ما بين الرفض والصمت والتأييد المشروط، تباينت مواقف الإسلاميين في السودان بمختلف تنظيماتهم وأحزابهم حول الإجراءات التي أعلنها القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان.
وكان البرهان أعلن يوم الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول، حالة الطوارئ وحل الحكومة الانتقالية وإعفاء جميع ولاة الولايات ووكلاء الوزارات والنقابات، بينما اعتقلت قوات عسكرية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وعدداً من وزرائه وعدداً من قادة الأحزاب السياسية.
انقلاب عسكري
الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، وصف إجراءات الجيش بالانقلاب العسكري، وكشف عن مساعٍ يقودها الحزب لتوحيد الساحة السياسية في اتجاه تحقيق أهداف الثورة وتحقيق الانتقال الديمقراطي في السودان.
وأبدى عمر، في حديث لـ"عربي بوست" الخميس، تحفظاً على المكون المدني وعلى قوى الحرية والتغيير، مشيراً إلى أن الوثيقة الدستورية "خلقت اصطفافاً أضعف المؤسسات السياسية وسهّل من مهمة العسكر في الاستيلاء على السلطة"، على حد وصفه.
وظل السودان يُحكم منذ 17 أغسطس/آب 2019 بشراكة بين المدنيين ممثلين في قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وفقاً لوثيقة دستورية جرى توقيعها في السابع عشر من أغسطس/آب 2019، غير أن توقيع اتفاق سلام "جوبا" أنتج شريكاً ثالثاً في الفترة الانتقالية.
ورفض عمر الحديث عن أي مشاركة لحزبه في الحكومة المقبلة حال تشكيلها، رغم التلميحات التي أشار لها العسكر وحلفاؤهم نحو الإسلاميين، موضحاً أن القضية الآن تجاوزت مشكلات الشراكة إلى تهديد وضع للبلاد.
كذلك، رفضت الحركة الوطنية للبناء والتنمية -أحدث كيانات التيار الإسلامي- ما سمته الانقلاب العسكري وأعلنت مناهضتها جميع أشكال الانتهاك والعمل على استعادة الحياة السياسية والاجتماعية الحرة.
واتهمت الحركة في ذات الوقت قوى الحرية والتغيير بالفشل الاقتصادي وإحداث شرخ اجتماعي واسع.
على الحياد
حركة الإصلاح الآن بزعامة غازي صلاح الدين، حمّلت المكونين المدني والعسكري مسؤولية ما حدث في السودان.
ورفض قيادي بالحركة -رفض التصريح باسمه كونه غير مخوّل له بالحديث إعلامياً- الانحياز لطرف دون الآخر في الصراع الحالي بين المكونين العسكري والمدني، واستبعد مشاركتهم خلال أي تشكيل حكومي قادم.
وطالب بيان لحركة "الإصلاح الآن" بالعودة إلى دستور 2005، لإعادة بناء وتنظيم الأجهزة الانتقالية الأخرى ابتداءً من مجلسي السيادة والبرلمان والمفوضيات على أن تكلف كفاءات وطنية لقيادة تلك المؤسسات.
ليس انقلاباً
الأمين السياسي للإخوان المسلمين حسن عبد الحميد، رفض توصيف قرارات الجيش بالانقلاب العسكري، وقال في حديث لـ"عربي بوست"، إن ما تم هو إجراء عسكري يؤخذ في إطار مجريات الأحداث.
وحمّل عبد الحميد في الوقت ذاته قوى الحرية والتغيير وحكومة عبد الله حمدوك مسؤوليتي الإقصاء السياسي والفشل في إدارة الدولة على التوالي.
وللمرة الأولى منذ سقوط نظام البشير، تحجم الحركة الإسلامية السودانية عن إصدار أي بيان أو تعليق على ما حدث من إجراءات للجيش، وهو الموقف الذي اتخذه حزب المؤتمر الوطني الذي التزم بعض من قادته الصمت رغم محاولة "عربي بوست" الحصول على تصريح منهم، في ظل اتهامات هنا وهناك ظلت تلاحقهم بمحاولات تخريب الفترة الانتقالية.
التقارب مع العسكر يعني الخسارة
من جهته، يرى المحلل السياسي محمد خليفة صديق أن التيارات الإسلامية مجتمعة ستكون الخاسر حال التقارب مع العسكريين، كونها "تقلبت في نعيم وجحيم التحالف السابق في ظل نظام الرئيس السابق عمر البشير"، على حد تعبيره.
وقال صديق لـ"عربي بوست" إن حالة البيات الشتوي تناسب أوضاع وتوجهات الإسلاميين الحالية، وذلك بسبب الرفض الواسع لهم حالياً من قبل الشارع من جهة، ولغياب قادتها الفعليين في السجون من جهة أخرى.
القيادي الإسلامي المحامي الشيخ النذير، قال في حديث لـ"عربي بوست" إن ما اتخذه البرهان من قرارات لا يعنيهم في شيء واصفاً ما حدث بأنه خلاف بين شريكين.
واستبعد النذير مشاركة أحد التيارات الإسلامية في المجلس التشريعي المزمع تشكيله أو في أي من الهيئات الحكومية الأساسية.
ولفت إلى أن أي مشاركة قد تستفز الشارع، مضيفاً أن القائد العام للجيش البرهان قال إن توسيع قاعدة المشاركة تشمل جميع الأحزاب عدا المؤتمر الوطني، غير أنه قال في موضع آخر إنه لا مكان لحزب عقائدي خلال الفترة الانتقالية، وبالطبع فالوصف ينطبق على ثلاثة أحزاب هي: الشيوعي والبعثي والأحزاب الإسلامية.
وأبدى القيادي الإسلامي ارتياحاً لما حدث من تغيير أطاح بنظام البشير، مشيراً إلى أن ذلك أزاح عن كاهل التيارات الإسلامية عبء السلطة وخلصها من عقدة "انقلاب" الإنقاذ رغم أن الزمن تجاوزه بعدد من الانتخابات التي أكسبت النظام شرعية شهد عليها العالم، على حد وصفه.
ولا يرى النذير جدوى من توحيد الصف الإسلامي في الحاضر أو المستقبل، فمكاسب التباين أوضح وأكبر في نظرتهم لمستقبل العملية السياسية التي يجزم بوصولها إلى انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.