في أكتوبر/تشرين الأول 2021، كانت واقعة غريبة من نوعها أحدثت ضجة في مصر حين عثر أهالي قرية أبشاق بمحافظة المنيا، على نحو 122 ألفاً و300 أمبول من لقاح سينوفارم الصيني ضد فيروس كورونا المستجد، في إحدى الترع.
الواقعة لقيت صدىً واسعاً في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بالنظر إلى عدد الأمبولات الضخم التي عُثر عليها، في وقت ينتظر فيه بعض الراغبين في تلقي التطعيم أكثر من 6 أشهر حتى يأتي دورهم، وتساءل كثيرون عن كيفية وصول هذه الكمية الهائلة من اللقاح إلى أيدي أشخاص غير مسؤولين أو موظفين غير أمناء بمديرية الصحة في محافظة المنيا.
كمية ضخمة كانت كفيلة بأن تطرح عديداً من التساؤلات حول الحادث.. من ألقى بها في الترعة، ولماذا، وكيف تهدر كل هذه الكمية في وقت يتهافت فيه المصريون على جرعة واحدة، خصوصاً أن التحقيقات الأولية التي كشف محافظ المنيا، اللواء أسامة القاضي، عن نتائجها أكدت أن مخزون اللقاحات في ثلاجات المديرية كامل، ما يعني أن اللقاحات الملقاة في القمامة ليست مسروقة من المخزون.
تتبعنا القصة، وكانت المفاجأة!
مصدر أمني رفيع المستوى كشف لـ"عربي بوست"، المعلومات الأولية حول الواقعة، فقال إن اللقاحات قادت إلى الكشف عن شبكة واسعة من موظفي وزارة الصحة المتورطين في تهريب اللقاحات من جميع محافظات الجمهورية.
يبيعونها إلى مهربين محترفين يعبرون بها الحدود لإعادة بيعها في دول مجاورة أو تصديرها مجدداً إلى دول إفريقيا التي تعاني لتوفير أعداد جرعات اللقاح المطلوبة لتطعيم مواطنيها، لكن حدث خلاف بين المهربين وأفراد الشبكة العاملة في وزارة الصحة قبل تسليم الجرعات التي وُجدت ملقاة بجوار الترعة، ولم يجد الأفراد حلاً للتخلص من الكمية التي يحملونها سوى إلقائها في مقلب للقمامة بجوار ترعة قرية أبشاق، لأنه من المستحيل إعادتها إلى الثلاجات بعد سحبها و"ضبط" الدفاتر بدونها، ومن المستحيل كذلك بيعها في مصر، لأن ذلك سيقود إليهم.
شبكة فساد واسعة لتهريب اللقاحات
وعن كيفية الحصول على تلك الكميات خصوصاً بعدما تبين أنها ليست مسروقة، قال المصدر: "هناك طريقتان تم رصدهما حتى الآن لتنفيذ مخطط التهريب، أولاهما قيام الموظفين من أعضاء شبكة التهريب مسؤولين عن تسجيل تلقي المواطنين للتطعيم في مختلف المحافظات، بتسهيل عملية منح شهادات تطعيم لمواطنين لا يرغبون في تلقي اللقاح".
وبالتالي يتوافر لدى الشبكة آلاف اللقاحات يومياً تم التسجيل في الدفاتر الحكومية أنها مُنحت لمواطنين وحصلوا على شهادات بذلك، بينما الحقيقة أنهم لم يتلقوا التطعيم، ودفعوا مبالغ مالية تتراوح بين 500 وألف جنيه على سبيل الرشوة لهؤلاء الموظفين للحصول على شهادات تطعيم دون تطعيم، ما يعني أن الموظفين المحظوظين استفادوا مرتين، مرة من الرشوة المباشرة وأخرى من بيع اللقاحات.
ويضيف المصدر: "الطريقة الثانية تم رصدها في بعض المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية في نطاق القاهرة الكبرى، حيث يعمد أعضاء هيئة التمريض في تلك المستشفيات إلى حقن المواطنين بنصف أمبول التطعيم فقط وبالتالي توفير أمبول في كل عمليتي تطعيم، وهذا يراكم لديهم مئات الأمبولات يومياً في كل مستشفى ومركز صحي، وبحسبة بسيطة يمكن أن يوفر ما يقرب من 10 آلاف أمبول يومياً في نطاق القاهرة الكبرى فقط".
لكن المصدر نفى وجود (أو على الأقل علم الأجهزة الأمنية بوجود) حالات لأعضاء في هيئات التمريض يحقنون الراغبين في التطعيم بحقن فيتامينات رخيصة السعر لتوفير أمبولات التطعيم الأعلى سعراً وبيعها بعد ذلك، وهو اتهام منتشر بين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، داعياً كل من يذهب لتلقي التطعيم إلى التأكد من اسم الأمبول الذي يتم تطعيمه به وأنه مخصص للوقاية من كورونا، وكذلك متابعة الممرض أو الممرضة في خطوات الحقن حتى انتهائها؛ للتأكد من حصوله على جرعة سليمة.
الواقعة كانت فتحت باباً لتبادل الجميع الاتهامات، حيث وجه بعض الإعلاميين المقربين من النظام المصري الاتهامات بالمسؤولية عن سرقة اللقاحات وإتلافها إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، بدعوى رغبة الجماعة في تأليب الشعب على الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة.
فيما اعتبر نشطاء معارضون للنظام أن ما حدث يكشف تغلغل الفساد داخل الدولة العميقة ومؤسساتها، ويعكس لا مبالاة النظام بصحة المصريين، وأعلنت النيابة القبض على 3 مسؤولين بمديرية الصحة المحلية في المنيا والتحقيق معهم؛ في محاولة لفك لغز اللقاحات المُتلفة.