في سابقة هي الأولى من نوعها لرئيس فرنسي، أدان الرئيس إيمانويل ماكرون، السبت 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، الحملة الدموية التي شنّتها بلاده على المتظاهرين الجزائريين في باريس قبل 60 عاماً، واصفاً إياها بأنها "جريمة لا تُغتفر ولا مبرر لها".
جاء ذلك خلال مشاركته في مراسم أقيمت بالعاصمة الفرنسية باريس، إحياءً لذكرى المجزرة الفرنسية ضد المتظاهرين الجزائريين.
حيث قال قصر الإليزيه، في بيان، إن "الرئيس ماكرون أقر بالوقائع: إن الجرائم التي ارتُكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية"، بحسب موقع "فرانس 24" المحلي.
فيما وضع الرئيس الفرنسي إكليلاً من الزهور في الضواحي الباريسية على ضفاف نهر السين بالقرب من جسر "بيزون" الذي سلكه قبل 60 عاماً، متظاهرون جزائريون وصلوا من حي "نانتير" الفقير المجاور، تلبيةً لدعوة فرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا.
في حين تحولت هذه الذكرى إلى مناسبة لانتقادات وجهتها أطراف جزائرية رسمية لفرنسا، بالتزامن مع أزمة متصاعدة بين البلدين.
"مجزرة وحشية"
يشار إلى أنه في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، هاجمت الشرطة الفرنسية، بأمر من قائد شرطة باريس، موريس بابون، مظاهرة سلمية لآلاف الجزائريين، خرجوا للمطالبة باستقلال البلاد، واحتجاجاً على حظر التجول المفروض على الجزائريين.
هذه المظاهرة نظمها حينها أكثر من 25 ألف جزائري مؤيد لجبهة التحرير الوطني.
على أثر ذلك، قتلت العشرات منهم عمداً في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق، وألقت بعدد من المصابين من فوق الجسور في نهر السين، ما أدى إلى مقتلهم، وهو ما بات يُعرف بمجزرة "باريس عام 1961".
من جهتها، نشرت وزارة الإعلام الجزائرية بياناً، السبت، جاء فيه: "لقد تعرَّض هؤلاء المدنيون المتظاهرون لأبشع صور البطش والتنكيل والتعذيب والاغتيال".
الوزارة أوضحت أن "القمع خلَّف في يوم واحدٍ 300 شهيد، منهم النساء والأطفال والمسنون، في بلد يسوّق لنفسه، بهتاناً وزوراً، دور المدافع عن حقوق الإنسان!".
"جرائم ضدّ الإنسانية"
بدوره، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في رسالة، السبت، إلى شعبه حول هذا الحدث التاريخي، إن ما حدث في 17 أكتوبر/تشرين الأول يعد "وجهاً من الأوجه البَشِعة لسلسلة المجازر الشنيعة، والجرائم ضدّ الإنسانية التي تحتفظ بمآسيها ذاكرةُ الأمَّة".
كما شدّد تبون على "حرصنا الشديد على التعاطي مع ملفات التاريخ والذاكرة، بعيداً عن أي تراخٍ أو تنازُلٍ".
في غضون ذلك، تزامن إحياء الذكرى مع أزمة متصاعدة بين البلدين، حيث إنه قبل أيام، اتهم ماكرون السلطات الجزائرية بأنها "تكنُّ ضغينة لفرنسا"، وطعن في وجود أمة جزائرية قبل استعمار فرنسا للجزائر (1830-1962)، حيث تساءل: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟!".
بينما ردَّت الرئاسة الجزائرية، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بإعلان استدعاء سفير الجزائر في باريس للتشاور؛ احتجاجاً على هذه التصريحات، التي قالت إنها "مسيئة"، وتمثل "مساساً غير مقبول" بذاكرة أكثر من 5 ملايين مقاوم قتلهم الاستعمار الفرنسي.
كذلك أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية العاملة ضمن عملية "برخان" في منطقة الساحل الإفريقي.