وعود كبيرة وطموحات تتجاوز ميزانية المغرب.. من أين سيأتي أخنوش بالمال لتحقيق برنامجه الحكومي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/19 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/19 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية (مواقع التواصل الاجتماعي)

قبل شهر تقريبًا، تنفست الأستاذة سهام الصعداء فرحًا بالبرنامج الانتخابي الذي أعلن عنه حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي وعد فيه الأساتذة المبتدئين بإضافة مبلغ حوالي 250 دولاراً لمرتباتهم الأساسية.

سهام كالآلاف من الأساتذة في المغرب ينتظرون أن يُحقق أخنوش أحلامهم، ويفي بوعوده الانتخابية، التي تحولت إلى برنامج حكومي سطر فيه أهم ما سيقوم به خلال ولايته الحكومية التي ستنتهي في 2026، هذه النقاط التي تركز أغلبها في الشق الاجتماعي.

 الأساتذة ليسوا وحدهم من ينتظرون أن يُفرج أخنوش عن المنح التي وعد بها في برنامجيه الانتخابي والحكومي، فالطلاب، والأمهات، والأرامل، وأصحاب الدخل المحدود أيضًا، لا يعرفون شيئاً سوى متى سنقبض؟

وأمام هذه الانتظارات الاجتماعية، يطرح أصحاب الاختصاص والمتتبعون للشأن الاقتصادي في المغرب سؤالَ من أين سيأتي أخنوش بالأموال لتمويل برنامجه الحكومي؟

يعتبر أخنوش من أغنى رجال الأعمال في العالم (مواقع التواصل الاجتماعي)
يعتبر أخنوش من أغنى رجال الأعمال في العالم (مواقع التواصل الاجتماعي)

وعود كبيرة

أعلن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، قبل أيام، أمام أعضاء غرفتي البرلمان (النواب والمستشارين) عن برنامجه الحكومي في أول جلسة له في البرلمان، وركز البرنامج بشكل كبير على الشق الاجتماعي.

 ووعدت حكومة أخنوش بتوفير مليون فرصة عمل خلال الخمس السنوات المقبلة، وتوفير مبلغ 100 دولار لكل من تزيد أعمارهم على 65 سنة، ورفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% بدلاً من 20% حاليًا؛ وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.

أيضًا قدم البرنامج الحكومي وعوداً بتعميم التعويضات العائلية المحددة بـ300 درهم شهرياً عن كل طفل (30 دولاراً)، في حدود ثلاثة أطفال؛ وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025، لتشمل كل شخص حاصل على عمل ثابت؛ وإحداث منحة عن الولادة للأسر المعوزة قدرها 2,000 درهم (200 دولار) عند ولادة الطفل الأول، و1000 درهم (100 دولار) عند ولادة الطفل الثاني.

 وتضمن البرنامج الحكومي وعداً بتقديم مِنَح للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة ميزانيتها السنوية قدرها 500 مليون درهم (500000 دولار)، وتوفير ما لا يقل عن 250  ألف فرصة عمل مباشرة من خلال برنامج ورش عامة مؤقتة كبرى وصغرى.

الحكومة المغربية برئاسة أخنوش (مواقع التواصل الاجتماعي)
الحكومة المغربية برئاسة أخنوش (مواقع التواصل الاجتماعي)

وعود أكبر من الميزانية

الوعود التي قدمتها الحكومة المغربية الجديدة، برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش، لا تساير ميزانية الدولة، وبعض الوعود يصعب تحقيقها على الواقع، حسب مراقبين اقتصاديين، الأمر الذي طرح سؤال من أين سيأتي أخنوش بالمال لتحقيق البرنامج الحكومي؟

ولم يقدم أخنوش أي أرقام بخصوص كيف ستتم تغطية تكاليف برنامجه الحكومي، وقال إن قانون المالية لسنة 2022 الذي تم تقديمه الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في المجلس الحكومي سيتضمن التفاصيل الكاملة.

وأعلنت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن مشروع قانون مالية سنة 2022، الذي صادقت عليه الحكومة أمس الإثنين، خصص للاستثمارات العمومية مبلغاً غير مسبوق يناهز حوالي 245 مليار درهم.

وقالت العلوي، في ندوة صحفية عقب انعقاد مجلس الحكومة برئاسة عزيز أخنوش، إن مشروع القانون المالي "يأتي في سياق دولي مهم جداً، وبعد سنة ونصف من أزمة كورونا التي ضربت العالم بأسره".

وتوقعت الوزيرة في تصريحها أن تصل نسبة النمو نهاية السنة الجارية إلى 5.7%، بالإضافة إلى إحداث 26 ألف منصب جديد في الوظيفة العمومية، وهو الرقم الذي تعتبره الحكومة استثنائياً مقارنة بالأرقام الماضية.

ويستند مشروع القانون المالية على أربعة محاور أساسية، أولها توطيد أسس النشاط الاقتصادي من خلال إجراءات أهمها تحفيز الشغل، خصوصاً لفائدة الشباب، بحيث تعتزم الحكومة دعم خلق أكثر من 250 ألف فرصة عمل في السنتين القادمتين، وخصصت لذلك 2.25 مليار درهم برسم السنة المقبلة.

هذه الأرقام التي قدمتها الحكومة يراها متخصصون في الشأن الاقتصادي في المغرب أرقاماً مبالغاً فيها، ولا يمكن تحقيقها بالميزانية الحالية، ونسبة نمو لا تفوق 3%.

المحلل الاقتصادي أيمن بلشكر قال إن تحقيق البرنامج الحكومي ليس بالأمر المستحيل، إلا أنه يحتاج إلى إصلاح اقتصادي كبير قبل وضع هذه البنود التي عقد عليها المغاربة آمالهم، خصوصًا أن معظمها يتعلق بالشق الاجتماعي.

أيمن بلشكر قال إن قانون المالية لم يأتِ بالتفاصيل التي تشرح من أين ستأتي الأموال التي سيحقق بها أخنوش وحكومته كل وعودهم الانتخابية التي تبقى كبيرة واستثنائية، وأيضًا سابقة، مقارنة بالبرامج الانتخابية السابقة ولا حتى البرامج الانتخابية.

وأضاف المتحدث أن عقلية أخنوش كرجل أعمال أكيد جعلتها يحسبها رفقة مجموعة من الخبراء قبل أن يعلن للبرنامج الذي فاز به في الانتخابات، وأيضًا استفاد من خبرة الأحزاب الأخرى قبل أن يعلن عن البرنامج الحكومي، لكن إذا نظرنا إلى ميزانية الدولة نجد أنها لن تكفي تغطية تكاليف هذه البرامج.

الحكومة المغربية أثناء تعيينها من طرف الملك محمد السادس (مواقع التواصل الاجتماعي)
الحكومة المغربية أثناء تعيينها من طرف الملك محمد السادس (مواقع التواصل الاجتماعي)

من أين سيأتي المال؟

 أمام الأرقام الكبيرة والمنح التي وعد بها أخنوش، سواء في برنامجه الحكومي أو في برنامجه الانتخابي، فيقول المحلل الاقتصادي أيمن بلشكر لـ"عربي بوست" إن الأمر يحتاج إلى نسبة نمو لا تقل عن 6%، وهو رقم ضروري حتى تجد الحكومة مصادر مهمة لتغطية برنامجها.

واعتبر المتحدث أن نسبة 6% يصعب تحقيقها، لأن الحكومة أعلنت بنفسها، وعلى لسان وزيرة اقتصادها، أن نسبة النمو ستكون هي 5.7%، وفي وقت سابق أعلنت أنها ستكون 4%، وهذا الأخير هو الأقرب للحقيقة. 

وفسَّر المتحدث احتمالية تحقيق نسبة نمو قريبة من 4% بتوقعات البنك الدولي، الذي أعلن  شهر يوليو/حزيران 2021 أن نمو الاقتصاد المغربي سيكون بنسبة 4.6% خلال 2021، وأيضاً حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة اقتصادية رسمية).

أيضاً اعتبر المتحدث أن الحكومة تحتاج إلى تفعيل الإصلاح الضريبي لتحقيق نسبة نمو مهمة، في حين أن الإصلاح الضريبي لم يتم الحديث عنه إلا في البرنامج الحكومي، ولا حتى في البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار.

وأشار المتحدث إلى أن حكومة أخنوش يجب أن تولي الأهمية إلى كيفية استجلابها الضرائب من المعنيين بالدفع، وتفعيل قانون الإصلاح الضريبي الذي تمت المصادقة عليها في يوليو/تموز 2021، والذي يمكنه أن ينقذ السياسة العمومية لأن عائدات المغرب من الضرائب تراجعت في 2020 بنسبة 5.4% مقارنة بـ2019.

أما عن فرص العمل، فتوقع المتحدث ألا تتجاوز 200 ألف فرصة عمل خلال الـ5 سنوات المقبلة، وذلك بالنسبة لـ4% التي حددتها الحكومة كنسبة نمو، وبالتالي فالعدد يبقى بعيدًا على مليون فرصة عمل التي جاءت في البرنامج الحكومي.

وأوضح المحلل السياسي أن أخنوش الذي يعتبر رجل أعمال كبيراً في العالم وليس في المغرب فقط، وأن وزراءه أقلهم يعتبر من أغنياء البلد، فهو قادر رفقة باقي أعضاء فريقه على أن يستجلبوا المال لدعم برامجهم الانتخابية بدرجة أولى، أما البرامج الحكومية فهي تبقى رهينة بميزانية الدولة ولن تتحقق إلا إذا تعافت السياسة المالية للبلاد.

تحميل المزيد