يُشكل تواجد روسيا في ليبيا تهديداً خطيراً لمصر، إذ يُمكِن أن يتحول شرق ليبيا إلى قاعدة خلفية لكافة أعمال التمرد ضد الأنظمة السياسية في منطقة الساحل والصحراء.
تراجع النفوذ المصري في ليبيا
منذ بضع سنوات أصبحت ليبيا بالفعل منطلقاً للهجمات ضد تشاد والسودان وتونس ومصر ومالي، ولعل حادثة اغتيال الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 أبريل/نيسان 2021 مثال له دلالة لما أصبح يمثله العمق الصحراوي الليبي من موقع استراتيجي للمعارضة التشادية المسلحة.
وما حدث في تشاد يمكن أن يُعيد نفسه مرة أخرى في أي بلد، ويمكن أن يمتد من الساحل إلى القرن الأفريقي في السودان وجنوب السودان والنيجر.
ويرى المحلل السياسي وليد أرتيمة أن تراجع النفوذ المصري شرق ليبيا بدأ منذ أن جلب حفتر مرتزقة فاغنر الروسية بدعم إماراتي، وأصبح القرار العسكري في ليبيا بيد هذه مرتزقة التي تعمل بشكل مستقل عن حفتر وبأوامرٍ مباشرة من الكرملين الروسي.
وأضاف أرتيمة في تصريح لـ"عربي بوست" أن مناطق النفوذ والحركة العسكرية لقوات حفتر أصبحت شبه منعدمة في مناطق سيطرة مرتزقة فاغنر بكل من قاعدة القرضابية، والجفرة، وبراك الشاطئ العسكرية.
واعتبر المتحدث أن كل هذه المعطيات تدل على أن النفوذ المصري في هذه المناطق قد أصبح متقلصاً، وعوضته روسيا، هذه الأخيرة التي تتواجد بعض قواتها العسكرية النظامية على الأرض في ليبيا.
وتابع أرتيمة أن قرار وقف إطلاق النار الذي اتخذ في ليبيا كان قراراً روسياً تركياً، والمشاورات كانت بين أنقرة وموسكو بحكم التواجد العسكري لهاتين الدولتين على الأرض، ولم يكن لمصر أي دور فيه، بحكم أن تواجدها في ليبيا كان أمنيتً استخباراتياً فقط.
وقال أرتيمة إن السلوك المصري في ليبيا كان يعتمد على تواجد أمني واستخباراتي على الأرض، والسيطرة على مجلس النواب من الناحية السياسية، والدفع بالذراع العسكرية المتمثلة في ميليشيات حفتر المحلية التي خسرت الحرب في طرابلس مطلع العام الماضي، مؤكداً أن مصر فقدت قدرتها على تحريك حفتر على الأرض بوجود روسيا.
وأوضح أرتيمة أن السلوك الدبلوماسي المصري أصبح داعماً بشكل كبير جداً للمواقف الأمريكية في ليبيا، ما يثبت انزعاج الدبلوماسية المصرية من التواجد الروسي الذي أصبح يُشكل تهديداً حقيقياً لمصالحها في ليبيا، بل يمكن أن يشكل خطراً حتى على أمنها القومي.
وأشار المتحدث إلى أن روسيا المتمثلة في مرتزقة فاغنر وبعض القوات النظامية الروسية سيطرت على جزء كبير من مناطق النفوذ السياسي والعسكري المصري في شرق ليبيا، ولم تمس مناطق نفوذ التواجد التركي المتحالف مع الحكومة الشرعية في غرب ليبيا.
منافسة أمريكا وروسيا
وعلى الرغم من أن الصراع في ليبيا لا يمثل أولوية سياسية لإدارة الرئيس بايدن، فمن الواضح أنّ مِن مصلحة الولايات المتحدة الدِّفاع بقوة عن الانسحاب الفوري لجميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا.
ويعتبر طرد المرتزقة في الدرجة الثانية لإدارة بايدن، التي تنظر إلى التطورات في ليبيا من خلال منظور المنافسة مع روسيا، ولأن معظم الوجود الروسي في ليبيا يتكون من قوات شركة فاغنر، لذلك فإن رحيل جميع المرتزقة من ليبيا سيَحرِم روسيا من موقع استراتيجي على ساحل المتوسط، وعلى السواحل الجنوبية لأوروبا.
وتمثل الأزمة الليبية تحدياً كبيراً للاستقرار الداخلي والشرعية السياسية في مصر، فمنذ عام 2013، كان الصراع جيوسياسياً قوياً للقاهرة بسبب التقارب الاستراتيجي بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعلى دعم خليفة حفتر للحرب ضد حكومة الوفاق الشرعية في طرابلس، والتي بدورها وقعت اتفاقية عسكرية وأمنية مع تركيا لخلق توازن في المنطقة.
مصر تدعم حفتر
وعلى الرغم من المحاولات العديدة لمصر للظهور كوسيط سياسي في الصراع لم يخف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعمه لحل عسكري لصالح حفتر، وما يسمى بالجيش الوطني الليبي.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، اتخذت مصر عدداً من الإجراءات الأمنية مثل نشر قوات ميدانية في مهمة مكافحة الإرهاب، وإطلاق مناورات عسكرية باسم "رعد 24" في المنطقة الغربية، بالقرب من حاجز السلوم – من أجل حماية الحدود التي يسهل اختراقها ومنع الاختراقات إلى مصر من شرق ليبيا.
وفي 22 مايو/أيار 2021 الماضي حذَّر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، يان كوبيتش، مجلس الأمن، من أن التقدُّم بشأن القضية الرئيسية المتمثلة في سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا قد توقَّف، وأن استمرار وجودهم لا يشكل تهديداً لليبيا فقط، ولكن للمنطقة الإفريقية بأسرها.
أعادَ هذا التحذير إلى الواجهة مُعضلة المرتزقة في ليبيا، بعد تفاؤل ساد لأشهر في أعقاب الاتفاق السياسي الذي أنهى سنوات من الحرب، ونَصَّ في أحد بنوده على ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية من البلاد خلال 90 يوماً.