قالت صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن السلطات الصينية ستُلزم أكثر من 200 ألف صحفي معتمد لديها بأن يتلقوا 90 ساعة على الأقل من التعليم المستمر كل عام؛ للتيقن من أنهم "ملتزمون سياسياً"، و"متفوقون مهنياً"، ويمتثلون الخط العام للحزب الشيوعي الصيني.
جاء الإعلان عن هذه الخطوة في مسودة لوثيقة صادرة عن "الإدارة الوطنية للصحافة والنشر" (حكومية)، ووزارة الموارد البشرية في البلاد، وهي أحدث محاولة لتشديد الرقابة على الصحفيين، خاصة قبل انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي العام المقبل، الذي يسعى فيه الرئيس شي جين بينغ إلى ولايته الثالثة زعيماً للبلاد.
كما ناقشت الصين مؤخراً إصدار حظر على الاستثمارات الخاصة في مجال الإعلام، مع أن جميع وسائل الإعلام تخضع بالفعل لسيطرة الدولة، مع إدارة مباشرة من الحزب الشيوعي لوسائل الإعلام الأكثر شعبية.
يشار إلى أنه في عام 2019، عندما توجه الصحفيون لتجديد بطاقاتهم الصحفية، طُلب منهم أن يجتازوا اختباراً في أفكار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وتضمن الاختبار أسئلة حول توجيهاته الخاصة بالدعاية العامة للدولة. والآن بعد عامين، تقول بكين إن هؤلاء الصحفيين لايزال عليهم أن يُصقلوا معرفتهم بأفكار "شي"، وأن يتابعوا توجيهاته أولاً بأول.
حيث قالت المسودة: "استرشاداً برسالة الحزب في مجال الإعلام وصناعة الرأي العام، نرى أنه يجب علينا تعميق التثقيف الإعلامي الماركسي".
الوثيقة أضافت: "عبر التعليم المستمر، يجب أن نواظب العمل على بناء القدرات السياسية للصحفيين وتوجيه المهنيين العاملين في قطاع الإعلام إلى التزام الاتجاه السياسي الصائب دائماً، والحرص على التوجيه الصحيح للرأي العام والمصلحة العامة".
زيادة الوعي السياسي!
في حين تنشئ الهيئات التنظيمية الإعلامية نظاماً جديداً للتعليم المستمر، يجب على المؤسسات المصرح لها بتقديم الدورات إعطاء الأولوية "لزيادة الوعي السياسي وتعزيز الكفاءة السياسية"، بحسب الوثيقة.
على أثر ذلك، تزداد ظروف العمل الخاصة بالصحفيين الأجانب تدهوراً، لاسيما وهم يحتاجون إلى الاعتماد من وزارة الخارجية الصينية.
كانت بكين قد ألغت، خلال العام الماضي، تأشيرات دخول جميع الصحفيين الأمريكيين تقريباً، ويشمل ذلك الصحفيين العاملين في الصحف الكبرى، مثل صحيفة The New York Times وصحيفة The Wall Street Journal وصحيفة The Washington Post.
مخاوف لدى الصحفيين الأجانب
في السياق، كافأت السلطات الأمنية هذا الشهر مسؤولاً أبلغ عن مراسلين أجانب كانوا يقومون بعملهم الصحفي، ما أثار مخاوف من أن الأنشطة العادية للصحفيين الأجانب يمكن أن تُعتبر "تجسساً" أو أفعالاً "تُعرض أمن الدولة للخطر".
يشار إلى أن الرئيس الصيني منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012، كان قد أكد أن جميع وسائل الإعلام يجب أن تكون في خدمة الحزب الشيوعي الحاكم، منهياً بذلك فترة كان فيها بعض الفسحة للإعلام الموجَّه لخدمة أهداف السوق، والذي دفع من أجل مزيد من الحرية في المجال العام.
تجدر الإشارة إلى أن منظمة "مراسلون بلا حدود" أكدت، في حصيلتها السنوية لعام 2020، أن الصين ومصر والمملكة العربية السعودية وفيتنام وسوريا تمثل أكبر خمسة سجون للصحفيين في العالم.
أكبر انتهاكات بحق الصحفيين
في حين شدّدت السلطات الصينية رقابتها على الحقل الإعلامي بشكل أكثر شراسة منذ اندلاع جائحة "كوفيد-19″؛ فقد احتجزت السلطات جميع المواطنين الصحفيين الذين حاولوا نقل أخبار الجائحة. ولا يُسمح بالعمل الصحفي إلا للصحفيين المعتمدين من الدولة، والذين تصرح لهم وسائل الإعلام الحكومية بجمع الأخبار، وتحرص بكين على التزامهم خط الحزب وعدم تجاوزه.
فيما لا يزال حتى الآن سبعة صحفيين قيد الاحتجاز على خلفية تغطيتهم للأزمة الصحية، فيما تم اعتقال أكثر من 450 من مستخدمي الإنترنت لمشاركتهم معلومات حول فيروس كورونا؛ وصفتها السلطات بأنها "شائعات كاذبة"، بحسب "مراسلون بلا حدود".
فحتى خلال عام 2021، تظل الصين أكبر سجن في العالم بالنسبة للمدافعين عن حرية الصحافة، حيث يُوجد ما يزيد على 120 صحفياً خلف القضبان، في ظروف تهدد بقاءهم على قيد الحياة على الأغلب.
يذكر أن كونشوك جينبا، وهو أحد الأصوات الإعلامية البارزة في منطقة التبت ذاتية الحكم جنوب غربي الصين، كان قد توفي فبراير/شباط الماضي، حيث فارق الحياة من جرّاء ما تعرض له من سوء معاملة أثناء الاحتجاز، تماماً كما كان الحال بالنسبة للفائز بجائزة نوبل للسلام والحائز جائزة مراسلون بلا حدود، ليو شياوبو، والمدون المنشق، يانغ تونغيان، اللذين وافتهما المنيّة داخل السجن في عام 2017.