يتجه المغرب للاستثمار في الصناعة العسكرية، إذ أعطى القانون الجديد الضوء الأخضر لترجمة توجه الدولة لدخول مجال تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية.
ويسعى المغرب بهذه الخطوة إلى بناء صناعة عسكرية وطنية تُمكّنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي، والتخفيف من فاتورة الصفقات العسكرية وتوفير آلاف فرص العمل.
ويكلف شراء الأسلحة والمعدات العسكرية وقطع الغيار المغرب موازنة ضخمة، لذلك يرى مراقبون أن من شأن تصنيع بعض الأسلحة وقطع الغيار محلياً أن يخفف من ثقل هذه الموازنة.
وصادق البرلمان على القانون المنظم لهذه الصناعة وصدر رسمياً في الجريدة الرسمية قبل أن تصدر المراسيم التنظيمية له.
وينتظر أن يُؤسس المغرب "لجنة وطنية لعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة"، يرأسها الوزير المنتدب المكلف بالدفاع الوطني، ستكون مهمتها "دراسة وإبداء الرأي بشأن طلبات تراخيص التصنيع وتراخيص التصدير، وكذا دراسة وإبداء الرأي بشأن تعديل تراخيص التصنيع وتراخيص التصدير أو إيقافها أو سحبها".
كما ستُشكل لجنة للمراقبة لدى اللجنة الوطنية تتكفل بمراقبة الأنشطة التي يقوم بها الحاصلون على التراخيص.
الأسلحة التي سيتم صناعتها في المغرب
حدد القانون المتعلق بتنظيم الصناعة العسكرية بالمغرب الأسلحة التي سيتم تصنيعها في المملكة. وتتوزع على ثلاث فئات:
تُصنف الفئة الأولى ضمن "عتاد وتجهيزات وأسلحة وذخيرة الدفاع"، وتضم عتاد الحرب، وأسلحة، وذخيرة الدفاع، ومكوناتها وفروعها وأجزائها، وكل نظام أو برنامج معلوماتي، أو معدات للمراقبة، أو الرصد أو الاتصال.
وتصنف الفئة الثانية ضمن "عتاد أو تجهيزات وأسلحة وذخيرة الأمن" وتضم الأسلحة والذخيرة، ومكوناتها وفروعها وأجزائها وكل نظام أو برنامج معلوماتي أو معدات للرؤية والمراقبة والرصد والاتصال أو التنقل والحماية التي يمكن أن تخصص سواء للحفاظ على الأمن والنظام العامين أو للاستعمال العسكري.
وتندرج ضمن هاتين الفئتين الأسلحة النارية الخفيفة والأسلحة الرشاشة والمدافع ومدافع الهاويتزر ومدافع الهاون وقاذفات الصواريخ، وقاذفات القنابل اليدوية، والقنابل، والطوربيدات، والألغام، والقنابل اليدوية، والأجهزة الحارقة، والمركبات القتالية، والسفن الحربية، ومحركات الطائرات المصممة للصواريخ، والأقمار الاصطناعية وغيرها…
أما الفئة الثالثة فتتعلق بـ"الأسلحة والذخيرة المخصصة لاستعمالات أخرى"، وتضم أسلحة القنص والرماية والرياضة، والأسلحة المستعملة في انطلاق المنافسات الرياضية، والأسلحة التقليدية وأسلحة الهواء المضغوط، وكذا ذخيرة هذه الأسلحة ومكوناتها وفروعها وأجزائها.
دوافع إنشاء صناعة عسكرية
يعدد الخبير الأمني والعسكري محمد شقير لـ"عربي بوست" عدداً من الأسباب التي دفعت المغرب للمضيّ في اتجاه إنشاء نواة صناعية حربية، من بينها السعي لتلبية احتياجاته من الأسلحة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والتخفيف من فاتورة التسلح.
وأشار شقير إلى أن فاتورة المغرب من اقتناء الأسلحة في إطار تحديث ترسانته العسكرية وتسابقه نحو التسلح مع دول في محيطه الإقليمي تكلفه مبالغ مالية هائلة، مضيفاً أن "تصنيع بعض المعدات العسكرية، خاصة قطع الغيار سيخفض تكاليف الفاتورة العسكرية".
إلى جانب ذلك، يلفت شقير إلى أن المغرب يمتلك بنية تصنيعية أساسية ستسهل عليه تصنيع الأسلحة محلياً، حيث لديه مصانع في مجال الطيران والسيارات، وهذه الأرضية الصناعية يمكنه أن يحولها من صناعات مدنية إلى صناعات عسكرية.
فاتورة المغرب في التسلح
يكلف شراء الأسلحة والمعدات العسكرية فاتورة ضخمة سنوياً، وخصصت الحكومة المغربية في موازنة 2021 حوالي 111 مليار درهم ( 12 مليار دولار) لشراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية، وهي النفقات التي سترتفع العام المقبل، إذ كشف مشروع موازنة 2022 أن النفقات المخصصة لهذا البند تُناهز 116 مليار درهم (حوالي 13 مليار دولار).
وأبرم المغرب في السنوات الأخيرة عدداً من الصفقات لشراء أسلحة متطورة وتحديث أسطوله العسكري البحري والجوي والبري.
وكان آخرَ هذه الصفقات اتفاقٌ مع تركيا لاقتناء مُسيَّرات "بيرقدار تي بي 2" بـ80 مليون دولار يتضمن توريد 13 طائرة من مُصنعها التركي.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي أن "المغرب تسلم الدفعة الأولى من الطائرات المسيّرة المسلحة التي طلبها في أيار/مايو 2021".
من جهته أورد موقع "ديفانسا" المتخصص في الشؤون العسكرية أن المملكة المغربية زادت خلال العام الماضي، إنفاقها العسكري بنسبة 30% لتتجاوز 4.8 مليار دولار.
وعقد المغرب صفقات مع وزارة الدفاع الأمريكية لشراء صواريخ "JSOW" التي يمكن استخدامها بواسطة السفن والطائرات الحربية وطائرات "F-16″، التي يمكن لمداها أن يصل إلى 550 كيلومتراً.
وفي 2019، كان المغرب أول زبائن السلاح الأمريكي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بحجم صفقات بلغت قيمتها 10,3 مليار دولار، أغلبها موجّه للقوات الملكية الجوية المغربية، حسب مجلس فوربس.
هذا وينوي المغرب استكمال دائرة تسليحه البحري بغواصات ستكون الأولى ضمن أسطوله، فيما تتحدث مصادر إعلامية عن اهتمامه بغواصة "سكوربين" فرنسية الصنع لشركة "نافال غروب".
دعم وخبرة أمريكية
يعول المغرب على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إطلاق مشاريع التصنيع الحربي، وقد وقعت الرباط وواشنطن العام الماضي اتفاقاً عسكرياً يمتد لعشر سنوات (2020-2030).
هذا الاتفاق لا يقتصر على التعاون في مجال التدريبات العسكرية وإبرام الصفقات، بل يشمل أيضاً بناء منشآت لتصنيع الأسلحة وتبادل الخبرات.
ويؤكد شقير أن المغرب يراهن على الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه وقع اتفاقيات أمنية مع إسرائيل بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، وسيستعين بخبرتها فيما يتعلق بصناعة الطائرات بدون طيار، أو ما يعرف بطائرات "كاميكاز".
وخلال السنوات الأخيرة، أبرم المغرب العديد من الاتفاقيات لشراء براءات اختراع من بعض الشركات والمركبات الصناعية من دول أوروبية وروسيا والصين والهند، بهدف صناعة وتطوير بعض الأسلحة.
تدابير لإنجاح هذه الصناعة
ورهن الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، نجاح هذه الصناعة بعدد من التدابير التي اقترحها في تقرير قدمه للبرلمان خلال مناقشة القانون.
واقترح التقرير استفادة مصنعي عتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة من تدابير دعم الاستثمار ومن الأنظمة الاقتصادية الجمركية أسوة بالقطاعات الأخرى، ودعم ومواكبة هذا القطاع عن طريق تشجيع البحث العلمي والتقني والبحث عن شراكات مع الشركات الدفاعية الكبرى ومع الدول الصديقة.
كما اقترح التركيز في السنوات القادمة على استعمال آلية الموازنة الصناعية، وإبرام اتفاقيات وبرامج تسهم في بناء ودعم القاعدة الصناعية المحلية عن طريق خلق مشاريع مشتركة.
اكتفاء ذاتي وإنعاش الاقتصاد
يرى محمد شقير أن خلق نواة صناعية عسكرية سيكون مربحاً للمغرب، خاصة على المدى المتوسط والبعيد.
ولن يقتصر على التصنيع المحلي وتوفير حاجاته الذاتية، بل سيتجه المغرب نحو التصدير وخاصة للدول الإفريقية، وهذا سيحقق -حسب شقير- أرباح مالية مهمة وسيُنعش الاقتصاد.
وأضاف أن هذه الخطوة ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني الذي لن يظل اقتصاداً مدنياً، لكنه سيتحول إلى اقتصادٍ عسكري وسيُحول البلاد إلى قوة إقليمية ليس فقط بإمكانيات الموقع الاستراتيجي والإمكانيات البشرية، ولكن أيضاً بمقومات تصنيعية تلبي له احتياجاته الدفاعية والعسكرية.
ويفتح القانون الجديد المتعلق بتنظيم الصناعة العسكرية المجال لدخول القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، واشترط دخول الشركات للاستثمار في الصناعة العسكرية بأن تكون أغلبية رأس مالها مملوكة من قبل مغاربة، إلا إذا ارتأت الإدارة خلاف ذلك لاعتبارات تتعلق بالدفاع أو بالأمن أو بالسياسة العامة أو الاقتصادية.
ويضيف شقير أن مثل هذا الاستثمار سيمكن المغرب من تكوين خبرات محلية وخلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة على غرار باقي الدول التي تستثمر في المجال العسكري، لافتًا إلى أن هذه الأخيرة تحقق أرباحاً ضخمة من خلال بيع معدات عسكرية.