أسوأ معدلات النقص في المياه منذ ما يقارب العقد يشهدها الأردن، بسبب التأثيرات والمتغيرات التي تعصف بالمنطقة وعلى رأسها تراجع نسبة هطول الأمطار والإفراط في استخدام المياه خلال عمليات الإغلاق على خلفية جائحة كورونا.
يؤكد الناطق باسم وزارة المياه والري عمر سلامة في تصريحات خاصة مع "عربي بوست"، أن الأردن تعاني من أزمة مياه حقيقية، مشيراً إلى أن نسبة فاقد المياه تقدر بـ 45% على مستوى البلاد، وأن هناك 70% من حجم المياه التي يتم ضخها هي مياه "بلا فاتورة" نتيجة الاعتداءات والسرقات على خطوط المياه، ونتيجة الأعطال في شبكات المياه من تسريب وإهدار لحجم المياه بسبب تهالكها وعدم صلاحية الكثير منها.
ويكشف سلامة أن هناك مساعي من قبل وزارة المياه لتدارك مثل الأمر، ومنها مشاريع "الفارة" الذي سيستمر لمدة خمس سنوات بكلفة 52 مليون دينار، وسيعمل على إعادة تأهيل وتحسين شبكات مياه ووحدات المعالجة، كما يتضمن المشروع تنفيذ شبكات جديدة وتأهيل القائم منها وتقليل الفاقد وتحسين إيصال المياه للمواطنين الأردنيين ورفع قدرة وكفاءة الشبكات، وكذلك مشروع إعادة تأهيل وتحسين كفاءة أنظمة محطات المعالجة لتحسين قدراتها ورفع كفاءتها، إضافة إلى تركيب وتطوير عدادات المياه والاستعاضة عنها بـ"عدادات ذكية".
ويستعرض سلامة مشكلات المياه في الأردن، ومنها أزمة السدود التي شهدت تراجعاً كبيراً في معدلات الملء نتيجة لتراجع نسبة هطول الأمطار العام الماضي بنسبة 50%، ما انعكس على نسبة ملء السدود وأدى إلى فقدان 80 مليون متر مكعب عن الأعوام الماضية.
وحول الحلول التي تعمل عليها وزارة المياه لتفادي أزمة المياه في البلاد، يكشف سلامة عن أن الوزارة تقوم على مشروع جديد يسمّى "الناقل الوطني" لتحلية مياه البحر في العقبة، وسيكون جاهزاً للعمل خلال الخمس سنوات القادمة، لأجل تفادي نسبة العجز المائي في البلاد ولتقديم حل جذري يعمل على حل أزمة المياه خلال السنوات القادمة.
تذمر من الأردنيين بسبب حالة النقص في المياه
وعلى الرغم من المساعي التي تبذلها الوزارة لأجل توفير نسبة الفاقد الكبيرة والعجز في المياه، فإن الأمر لم يجدِ نفعاً، نظراً لنسبة الفقد المرتفعة في ظل الضغط المستمر على الموارد المائية وتزايد حالة انقطاع المياه في البلاد.
هنا يؤكد المواطن الأردني أحمد الحمايدة الذي يعيش في لواء فقوع التابعة لمحافظة الكرك جنوب الأردن، بأن المناطق الجنوبية الأردنية تشهد أزمة مياه حادة وحالة انقطاع مستمرة، منوهاً بأنّ سكان منطقته يعانون عجزاً مستمراً في توفير احتياجاتهم من الماء، فما توفره سلطة المياه لا يفي باحتياجات المنطقة التي يعيش فيها ولا التي حولها.
ويشير الحمايدة في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن حجم ضخ المياه في مناطق وقرى الكرك والمناطق الجنوبية في الأردن قليل جداً بالمقارنة مع العاصمة الأردنية، منوهاً إلى أن سلطة المياه تقوم بضخ المياه مرة واحدة كل أسبوعين ولمدة لا تتجاوز 8 ساعات فقط وعلى فترات متقطعة، الأمر الذي يخلق أزمات كبيرة منها مشكلة الشرب، وكذلك أزمة الري للمزارع المحيطة بالمنازل.
ويتحدث الحمايدة بلهجة غاضبة وحزينة قائلاً: "يضطر الكثير من أقاربنا إلى اللجوء إلينا من أجل توفير المياه لقطعان الأغنام التي يتم تربيتها في الأراضي والحظائر المحيطة لمنطقة فقوع التي أسكن فيها، وذلك بحكم امتلاكنا لبئر مائية عميقة نقوم بتخزين المياه من خلالها، لأجل تفادي النقص في كميات المياه، لكن في الكثير من الأحيان لا تكفي البئر لتلبية احتياجاتنا، الأمر الذي يدفع سكان المنطقة إلى شراء كميات مياه إضافية من الصهاريج التابعة لسلطة المياه المسؤولة عن منطقتها.
معاناة مستمرة
جمال الحموري من قرية بيت راس شمال مدينة إربد، يشرح معاناته الحقيقية في عدم توفر كميات كافية من المياه في المنطقة التي يعيش فيها، على الرغم من قربها من مدينة إربد التي لا تتجاوز مسافة 5 كم، فإن مشكلة انقطاع المياه لا تزال مستمرة منذ عدة سنوات، بل وازداد الوضع سوءاً بعد جائحة كورونا، نظراً لأن المواطنين كانوا يلجؤون إلى البقاء في البيوت لفترات طويلة.
ويضيف الحموري في حديثه إلى "عربي بوست": "منذ جائحة كورونا ازدادت معاناتنا كثيراً ولجأنا إلى شراء الماء من صهاريج المياه التي ترتفع أسعارها بعد تزايد الطلب عليها"، مشيراً إلى أن أسعار المتر المكعب الواحد من الماء تصل إلى دينارين، ويجب شراء ما لا يقلّ عن خمسة أمتار، أي أن سعر أقل حمولة للماء هي 10 دنانير، مشدداً على أنهم ليس لديهم أي خيار آخر.
لجأ الرجل إلى تغيير الصنابير التي تستهلك كميات أكثر من الماء في دورات الماء وفي المغاسل، لتجاوز حالة العجز في المياه التي تعاني منها قريته.
لا مبرر لشراء الماء من إسرائيل
وضع الأردن المائي الحرج دفع بالحكومة الأردنية إلى توقيع اتفاقية مع إسرائيل، تقضي بموجبها بشراء 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه من تل أبيب، إضافة لما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1994.
لكنّ عضو البرلمان الأردني النائب موسى هنطش، يعتبر أنه لا يوجد مبرر بأي شكل من الأشكال، لتوقيع الحكومة اتفاق مياه مع الكيان الصهيوني، مؤكداً أن لدى الأردن خيارات وبدائل عديدة متاحة لتوفير المياه، سواء من الداخل، أو من الخارج.
ويرى هنطش في حديثه مع "عربي بوست" أن لدى الأردن بدائل وحلولاً كبيرة جداً في الأردن، ولدينا فاقد من المياه يصل إلى 50% كان الأصل أن يعالج هذا الخلل، وأن يبحث عن بدائل وهي كثيرةً جداً على الساحة الأردنية، ويمكن شراء المياه من أكثر من 1500 بئر خاصة (غير مرخصة ومخالفة) تستطيع تقليل حالة النقص والشح في الماء التي يعيشها الأردن، حيث يستفيد منها مواطنون في أراضيهم ونصفها موجود حول محافظة عمان.
يعتقد هنطش أن مسألة عجز المياه في الأردن هي سوء إدارة متراكمة، وسوء أمور إدارية ومالية في وزارة المياه، والسرقات من كبار المسؤولين، والتي لم تعلن عنها الحكومة الأردنية ورئيس وزرائها، مشدداً على أهمية ترشيد حالة الاستهلاك المنزلي والزراعي والصناعي والتجاري، لتعويض حالة العجز والنقص في المياه.
وفيما يتعلق بمسألة الفاقد في الماء بالأردن 48% في محافظات الوسط (محافظة عمان، السلط، مادبا، الزرقاء) هذا الفاقد يتمثل في قسمين، قسم سرقات وقسم فاقد في شبكات المياه، كاشفاً طرحه على الحكومة الأردنية الحلّ الأمثل لهذا الأمر، خاصة فيما يتعلق بكمية المياه المفقودة في الشبكات، عن طريق الدعم التركي، "ولم تستجيب الحكومة الأردنية في عهد رئيس الوزراء الأسبق هاني الملقي وأنا قدمت هذا الموضوع".
كما وجّه هنطش تساؤلاً عن الأسباب التي أوصلت الحكومة إلى شراء المياه من إسرائيل، فيما طلب تزويده بكميات المياه التي تمّ شراؤها من تل أبيب وكيفية التسليم وفترة التسليم وأماكن التسليم، وسعر هذه المياه ومواصفاتها الفنية، وما هي أوجه استخدامها، متسائلاً في الوقت نفسه: "لماذا لم يتم تأمين هذه المياه بالشراء المباشر من المواطنين (الآبار الخاصة)، حسب اللزوم وحسب المواقع، فيما سأل عن الاستراتيجية التي وضعتها وزارة المياه لتأمين حاجة الأردن من المياه للأعوام العشرة القادمة".
مشكلة عميقة تحتاج لحلول جذرية
أزمة المياه الشديدة في الأردن لم تقتصر على فصل الصيف، بل تعدتها لتصل لفصل الشتاء الذي من المفترض تنخفض فيه كميات الضغط والحاجة إلى المياه مقارنة مع فصل الصيف الذي يعاني معه الأردنيون من جفاف ملحوظ.
وفي هذا السياق يؤكد المستشار في وزارة الإدارة المحلية محمد الملكاوي أن المشكلة المائية الحادة بالأردن تعود لظروف وأسباب داخلية وإقليمية، وأبرز ما يتعلق بالأمور الداخلية أن الأمطار تعد شحيحة مقارنة مع كثير من دول المنطقة إذا ما تمت مقارنتها بسوريا أو لبنان أو تركيا أو حتى شمال فلسطين، إضافة لذلك فإن السدود بالأردن غير كافية لتزويدها بالمياه بسبب شح الأمطار.
ويوضح الملكاوي في تصريحات إلى "عربي بوست" أن الأردن يعتمد على مياه حوض "DC" لتزويد العاصمة الأردنية عمان وبعض مدن الأردن كالزرقاء وهي مياه غير متجددة، ولدى الأردن شركاء فيها على رأسها السعودية.
ويكشف الملكاوي أن حصة الأردن في نهر اليرموك وفي روافده تعرضت للسطو من الجارة سوريا، والأردن لم يكن يحصل على حقه كاملاً من مياه النهر بسبب سطوة النظام السوري على الأردن قبل أحداث الأزمة السورية التي بدأت في عام 2011.
أما فيما يتعلق بالمياه في منطقة الأزرق التي كانت عبارة عن منطقة واحات، يكشف الملكاوي أن الضخ الجائر للمياه قد تسبب بهبوط مستويات المياه إلى أعماق كبيرة جداً في تلك المنطقة.
البديل صعب لكنّه متوفر ومتاح
ويرى محللون للمشهد السياسي الأردني أنّ البديل أمام الأردن هو الحصول على المياه من منطقة الإقليم، لكن تطورات الأزمة السورية لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة ولا تساعد على تعاون أردني-سوري مثمر للحصول على المياه واسترداد الحق المائي الخاص بالأردن.
وهذا ما يذهب إليه المستشار محمد الملكاوي الذي يؤكد صعوبة الحصول على تفاهم أردني-سوري تجاه حصة عمان بالمياه، كما أن العراق يعاني من صراعات داخلية ويعاني من سطوة تركيا على المياه وعلى منابع الأنهار التي تغذي سوريا والعراق، فالمنطقة الإقليمية المجاورة للأردن تعاني من شحّ المياه بشكل خطير جداً الأمر الذي يعقد مثل هذا الحل.
ومن هنا فإن المستشار الملكاوي المقرب من الدولة الأردنية، يتمنى على الأردن الاعتماد على تحلية مياه البحر، مشيراً إلى أنه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كان هناك تفكير جاد لمحاولة تحلية مياه البحر في منطقة العقبة التي كانت بحاجة إلى مشروع تحلية مياه، حيث كانت كلفة المشروع في تلك الفترة ما بين 500 مليون – 600 مليون دولار.
لكن الحكومات الأردنية المتعاقبة قصرت -بحسب الملكاوي- في هذا المجال ولم تقم بإقامة مشاريع لتحلية المياه، منوهاً إلى أنه في تلك المرحلة كانت كلفة تحلية المتر المكعب حوالي دولار (0.70 دينار) وهي مرتفعة بعض الشيء، لكن على الأقل كانت الأردن قادرة على إنتاج المياه وتغطية جزء من العجز الذي يعاني منه.
غياب الاستراتيجية هو السبب الأهم كذلك في العجز المائي، حيث يرى الملكاوي أنه يجب إقامة مثل هذا المشروع، لكن الحكومات المتعاقبة قصرت ولم تسعَ للحصول على تمويل لمثل هذا المشروع، في المقابل حصلت على تمويلات لإقامة مشروع شبكات من الطرق وشبكات من الاتصالات والمواصلات، ومع ذلك قصرت بإقامة مشروع استراتيجي لتحلية مياه البحر.
ويشدد الملكاوي على أن الأردن بات في مأزق كبير جداً بسبب عدم توفر المياه لمختلف مناطق الأردن، فما يحصل عليه من مياه جوفية وسطحية غير كافٍ نهائياً لرفد مدنه ومخيماته وقراه بالمياه حتى ضمن الترتيب والحصة المقررة لها وبالحق الطبيعي بشكل دوري ولو لمرة واحدة أسبوعياً.
إسرائيل هي الحل المؤقت
ويبدو أن الحكومة الأردنية المتعاقبة توصلت مؤخراً إلى أن أفضل بديل وأقرب منطقة يستطيع الأردن الحصول منها على الماء هي إسرائيل بموجب معاهدة السلام التي وقعت بين الطرفين عام 1994، لكن يبقى هذا الحل ليس مثالياً وأنه لا يجب اللجوء والاعتماد عليه ولكن في ظل الظروف المحيطة وحاجة الأردن للمياه
ويضيف الملكاوي: "اليمين الإسرائيلي المتطرف وبعض التجمعات والأحزاب الإسرائيلية المناكفة والمعارضة لا تريد للحكومة الإسرائيلية أن تزود الأردن بالمياه، فنحن نتحدث عن 50 مليون متر مكعب إضافي سيتم الحصول عليها، بالإضافة إلى 50 مليون متر مكعب آخر يحصل عليها الأردن سنوياً بموجب بمعاهدة السلام، أي 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً والتي لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من حاجتها من المياه"، مشيراً إلى أن البديل غير متاح، وأي محاولة للتعاون في الوقت الحالي مع دول الجوار كسوريا والعراق لن تكون مجدية، ومن الصعب استقدام المياه من السعودية الخليج العربي، وبالتالي يجب القبول بهذا الحلّ مؤقتاً على أنّ تجد الأردن مشروعاً استراتيجياً سواء كان على المستوى الأردني أو على مستوى الإقليم، مشدداً على أنه لا يوجد ما يمنع الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية في المستقبل التفكير في مشروع مائي مشترك.
خاصة وأنّ الأردن يمر بجائحة مائية أخطر وأسوأ من جائحة كورونا، ويجب أن يكون هناك على الأقل تفهم مرحلي ومؤقت لما يجري، ويجب على الحكومة التفكير بخيارات الأردن المائية الاستراتيجية، متسائلاً في الوقت نفسه: "من غير المعقول أن نكون قادرين على تزويد لبنان بالكهرباء وفي نفس الوقت غير قادرين على تأمين المواطنين الأردنيين بالمياه سواء عبر مشاريع التحلية أو من خلال السدود الصحراوية، ولا يمنع أن تقوم محطات المياه والصرف الصحي بمعالجة المياه بشكل أفضل لاستخدامها بالزراعة، لأنّ جزءاً كبيراً من مياه الشرب يتم استخدامها في الزراعة".