رفع الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل من سقف خطاباتهما ضد القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في حادث انفجار مرفأ بيروت، خصوصاً بعد أحداث الطيونة، وسط العاصمة بيروت، التي راح ضحيتها 8 قتلى وعشرات الجرحى يوم الخميس، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويُهدد الثنائي الشيعي بعرقلة عمل الحكومة الجديدة لنجيب ميقاتي إذا لم تتم إزالة القاضي بيطار من عملية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، هذا القاضي الذي تعتبره الجهة الشيعية مدعوماً من أمريكا.
بيطار مقابل الحكومة
كشف مصدر مقرّب من حزب الله وحركة أمل، أن الثنائي أضاف شرطاً للعودة لتفعيل الحكومة، وهو إحالة جريمة الطيونة إلى المجلس العدلي، واستدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بصفته مسؤولاً عنها.
وأكد المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، أن "الثنائي الشيعي وحلفاءه لن يقبلوا أيضاً بإيجاد صيغ سياسية لإبقاء القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، وأن المعادلة التي ستكون مع الحلفاء والخصوم، هي إما أن تكون مع قاضي التحقيق بجريمة المرفأ طارق البيطار أو ضده".
وأشار المصدر نفسه أن "الثنائي الشيعي المتمثل في حزب الله وحركة أمل أكدا أنهما لن يسمحا باستكمال التحقيق في مرفأ بيروت"، بحجة أنه "مسيّس، ومرتبط بالسفارة الأمريكية، التي تريد مواجهة المقاومة عبر التحقيق".
وبحسب المصدر ذاته، فإن "الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، سيكون واضحاً في خطاب يوم غدٍ الإثنين، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي سيُوجهه للتيار الوطني الحر، هذا الأخير الذي يمنح القاضي بيطار غطاءً سياسياً في الحكومة، من خلال رفض رئيس الجمهورية ميشال عون ووزراء التيار الوطني الحر عزل الرجل من مهمته "لحسابات سياسية".
وتتجلى هذه الحسابات السياسية، حسب مصدر "عربي بوست"، في كون أن باسيل جبران، رئيس التيار الوطني الحر، يسعى للتودد لدى أمريكا، بهدف رفع العقوبات المفروضة عليه خريف العام الماضي، خاصة أن الأمريكيين يؤكدون دعمهم للتحقيق الذي يقوده المحقق العدلي طارق بيطار.
خطاب منتظر لنصر الله
وكشفت مصادر "عربي بوست"، أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، سيُلقي خطاباً غداً الإثنين، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، سيُوجه فيه رسائل سياسية عالية النبرة لكل الأطراف، بعد أحداث بيروت الأخيرة، التي يعتبر الحزب أنها استهدفته مباشرة، كما سيلعن موقف الحزب من ملف تحقيقات المرفأ، التي يتمسك من خلالها بعزل البيطار.
وأضافت مصادر الموقع أن نصر الله سيُؤكد من خلال خطابه "أن من سيقوم بحماية القاضي بيطار سيكون خصماً لنا، ولن نسمح للسفيرة الأمريكية بفرض معادلات وشروط، ما دمنا موجودين في البلد"، يقول المصدر.
ويؤكد المصدر أن الصيغ القائمة على التسويات السياسية والمتعارف عليها بين الأطراف السياسية اللبنانية لحل الصراعات، وتحديداً محاولة إيجاد مخرج يُبقى البيطار في عمله كان من الممكن أن تحصل قبيل أحداث يوم الخميس في بيروت، لكن وبعد التطوّرات الميدانية تم التأكد من وجود أجندة سياسية تقف خلف التحقيقات التي يقودها القاضي البيطار، وباتت المعادلة مغايرة عن السابق.
ويعتقد المصدر أن الغطاء السياسي الذي يؤمنه رئيس الجمهورية للمحقق العدلي طارق البيطار، من شأنه أن يُعرقل أيّ صيغة تسوية قد يتمّ الاتّفاق عليها، الأمر الذي دفع إلى إبلاغ عون وميقاتي بأنه لا حكومة إلا بعد تراجع البيطار عن مهمّته.
ويعتبر المصدر أن "محاولات البعض ابتزازنا بقضية التحقيق، بغرض إرضاء الأمريكيين، لرفع العقوبات عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لن نسمح باستمرارها مهما كلف الثمن".
ميقاتي يبحث عن الحل
وبحسب مصادر قضائية، فإن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يسعى لإعادة إحياء حكومته المعطلة، إذ قام بالدعوة لاجتماع حضره رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، ووزير العدل هنري الخوري، بمشاركة رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد.
وقالت المصادر نفسها إن بحثاً مستفيضاً جرى خلال اللقاء، وتركز بمجموعة مسارات جرى ترتيبها لحل أزمة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، مع القاضي البيطار.
ويرتبط المسار الأول، حسب مصدر "عربي بوست" بأحداث الطيّونة من زاوية ضرورة أن يلعب القضاء دوراً حاسماً للحفاظ على الاستقرار، وبناءً على التحقيقات يمكن دراسة إمكانيّة إحالة القضية أمام المجلس العدلي.
فيما المسار الآخر مرتبط بمطالبة الثنائي الشيعي وتيار المردة بعزل القاضي طارق البيطار، وبحسب المصدر فإن ميقاتي أكد على أنه يرفض التدخّل السياسي بالقضاء، وأنه لن يسمح بالذهاب باتجاه إقالة المحقّق العدلي في جريمة مرفأ بيروت.
وبرّر ميقاتي ذلك بكون الدستور واضحاً في تحديده المرجعية القضائية المخوَّلة له ملاحقة الرؤساء والوزراء، ولذا طلب من مجلس القضاء الأعلى إزالة الالتباس الحاصل لتنقية القضاء من تدخّل السياسيين، وحسم الصيغة القانونية التي تعيد الاحترام لمقتضيات الدستور.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه جرى الاتفاق على أن يعقد مجلس القضاء الأعلى اللبناني، يوم الثلاثاء المقبل، اجتماعاً بشأن انفجار مرفأ بيروت، ويتم دعوة القاضي طارق البيطار لحضور الاجتماع والاستماع إليه.
خارجياً، يؤكد مصدر دبلوماسي مطلع لـ"عربي بوست"، أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سمع من مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية- الآسيوية، فيكتوريا نولاند، في زيارتها إلى لبنان منذ يومين، كلاماً واضحاً وصريحاً بأن عزل البيطار سيؤدي إلى وقف المساعدات، وإقرار عقوبات جديدة على الحكومة.
ما بعد اشتباك بيروت؟
يخوض الثنائي الشيعي معركةً سياسية مع حزب القوات اللبنانية، الذي يقوده سمير جعجع، والذي يُتهم حسب حزب الله وأمل بإطلاق النار تجاه المتظاهرين في أحداث الخميس الدامية، إذ أظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي أحد ضحايا الاشتباك يسقط برصاص عناصر الجيش اللبناني، بينما تم نشر فيديو آخر قيل فيه إنّ سيارة عسكرية قامت بتهريب أحد القنّاصين من منطقة الاشتباك.
ويرى مراقبون للشأن اللبناني، أن المواجهات المسلحة التي عرفتها العاصمة بيروت لها أبعاد وانعكاسات سياسية وقضائية، كما أنه لا مصلحة لأي طرف في تصعيد ميداني أو عسكري أو أمني.
مقابل ذلك، برزت على سطح الأحداث السياسية في لبنان ثلاثة ملفات أصبحت في الواجهة، والمتجلية في مصير التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وقضية القاضي طارق البيطار، بالإضافة إلى التحقيق في حادثة الطيونة.
المحلل السياسي منير الربيع يرى أن "حزب القوات اللبنانية يريد القول إن المناطق المسيحية خطّ أحمر، وإن فائض القوة لا يمكن أن يُمارس على المسيحيين".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "حزب القوات اللبنانية يريد تسجيل مجموعة أهداف مسيحية في مرمى التيار الوطني الحر، فاتفاق مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي عقد في العام 2006 يصلح سياسياً في حسابات الطرفين اللذين يديرانه، لكنه بلا أفق شعبي، وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى حدود الدماء".
ويُعد الرئيس ميشال عون هو الخاسر الأكبر، حسب المحلل السياسي، "فبعد فشله الاقتصادي والمالي ثمة فشل أمني يمسّ المسيحيين مباشرة، بعدما لم يعد يسعهم الجلوس متفرجين على تقاتل المسلمين فيما بينهم، سنّة وشيعة، إذ المعركة باتت تطال البيئة المسيحية هذه المرة".
وفي المقابل، يرى الربيع أن حزب الله سجل انتصاراً معنوياً وسياسياً، بمحاولة إثباته أنه الضحية التي تتعرض لضربات متتالية، مقابل ذلك هو ينأى بنفسه عن الردّ حفاظاً على السلم الأهلي وعدم التورط في الدم.
ويعتقد الربيع أن هذا لا ينفي أن حزب الله يواجه مشاكل عدة، على رأسها مواجهة قرية شويا، التي أُطلقت منها الصواريخ تجاه إسرائيل خلال الحرب مع غزة، والتي كادت أن تؤدي إلى أزمة مفتوحة مع الدروز، بالإضافة إلى مواجهة منطقة خلدة مع السنّة، وحالياً المواجهة مع المسيحيين على خلفية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.
ووفقاً للربيع، فإن الأمر نفسه ينطبق على وضع الجيش اللبناني، إذ لا يمكنه استنساخ السلوك الذي اتبعه في 7 أيار/مايو 2008، حينما وقف في منطقة الحياد أثناء اجتياح حزب الله للعاصمة بيروت، إذ إن المعركة هذه المرة تطال المسيحيين في المدينة.
واعتبر المحلل السياسي أنه في حال جاء موقف الجيش اللبناني مماثلاً لموقفه في العام 2008، سيظهر عاجزاً عن حماية المسيحيين وأماكن استقرارهم، وهذا يعني الكثير رمزياً ومعنوياً.