تمويل مباشر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. إذ أردف المحامي خالد الأعرج: "ليست هناك جملة واحدة في التحقيق يزعم فيها حمودة أنّه حوّل الأموال إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد حرّفوا شهادته من أجل اضطهاد منظمات حقوق الإنسان، وهذا أمرٌ يفعلونه منذ سنوات".
كما قال لبيب حبيب، محامي عبدات، إنّ المحققين ضغطوا على موكله لتوريط المنظمات الست الأخرى.
في حين قال نشطاء إسرائيليون مناهضون لأساليب الاستجواب القاسية إنّ ممارسات جهاز الشاباك، التي تحدث عنها حبيب، ترقى إلى مستوى التعذيب.
نتائج التحقيق
حمل الملف عنوان: "نتائج التحقيق: تمويلٌ أجنبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبر شبكة من منظمات المجتمع المدني"، مع شعار جهاز الشاباك. وأورد الملف أنّه برغم الأهداف الإنسانية لبعض هذه المنظمات، لكن جزءاً من التبرعات التي حصلوا عليها "وصلت للمنظمة الإرهابية المذكورة".
قال الملف إنّ المنظمات الست تتلقى دعماً مالياً من سويسرا، وألمانيا، وهولندا، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، والسويد، وإسبانيا، والاتحاد الأوروبي. وقد صرّح وزير الخارجية الهولندي ووزيرة التعاون التنموي البلجيكية علناً بأنّ المزاعم الإسرائيلية ضد المنظمات الست لم تحوِ "أيّ دليلٍ دامغ".
عقب حصولها على الملف، في مايو/أيار 2021، أجرت بلجيكا والسويد عمليات تدقيقية مستقلة في السلوكيات المالية للمنظمات الست المعنية، وعلاقتها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بحسب ما أفاد به المتحدثون باسم تلك الدول للموقع الأمريكي. ولم تعثر أي منها على أي دليل يدعم مزاعم الشاباك.